إسقاط الجنسيّة عن الإرهابيين العائدين :إجراء غير قابل للتطبيق و يفتقر للجدّية ! .. بقلم محمد المؤدب

في خضمّ الجدل القائم عمّا يمكن اتخاذه من إجراءات كفيلة بالتصدّي للإرهابيين المرتقب عودتهم لمنطقتنا من بؤر التوتّرإثر تطوّر مجرى المعارك في العراق و خاصّة في سوريا، و رغم التوضيحات التي قدّمها في الخصوص كلّ من السيدين، رئيس الجمهوريّة ليلة السبت 31 ديسمبر 2016 بمناسبة حلول سنة إداريّة جديدة، و رئيس الحكومةفي الأيّام الموالية، يواصل عدد من السياسييّن تنظيم التظاهرات المتكرّرة للتعبير عن تمسّكهم برفض عودة أولائك الإرهابييّن و خاصّة باقتراحإسقاط الجنسيّة التونسيّة عنهم و لو أدّى ذلك، لتحوير الدستور(!). ذلك الاجراء، و علاوة على عدم دستوريّته، فهو غير مقبول مبدئيّا، لا وطنيّا ولا دوليّا، و عمليّا غير قابل للتطبيق و لا يمكنه تحقيق أيّ من الأهداف المرجوّة منه بل بالعكس يثير العديد من الإشكاليّات و التساؤلاتو من المؤكّد يسيئ لتونس ما بعد 2011 وهي في غنى، كلّ الغنى عن ذلك.

و في ما يلي أهمّ الإشكاليّات و التساؤلات التي يثيرها ذلك المقترح في هذه الفترة بالذات:

1. من البديهي أنّ تنصيص الدستور في فصله 25 على تحجير إسقاط الجنسيّة على التونسيّين لهو أحد أهمّ المكاسب و ضمانات الحقّ في المواطنة والانتماء لهذه البلاد، خاصّة و أنّ الأمر يتعلّق في هذه الحالة بالموطن الأصلي، إذ أنّ جلّهم تونسيّون بالولادة. و لا بدّ من الإشارة إلى خطورة الأمر لو توصّل مجلس النوّاب، لا قدّر الله، إلى تعديل الدستور في هذا الاتّجاه، فالخطر كلّ الخطر أن يكون بإمكان أيّ طرف وصللسدّة الحكم، إسقاط الجنسيّة عن أحد خصومهمن بني وطنه حتّى و لو بتهمة الإرهاب، خاصّة و أنّه لا أحد توصّل لتعريف الإرهاب تعريفا موضوعيّا متّفق عليهلا لبس فيه. و لكلّأن يتصوّر ما يمكن حصوله من انحرافات في توظيف ذلك التعديل لتصفية الخصوم سياسيين كانوا أو غيرهم.

2. إنّ أغلب الإرهابيين المعنيين في هاته الحالة، وحيدي الجنسيّة، تونسيّي الأصل بالولادة. فما هو مصير ممّن تسقط عنه جنسيّتهالوحيدةالتونسيّة؟ هل ستقبل دول إقامتهم ذلك و تمكّنهم من مواصلة الإقامة بها؟ ما هي التّداعيّات المحتملة لذلك على علاقات تونس بتلك الدول؟ إنّ إسقاط الجنسيّة على أولائك الارهابييّن يطرح مبدئيّا و مباشرة مسألة مآلهم بعد ذلك؟ بدون جنسيّة ؟ أي معدمي الوجود القانونيو الإداريرغم وجودهم الفعلي؟حقيقة، يشكّل هذا المقترح سابقة في تاريخ تونس ، تبقى مرفوضة من حيث المبدإ على المستويين الوطني و الدّولي.

3. الجوانب الغير عمليّة للإجراء المقترح:

في البداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ العديد من النقاط العمليّةالهامّة، بقيت تتطلّب المزيد من التوضيح من قبل أصحاب المقترحوهو ما سيبيّن لهم استحالة تنفيذه في الواقع و تداعيّاته الجسيمة على البلاد، و هذا أقلّ ما ينتظر من النخب، سياسييّن و نوّاب شعب.

و من تلك النقاط المبهمة، الآتي ذكرها:

– مفهوم العودة ؟عنأيّعودةنتحدّث؟هلهمفريقواحدأوحتّىفرقمنظّمةينتظرعودتهاجماعاتفيفترةمعلومةإثرانهزامهمفيمناطقأخرىأو انتهاء مهامّهم؟و من قال أنّهم سيعودون لتونس بالذات؟ إذ الأرجح أنّهم،إثر الضغط الميداني عليهم بمناطق الحرب بالعراق و الشام، سيبحثون عن ملاجئ آمنة و ميادين جديدة لمواصلة “جهادهم ضدّ الكفّار”. فعلا، إنّ المنطقة المحيطة بتونس، ليبيا و دول الساحل و الصحراء، توفّر ميادين معارك مناسبة لحاجيات تلك الجماعات في هذه الفترة، و من ذلك المنطلق، من لا يستبعد أن تعود أعداد هامّة بما فيهم التونسيّون لتلك المنطقة الشاسعةلإعادة تنظيم صفوفهم و تعزيزها بانتدابات جديدة و بالأسلحة و التخطيط للمرحلة الموالية. طبعا هذا لا يمنع سعي قلّة منهملدخول تونس و إنهاء مغامرتهم “الجهاديّة”، إلاّ أنّ هؤلاء لن يشكّلوا حتما الأغلبيّة. إذن هي تسلّلات، متخفّية عن أعين القوّات الأمنيّة، للمنطقة قصد مواصلة “الجهاد” و ليست عودة في شكل سفرات معلومة للوطن بعد انتهاء المهمّة أو بقرار جماعي أو شخصي.

– أشكال العودة ؟ للتذكير، يتعلّقالأمربإرهابيّنلايعترفونلابالنظامالدوليالقائمولابالحدود،وحربهمضدّ “الكفّار” لاحدودلاجغرافيّةولازمنيّةلها. أمّالتنقّلاتهم،فيستعملونوثائقمزوّرةوينتحلونصفاتغيرحقيقيّةوباستثناءحالاتنادرةفهميتنقّلونعبرالمسالكالغيرقانونيّةالمعهودةوباستعمالوسائلنقلتوفّرهادول و جهاتمتواطئةمعهم،يجوبونبهاالجبالوالصحاريو حتّى البحار فيأمان. فعودةأغلبهملنتكونإلاّفيصيغةتسلّلاتفرديّةوفيأقصى الحالات في مجموعاتمحدودة العددعبرمسالكوفيأوقاتلاتلفتانتباهالمصالحالأمنيّة. فالعديدمنهملنيعودلتونسبمفهومانتهاءمهمّةالجهاد،والعودةللحياةالعادية،بلسيواصلون”الجهاد”مفتكينبالشّيوخوالأطفالوالنساءومدمّرينلكلّمايأتونعليهفيطريقهم،وذلكفيأيّرقعةكانتمنالأرضوأحبّها لهم من يشهد أهلها أن لا إلاه إلاّ الله و أنّ محمّدا رسول الله.

و بناء على ما سبق، فأيّ عودة يرفض أصحاب المقترح؟ و ما سيكون التأثير الفعلي لقرار رفض عودة الإرهابيّين التونسيّن على أنشطتهم و على مصيرهم ككلّ؟ هل هم في حاجة لشهادة جنسيّتهم لمواصلة جهادهم في تونس أو في غيرها من أصقاع العالم؟

– آلية إسقاط الجنسيّة؟ من الضروري بيان الجهة التي سيعهد لها إصدار قرار سحب الجنسيّةو الآليّة المزمع اعتمادها لذلك، هل هو القضاء؟ إثر محاكمة؟ إذن بعد العودة و المثول أمام القضاء؟لكن كيف يمكن ذلك و أنتمضدّ عودتهم لتونس حتّى يتسنّى للقضاء النّظر فيإسقاط جنسيّتهم؟ أم هو قرار سياسي بحت؟فمن سيتّخذه و حسب أيّ آليّة ؟ هل هي قرارات فرديّة أم جماعيّة؟ثمّبناءعلىماذا تتّخذ تلك القرارات؟

– من هم المعنيّون بإسقاط الجنسيّةو المنع من العودة لتونس؟طبعالايمكنتطبيقهذاالإجراءعنالإرهابيّينالمتواجدينداخلالبلاد،إذفيتلكالحالة،ماذا نفعل بهم، لأيّجهةنسلّمهمبعدتجريدهممنالجنسيّةالتونسيّة؟وأيّبلدسيقبلتسلّمهم؟وتحتأيّغطاءقانونييمكنتسويقذلكفيالداخلأوالخارج؟

و بالنسبة للإرهابيين الواقعين خارج البلاد، كيف يمكن عمليّا تطبيق الإجراءالمقترح عليهم و منعهم من العودة؟ أ يكفي الإعلان عن إسقاط جنسيّتهمو منعهم من الرجوع للبلاد،دون محاكمة، عبر وزارة الخارجيّة و القنصليّات بالخارج مثلا؟ بناء على أيّ مقاييس أو مستندات قانونيّة يتمّ ذلك؟ ثمّ ما هو تأثير مثل ذلك الإجراء على المعنييّن بالأمر؟ أ يمنعهم ذلك من مواصلة جهادهم ضدّ تونسو غيرها؟ الانخراط في هذه الجماعات الظلاميّة لا يتطلّب تزكية أيّ من الجهات الرسميّة و الحقوقيّة و لا حتّى الأمميّة. إذن ما الجدوى من كلّ هاته الغوغاء، ندوات و مسيرات و مزايدات في الوطنيّة و … ؟

قديقع البعض من بين الإرهابيّن التونسييّن النشطين خارج البلاد، بأيدي دول أخرى و يحاكمون فيها طبقا لقوانينها. و عند انتهاء مدّة عقوباتهم، من المرتقب أن تطلب تلك الدّول من تونس تسلّمها إيّاهم، فماذا يكون ردّ تونس حينئذ، بعد أن تكونهذه قد أسقطت عنهم جنسيّتهم التونسيّة؟ هل من المعقول أو المقبول، أن تتملّص تونس من مسؤوليّاتها تجاه رعاياهاو إنكار تبعيّتهم لها؟ كيف يمكن تبرير ذلك: هؤلاء الإرهابيّون التونسيّون يشكّلون خطرا على الأمن القومي التونسي فقرّرنا التخلّي عنهم لكم، بعدأن جرّدناهم من جنسيّتهم؟ أيّ صورة لبلادنا سيترك مثل هذا الموقف في المحافل الدوليّة؟ الشّفقة كلّ الشّفقة على دبلوماسييّنا عند مقابلة نظرائهم لشرح الموقف التونسيمنذلك !!!

هذه بعضالإشكاليّات المبدئيّة و العمليّة التي كان لا بدّ على أصحاب مقترح إسقاط الجنسيّة على الإرهابيّين العائدين من مناطق التوتّر، التفكير فيها مليّا و إيجاد الأجوبةالعمليّة لها قبل المضيّ قدما و تنظيم التظاهرات و المسيرات، دفاعا عن مقترح لا زال دون مضمون ملموس.

و إلى ذلك الحين، يبقى مقترح إسقاط الجنسيّة عن الإرهابييّن التونسييّن و رفض رجوعهم للبلاد، مقترحا مرفوضا من حيث المبدإ و الجوهر، و الأهمّ من ذلك أنّه غير قادر على تحقيق أيّة نتائج،فهو لن يمنع الإرهابيين المعنيين لا من التسلّل للمنطقة و لا داخل تونس ذاتها و لا من مواصلة أعمالهم الشنيعة.و بذلك فهو مقترح غير جدّي بالمرّة و لا يشرّف تونس، تونس صاحبة دستور 2014 الذي لا أحد يتمنّى تعديله لإدخال مثل هذا التحوير الذي يهدّد التونسييّن في مواطنتهم حتّى و إن كانوا إرهابييّن، فنسبة هذه الصّفة ذاتها، للقضاء وحده صلاحيّة إقرارها بعد إثباتها بالأدلّة. فلا بدّ من المحاكمة أوّلا، أ لسنا نطمح لدولة القانون ؟

يبقى التونسي مواطنا، حتّى لو كان إرهابيّا، و بتلك الصّفة “مواطنا تونسيّا” لا بدّ أن يحاكممن قبل القضاء و عند اللزوم و ثبوت التّهم، تسلّط عليه العقوبات القانونيّة الصّارمة و تنفّذ بدون تردّد حتّى لو كانت عقوبة الإعدام. أمّا تجريده من جنسيّته أي من مواطنته بصفة اعتباطيّة، فيعدّ من باب تفصّي الدولة من مسؤوليّاتهاو تخلّيها عن رعاياها وهو ما يرفضه كلّ تونسي عاقل و دستور 2014 و الأعراف الدّوليّة.

أ لم يكن حريّا بنخبتنا السياسيّة البحث عن حلول لمشاكل تونس الحقيقيّة: التشغيل، صندوق التعويض، عجز الصناديق الاجتماعية، الإصلاحات في مجالات الصحّة و التربيّة و الإدارة و التقاعد و غيرها من القضايا الشائكة التي تمسّ المواطن في حياته، عوضا عن إلهاء الشعب بمسرحيّات و مزايدات سياسويّة لا تسمن المواطن و لا تغنيه من جوع ؟

– حفظ الله تونس –

محمد المؤدب

أمير لواء(متقاعد) محمد المؤدب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı