إرهاصات الجزائر .. إرادة الشعب في الاصلاح .. والاطماع الاستعمارية … بقلم الكاتب والشاعر البحري العرفاوي

إرهاصات الجزائر… مسارٌ مختلف
حين تفجرت الأحداث في كل من ليبيا وتونس ظن مراقبون أن الجزائر ستكون محطة لاحقة ، وقد بدأت فيها بعض التحركات فعلا ولكن سرعان ما وقع “إخمادها” .

*Résultat de recherche d'images pour "‫البحري العرفاوي‬‎"
لقد تكلم مسؤولون جزائرون عن “الربيع العربي” بكثير من التعالي حتى أن مسؤولا بارزا توعد بأنه سيواجه هذا الربيع بالمبيد الحشري إذا ما أطل على الجزائر من النافذة.
حين غضب المسئولون الجزائريون من حديث الأستاذ راشد الغنوشي عن إمكانية توسع “الربيع” كانت إجابته أن الجزائر قد شهدت ثورتها ولا تحتاج ثورة بل وتحول الغنوشي بعدها إلى ما يشبه الحليف لمسؤولين جزائريين كبار وعلى رأسهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
هل يمكن إدراج التحركات الشعبية اليوم في الشوارع الجزائرية في سياق “الربيع العربي”؟ هل هي بوادر ثورة شعبية لإسقاط النظام؟ هل هي مؤامرة خارجية لتحويل الجزائر إلى سوريا جديدة؟
لا يمكن تفسير أي واقعة بعامل واحد خاصة حين نكون بصدد هزة شعبية في بلد عظيم بحجم الجزائر.
قادح التحركات هو عزم الرئيس بوتفليقة على الترشح ل”عهدة خامسة”، ومنطلق التحركات هو رفض هذا الترشح لا اعتراضا على شخص بوتفليقة وإنما اعتراضا على ما هو عليه من عجز صحي لا يؤهله لمواصلة تحمل مسؤولية قيادة البلاد في أجواء إقليمية ودولية عاصفة.
بوتفليقة لم يتعرض له الجزائريون في مسيراتهم بسوء ولم يتهموه باستبداد أو فساد وإنما يتهمون من يتخفون وراء صورته ويستثمرون في رمزيته التي لم تفقد بعد دلالاتها الإيجابية.
رمزية بوتفليقة تكمن في كونه رجل السلم الأهلي حين أخرج الجزائر من دائرة الحرب الأهلية ومنطقة الدماء وصالح بين الجزائريين وتجاوز بهم منطقة الانفجار الكبير بعد ما عُرف بالعشرية السوداء.
التحركات الشعبة التي حدثت في شوارع الجزائر وخاصة تحركات الجمعة 1 مارس الجاري كانت رائعة في سلميتها وتحضرها ورقيها وهو ما لم تشهده شوارع كل بلدان “الربيع العربي”، شوارع بلدان الربيع كانت تغلي كما المرجل بفعل النقمة على الحكام المستبدين لذلك شهدت عنفا وحرقا وتكسيرا كممارسة للتنفيس على مشاعر القهر ، شوارع الجزائر كانت مطالبها واضحة: اتركوا الرئيس بوتفليقة يخلد للراحة بعد ما قدمه للجزائر ولا تتخفوا خلفه لممارسة الفساد.
كانت المشاعر في الشوارع الجزائرية مزدوجة أو معتدلة يلتقي فيها بوتفليقة برمزيته وجنرالات يتخفون خلفه لممارسة ما يعتبره الجزائريون فسادا واستغلالا.
لا يبدو أن التحركات ستبلغ مدى أبعد مما بلغته فقد حققت إنجازا اعتبره عديد الجزائريين مقبولا حين وعد الرئيس بوتفليقة في رسالته إلى الشعب الجزائري عشية تقديم ترشحه لهيئة الانتخابات وعن طريق قائد حملته الانتخابية، بأنه ُسيجري إصلاحات سياسية بعد فوزه في العهدة الخامسة من خلال “ندوة وطنية” تنظر في كيفيات الإصلاح السياسي والاجتماعي وفي تعديل الدستور ثم وهو الأهم وعده بتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها لا يتقدم إليها هو.
في عالم مفتوح لا يمكن نفي تدخلات خارجية دون أن يتحول هاجس تلك التدخلات إلى مانع لتحركات الشعوب من أجل الحرية والعدالة والشغل ولكن أيضا دون انطلاق من مطالب تلك الشعوب المشروعة لتبرير تلك التدخلات، فقد علمتنا التجارب أن الدول الكبرى لا تعنيها ديمقراطية ولا حريات ولا حقوق شعوب وإنما تعنيها مصالحها الخاصة فقط.
الصراع الأمريكي الفرنسي على ثروات المنطقة ليس خافيا، ورغبة أمريكا في إخضاع الدول الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني رغبة مكشوفة وجلية .
والسؤال هنا هو : كيف يمكن أن يبتدع الجزائريون العظماء مساراتٍ خاصة بهم تضمن تحقيق سيادة الشعب دون تعريض سيادة الوطن لمخاطر المتربصين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *