رغم مرور أعوام عن الإعلان عن استعادة الدولة السيطرة على الجوامع التي هيمنت عليها شخصيات ومجموعات ” متطرفة وتكفيرية ” ، لا تزال مصادر عديدة تؤكد أن نسبة كبيرة منها لا يزال يستخدم ” وكرا ” من قبل بعض المتشددين والمتعاطفين مع الجماعات المسلحة والارهابية .
وقد سبق لشيخ جامع الزيتونة عمر اليحياوي أن حذر بدوره من مضاعفات تهميش العلماء والفقهاء التونسيين والزيتونيين المستنيرين ومن وانعكاسات ذلك على انتشار التطرف الديني والتأويلات ” اللاعقلانية ” للاسلام وللتراث الفكري والفقهي بما في ذلك في صفوف بعض الشباب الذي تورط في حملة من الاعتداءات على حرمات المساجد عبر تغيير ” قبلة الجوامع ” والمنبر والمحراب ..الخ
وفي الوقت الذي تزايدت فيه التحذيرات وطنيا وعربيا واسلاميا ودوليا من انتشار أنواع من الغلو والتشدد والتطرف والارهاب كشفت فيه الدراسات الاستراتيجية المختصة أن الوقاية من تلك الظواهر لن تكون أمنية فقط . بل لا بد أن تقترن بجهد فكري ثقافي علمي وبمخططات واضحة لتشجيع القراءات العقلانية للقرآن والسنة النبوية والفهم المقاصدي للاسلام .
لقد أنتجت تونس والاندلس ومنطقة شمال افريقيا منذ أكثر من ألف عام عددا كبيرا من الفلاسفة والمفكرين ومصلحين وعلماء الفقه المتشبعين بالفكر المقاصدي والقراءات العقلانية للاسلام من الشاطبي وابن رشد الى مالك بن نبي والطاهر والفاضل بن عاشور بن عاشور والطاهر الحداد وعابد الجابري وهشام جعيط ومحمود شلتوت وحسن حنفي ..وغيرهم.
وإذا كان القرن ال21 افرز علماء وجامعيين مستنيرين من الحجم الكبير ، أغلبهم مؤلفاتهم مغمورة في مكتبات الجامعات ، فإن الحرب الحقيقة على التطرف والارهاب ينبغي أن تبدأ بمخططات وقائية لاصلاح المؤسسات التي تشرف على الجامعات المختصة في الدراسات الإسلامية والحضارية ومن بينها الجامعة الزيتونية وجامعة الازهر التي يتخرج منها منذ أعوام جيل من ” الوعاظ ” و” الائمة” المنحازين للمدارس ” السلفية المتشددة ” وضحايا الفضائيات التي تروج لقراءات ” تبسيطية ” و” ظاهرية ” للنص الديني وللتراث الفكري الثري .
لقد وقع تطوير ” الادارة العامة للشعائر الدينية ” منذ ربع قرن الى وزارة بهدف اعطائها صلاحيات لتطوير الخطاب الديني في الجامعات والجوامع .
لكن النتائج لا تزال محتشمة وضعيفة .
وبعد أشهر من اقالة وزير الشؤون الدينية عبد الجليل سالم فتح جدل في تونس حول ضرورة اعادة الاعتبار لهذه الوزارة أو الغائها .
لكن الطبيعة لا تقبل الفراغ .
وحسب مؤشرات عديدة فإن غياب وزير على رأس المؤسسات التي تشرف على تنظيم مؤسسات الشعائر بأنواعها لم يزد المشاكل القديمة إلا تعقيدا وتأزما داخل جامعة الزيتونة ومؤسسات تكوين الائمة والوعاظ ورسكلتهم وبينها الجوامع .
فلماذا لا تستبدل الوزارة القديمة بوزارة “للاجتهاد والتجديد “تتولى اداراتها الاشراف على الشؤون الادراية والعلمية والتكوينية للجوامع وموظفيها وخطبائها في نفس الوقت الذي تحدث فيه ادارات عامة مختصة في تجميع تراث المجددين في التاريخ العربي والاسلامي والتراث الانساني ، وأخرى تتولى تنظيم ورشات للمفكرين من أجل تقديم اجتهادات تلبي حاجيات الشعوب والشباب وتتفاعل مع تتطلعاتهم ومشاغلهم ؟
مجرد اقتراح ..
كمال بن يونس