الإسلاميون في تونس بين “مكر” السياسة و ”فنونها” .. بقلم بحري العرفاوي

ملخص

دعوات حركة النهضة المتكررة مناضليها وأنصارها إلى خدمة الناس وعدم الانشغال بالمناكفات السياسية هو رسالة لخصومها بكونها قد فهمت أهدافهم وبكونها لن تنساق في تلك “المشاحنات” وإنما ستستمر في الحركة على الأرض خدمة لمصالح الناس وحرصا على السلم الأهلي واستعدادا لمواعيد سياسية قادمة. لقد مارس خصوم النهضة معها أسلوب “النكاية” في معارضتها وهي في حكومة الترويكا أو في حكومة التوافق، تلك “النكاية” لم تلحق ضررا بالنهضة كحزب فقط وإنما ألحقت ضررا بالدولة وبحظوظ كانت وافرة في التنمية والإصلاح.

مقدمة

إن حركة النهضة التي تعلمت من تجاربها دروسا بليغة لم تعد تخوض “معاركها” مع الدولة إنما تخوضها كجزء من الدولة وهي تعي أن “مصالحها” من مصالح الدولة ذاتها، ولذلك نراها تتحرك بهدوء دون توتر أو قلق. وقد كان خصومها يظنون أن قد أوقعوها فيه. وإن نتائج الانتخابات الأخيرة في الرئاسية والبرلمان تجعل المشهد أكثر تعقيدا لكون الجميع خرجوا من الصناديق “ضعفاء” وأفضلهم هو أقلهم ضعفا. إن حركة النهضة ستظل بوصلتها باتجاه المصلحة الوطنية والسلم الأهلي وحقوق المواطنين في التنمية والأمن وجودة الخدمات.

والحقيقة أن تجربة الإسلاميين التونسيين في الحكم ونخصّ حركة النهضة لم تشهد  استقرارا   لأسباب يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي ولذلك ليس ممكنا الحكم لهم أو عليهم بالنجاح أو الفشل قبل تأمل البيئة السياسية والإعلامية والمجتمعية التي جرّبوا فيها الحكم.

1: التجريب الديمقراطي في بيئة غير ديمقراطية

حين استعادت حركة النهضة بعد 14 جانفي 2011 حقها في النشاط السياسي العلني وحين انخرطت في انتخابات 23 أكتوبر كانت واعية بأهمية دورها في ترسيخ المسار الديمقراطي وكانت أيضا متأكدة من حتمية الفوز وقد واكبنا ميدانيا أغلب تحركات قادتها…الناس الذين صوتوا للنهضة إنما صوتوا لمظلوميتهم وأوجاعهم أولا ثم لثقتهم بكونهم يمثلون القيم الضرورية لبناء دولة العدالة والحرية والتنمية…العامة لا تعنيها فلسفة الحكم وتعقيداتها بقدر ما تعنيها نتائج الحكم حين يحقق لهم الأمن والعيش والكرامة…الذين خسروا الانتخابات شعروا بأنهم لم يخسروا مجرد محطة انتخابية وإنما هم بصدد خسارة مستقبلهم السياسي إذ لو نجحت النهضة في ترجمة وعودها على أرض الواقع فسوف تزداد شعبية وتزداد ثقة الناس بها …اشتغل العقل الماكر في تخليق الفوضى وفي تنمية ثقافة المطلبية التعجيزية المتمردة…اعتصاماتٌ وقطع طرقات وحرق مؤسسات وإضرابات وبالتوازي مع ذلك كانت مختبرات التدويخ السياسي تشتغل: حوارات دائمة في القنوات، تصيد التصريحات والمواقف وإبرازها في عناوين الصحف، توظيف أخطاء الشباب السلفي لإطلاق عقيرة الويل والثبور،البحث عن علامات الفقر والخصاصة وغياب الخدمات الأساسية وحتى الثلوج والفيضانات وتحميل مسؤوليتها للحكومة الجديدة ولحركة النهضة تحديدا،القيام بتحركات استفزازية لتوريط الأمن في الرد وفي ممارسة ما قد يكون ضروريا من عنف… “النهضة تتحول وفي وقت قياسي من ضحية إلى جهاز استبدادي جديد لا بد من إسقاطه”

ذاك ما يريد العقل السياسي الماكر الانتهاء إليه وإغراء العامة به…النهضة وجدت نفسها وجها لوجه مع “فنون الحكم” ولم تتدرب عليها بل وليس لها علاقة بمؤسسات الدولة وإداراتها وأسرارها…رموز النهضة علقوا ب “شبكة العنكبوت” معلقين في مكاتب يحتاجون وقتا للتأكد من كونها جاهزة لإصدار القرارات والمراسيم… “شبكة العنكبوت” تلك معقدة ساحرة وموحشة أيضا.. معلقة في شفافية تامة ومعرضة للريح وللعابثين يقذفونها من تحت …رموز النهضة غرقوا في دهاليز الوزارات والإدارات وغرقوا في مطالب الناس لا يكفون عن الصراخ

“العقل الماكر” يمرح في الميدان مستفيدا من خلوه شبه التام من خصومه ومستثمرا في أجواء من حرية غير “مهذبة” لم يتمتع بها التونسيون من قبل يخاطب الناس بما يفهمون ويقول كلاما يشبه الحقيقة عن عجز الحكومة وتقصيرها وعن مرتبات نواب التأسيسي ومنحهم والعملة الصعبة وعن مبالغ التعويضات الطائلة وعن أخطاء الوزراء وعن التهديدات والتدخلات الخارجية وعن مخاطر جمة تهدد الإبداع والحريات الشخصية ..وهم في كل هذه التهم يجدون ما يشبه الدليل يجعلونه ـ بفنون الكلام ـ دليلا ليس للعامة من الحصانة الثقافية والسياسية ما يجعلهم يتبينون الخيط الأبيض من الخيط الأسود…وزراء دولة الثورة يُوصَمون بكونهم هم ورئيسهم “مؤقتون” يعرف العقل الماكر كيف يضرب في العمق… صفة “مؤقت” تجرد الحكومة كلها ورئيس الدولة من أي مهابة بل من استحقاقات الشرعية الانتخابية…لقد تجرأ الجبناء والتافهون والمخنثون على كل رموز الدولة بل وأصبح بعض المنشطين المعطوبين يمارسون سلطة في الإستيدوهات على وزراء يستضيفونهم لا بغاية محاورتهم واستيضاحهم وإنما بغاية تهرئتهم ووضعهم في نفس المكانة مع الحمقى والرديئين

2- بين “سياسية الناس” و”السياسة بالناس”

إن حاملي “مشروع دولة” لا يمكن أن تأسرهم “شبكة العنكبوت” يتخبطون فيها لا يجدون مخرجا بل ويفقدون كل يوم بريقهم وصدقيتهم وفاعليتهم ويخسرون الكثير من أحبائهم ونصرائهم… السياسة هي فنون تصريف شؤون الناس وهذا يقتضى الخوض مع الناس في حياتهم اليومية والتواجد معهم حيثما وُجدوا في الشوارع والأسواق والملاعب والمقاهي والحقول والمعامل والمصانع وعلى أرصفة البطالة وفي هباتهم الغاضبة حين تضيق صدورهم فيعبرون… إن غضبة العامة حتى وإن بدت عنيفة إنما هي غضبة مطالبة وليست مغالبة وليست منازعة للسلطة في سلطانها.

وبين مشروع بناء “دولة الإنسان” ومشروع بناء “دولة السلطان” مسافة وعي ومسافة من الزمن ليست قصيرة… على عناصر الحكم الجدد ألا يعلقوا طويلا  ب “شبكة العنكبوت” المعلقة… فالأرض من تحتهم متحركة  توشك أن تميد بنا جميعا وليس عليها من جبال رواسيَ بعد أن كسر الاستبداد “كل” القامات ومحا “كل” العلامات.

يقول الكثيرون بأن السياسة مكر ودهاء ولكننا نقول بأنها حكمة وحزم وفنون. وحين نتأمل عناصر حركة النهضة في الحكم نكاد نجزم أنهم لا ينتمون  إلى هذين التعريفين،فهم بطبيعة تكوينهم العقدي أقرب إلى التزام الأخلاق الإيمانية بحيث يتحرون الوضوح والصدق في الغالب ويعتمدون قواعد الدفع بالتي هي أحسن والتجاوز على الخاطئين وإلزام النفس لتحمل الأذى بأشكاله…وهو ما جرأ عليهم الكثيرين في بيئة لم تتدرب على الديمقراطية وعلى آداب الحوار ومبادئ الاختلاف…وهو أيضا ما أوقعهم في أخطاء لا يمكن أن يقع فيها سياسيون محنكون…أبناء النهضة إما كانوا محاصرين في الداخل بين السجون وبين المراقبة اللصيقة وإما كانوا لاجئين في مختلف دول العالم بحثا عن مأمن لأنفسهم وأفكارهم…وحين خرجوا على الناس بعد 14 جانفي كانوا على غير “وعي” بما حصل من تغيرات عميقة في تونس…تغيرات في مستوى الشخصية التونسية من حيث ذهنيتها ونفسيتها وذائقتها وحتى قيمها…لقد حصلت براكين بأتم معنى الكلمة في عمق الشخصية التونسية لا بفعل الاستبداد فقط وإنما وأساسا بفعل تأثيرات “العولمة” وما استتبعها من نزوع استعماري كاحتلال العراق وأفغانستان ومن استشراء ثقافة استهلاكية جامحة وإغرائية…لقد أصبحت الشخصية التونسية أكثر واقعية بمعنى أنها لم تعد تهتم كثيرا بالمعاني والقيم المعيارية أو المُثُل التجريدية ولم تعد تلتفت لخطابات الأحزاب والسياسيين…ولم تعد “الصفة النضالية” تجد لها تصريفا عند العامة…حين عاد الإسلاميون إلى الساحة وخاطبوا الجماهير خطابا مزيجا بين الوعود الاجتماعية ومضامين الهوية…الناس صوتوا للنهضة لا قناعة بمضامين وفلسفة الخطاب وإنما “أملا” في الإصلاح والعدالة والتنمية. ببساطة لكونهم “طيبين” يخافون الله…مخافة الله عند الناس لا تجد دليلها في درجة التقوى وإنما في مستوى الإنجاز والعطاء وفي مستوى ما يتحقق من تنمية ومن نهوض بمستوى الأفراد المعيشية… الإسلاميون ظنوا بأن صفتهم تلك كافية لضمان وفاء الجماهير لهم وتضحيتها من أجلهم ..ظنوا بأنها سَتضحي من أجلهم وستتحمل مزيدا من الخصاصة والبطالة وصعوبة العيش…كانت المفاجأة الأولى حين امتحنت الحكومة الجديدة الناس في التبرع بأيام عمل لإنقاذ الاقتصاد الوطني وكانت المفاجأة الثانية حين طالب السيد رئيس الجمهورية بهدنة اجتماعية لستة أشهر…كان الرد اعتصامات وقطع طرقات وتعطيل مصانع ومعامل وكان الامتحان الأخلاقي لحكومة تريد أن تكون بديلا عن الاستبداد بحيث لا تعاقب ولا تمنع مظاهر احتجاجية بل وحتى لا تفك اعتصامات بالقوة…وزراء النهضة يظهرون في القنوات ولا يُعاملون كوزراء حكومة منتخبة وإنما ك “مُتهمين” تهما ماضية وتهما على النوايا…يُجهد الوزراء أولائك لتوضيح الصورة ويحاولون التزام قدر من الأدب والأخلاق رغم أن الكثير من مُحاوريهم هم من قِطَع الاستبداد الصدئة وهم من الإنكشاريين والوسخين والمشعوذين… لقد مثلت “الأخلاقُ” التقليديةُ عِبئا حقيقيا على حكومة تواجه السخرية والإهانة واللمز حتى تجرأ عليها الجبناء والمخنثون وحيث أصبح التافهون والسفهاء “ثوارا” يجدون فائضَ جرأة على رئيس الجمهورية وعلى رئيس الحكومة وعلى هيبة الدولة. الحكومة تتعرض يوميّا للجَلد في برامج تلفزية يتحلق فيها إعلاميون كما السّحرة يتقعرون ويستنجدون بالسذج المعطوبين من أدعياء الإبداع والفن والفكاهة.

3- حُسن النوايا ومكر الخصوم

حين تكلم السيد حمادي الجبالي رئيس حكومة الترويكا يومها عن مستقبل جميل لتونس في ظل حكم النهضة واستحضر صورة “الخلافة” الخامسة لعمر بن عبد العزيز وبشر بالسادسة وكان يأمل أن يكون رمزها  في لحظات وصَفها ب”الربانية” وحين أراد ممارسة ما رآه صلاحية تجاه الإعلام العمومي تعرض إلى ردة فعل ساخرة وعنيفة في آن… بدأت “حرب” الكاريكاتير والقلابس والتهريج الفكاهي ضده وضد رئيس الجمهورية وضد رئيس حركة النهضة أساسا…كان “الخصوم” سريعي البداهة بحيث يستنبطون ردود الفعل في وقت قياسي ويضربون في مواطن مُشلة ومُربكة. لقد قفزوا صبيحة 24أكتوبر 2011 إلى مقعد المعارضة لما للكلمة من جاذبية ومن قيمة نضالية ارتبطت بها من زمن الاستبداد…لقد سارعوا إلى وصف الحكومة ب “المؤقتة” لمْزًا لها واستنقاصا من شأنها وشأن وزرائها…كانت ردة الفعل على مفردة “خلافة” مشحونة إيديولوجيا بحيث استخدِمت في النيل من صِدقِية الإسلاميين تجاه الحداثة والمدنية ومكاسب المرأة والحريات العامة والأقليات غير المؤمنة.

واجهت حركة النهضة ـ أساسا ـ “عقلا خلاقا” في ردود فعله وفي تعاطيه مع أداء حكومة مترددة كما لو أنها خائفة…”العقل الخلاق” يصطنع المشاكل يُفلسفها ويُخرجها إخراجًا دراميا يستجمع حولها “المجتمع المدني” من فنانين وإعلاميين وجامعيين ورجال قانون ونقابيين وحقوقيين وشخصيات وطنية ـ وهنا نسأل عن حظوظ الحكومة والنهضة في هذه المناشط والفضاءات والفئات؟ وتلك أبرز مواطن الضعف ـ “العقل الفعال” يُجيد صناعة الأزمات يُغرق فيها الحكومة… حكومة مازالت تتدرب على فنون الحكم وتتحسس مسارب الدولة وطبقات الإدارة وتحاول أن تكون وفية لوعودها باحترام الحريات وبعدم إيذاء التونسيين بعد أن حررتهم “الثورة” ولكنها تجد نفسها أحيانا مضطرة لممارسة قَدْرٍ من “الردع” سرعان ما تتراجع عنه فتستجيب لمطالب “العقل الخلاق” في ما يُشبه الضعف والخوف والارتباك.

ولسنا بصدد مناقشة مدى صوابية قراراتها وإنما نناقش دلالات تراجعاتها الدائمة وانعكاساتها على جدية الحُكم وعلى هيبة الدولة…”علاش عملنا ثورة” يقولُ كل من لا علاقة له بها حين تذكره بالقانون أو بالشرعية أو حين يمارسُ الفوضى.

4 – من محنة الاستبداد إلى محنة السلطة

السيد حمادي الجبالي الذي لم يُدخله الاستبدادُ المِصحة أدخلته إياها ممارسةُ الحكم مراتٍ حتى قال مرة:”إن السجن أهون منُ ممارسة الحكم”.

إنّ هذا الرأي ليس قاعدة فقد مارس مانديلا الحكم في جنوب إفريقيا بعد ربع قرن من السجن وظل رمزا وطنيا وعامله السياسيون بكل تقدير واحترام… السيد حمادي الجبالي يقصد أن السجن أهون من الحكم في تونس تحديدا ،ولكن عليه أن يَحذرَ وقد ترك الحُكم أن يُلبي له خصومُه خِيارَه ـ أعتقد أنهم لن يبخلوا عليه وعلى إخوته بذلك إذا استطاعوا ـ وسيجدون ما يكفي من أدلة الإدانة والإثبات والتنفيذ وسيتصرفون بما تقتضيه السياسة من الحزم والشجاعة.

لا يكفي صدق النوايا في السياسة وإنما يجب صدق العزائم وصوابية الرأي ولا يكفي حسن الظن بالناس إنما يجب حسن معرفتهم ومعرفة ما طرأ على أعماق شخصياتهم من تحول أو تطور أو تشوّه… أعتقد جازما بأن سبب تردد أبناء النهضة وضعف آدائهم هو عدم اعتمادهم على علم الاجتماع السياسي لمعرفة ما حصل فعلا من تغيرات في الشخصية التونسية طيلة العقدين الماضيين ..أبناء النهضة انتقلوا من عزلة القهر إلى عزلة السلطة نعم لقد عزلتهم السلطة عن الشارع فلا يلتقون بالناس إلا في اجتماعات رسمية ولا يرونهم إلا حُشودا لا أفرادا ولا حالاتٍ ومشاعرَ وآلاما وأفكارا … “العقل الخلاق” يُمسك بالمقاهي والملاعب والحانات والأسواق يتسرب في أسئلة الناس ومعاناتهم يُكيفها سياسيا وإيديولوجيا أو يوجهها في لحظاتٍ سياسية ضاربة يصنع بها الحدث … أبناء النهضة تأسرهم شبكة العنكبوت في المكاتب والإدارات وفي المهام الرسمية لا يصنعون الحدث ولا يحققون مطالب الناس كما انتظروها وإنما ينكبون على ردّ التهم وفك العُقد وتفسير الألغاز وتتبع خيوط “مؤامرات العقل الخلاق”… الناسُ لا تعنيهم آثارُ مؤامرات المعارضة على التنمية ولا تعنيهم حسن نوايا الحكومة ولن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن أسباب فشل “الحاكمين”…الناسُ الذين انتخبوا النهضة إنما هم في الحقيقة استقووا بها ضد الفقر والتخلف وضد الظلم والفساد ولنا أن نتصور موقف من اتكأ على جدار فاكتشف أنه من صلصال.؟

خاتمة

تجربة حركة النهضة التونسية في الحكم مازالت تمثل استثناء لحد الآن بالنظر إلى قدرتها على التكيف الإيجابي مع التطورات المحلية والإقليمية والدولية وبالنظر إلى نجاحها في حماية المسار الديمقراطي دون تصادم مع “الدولة العميقة” ودون تنازل عن أشواق الثورة.

بقلم : بحري العرفاوي (شاعر وكاتب تونسي)

المصدر : مركز الدراسات و الاستراتجية و الدبلوماسية بتاريخ 19 ديسمبر 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *