أي معنى لثورة اقتصادية … في غياب السيادة الوطنية؟ .. بقلم جنات بن عبد الله

أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريح له الأسبوع الماضي على هامش مشاركته في فعاليات منتدى دافوس ” أن الثورة الاقتصادية ضرورية لترسيخ التجربة الديمقراطية في تونس ” مؤكدا “أن الجانب الاقتصادي لم يرتق الى الجانب السياسي لأننا لم نقم بالإصلاحات الكافية”.

وقد بنى الشاهد تصوره هذا على خلفية ما اعتبره “بنجاح الثورة السياسية ” التي أمنت “الانتقال الديمقراطي والسياسي وكتابة دستور وتركيز مؤسسات دستورية”.

لفد حاول الشاهد من خلال هذا التصريح القفز على الواقع وتسويق أفكار ظاهرها براق وأساسها هش باعتبار أن من أبجديات تحقيق ثورة في أي مجال كان بما في ذلك المجال الاقتصادي القيام بمراجعة السياسات الاقتصادية الكلية والقطاعية والمالية والنقدية السابقة وتقييمها، الى جانب تقييم الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها تونس في عهد الأنظمة المستبدة السابقة بما في ذلك اتفاقية 3 جوان 1955 التي لا تزال سارية المفعول لمناقشتها في مستوى السلطة التشريعية ومصارحة الشعب التونسي بنتائج ذلك للانتقال الى مرحلة التأسيس والانطلاق في إرساء خيارات جديدة تستجيب لاستحقاقات المرحلة وأولويات البلاد الاقتصادية والاجتماعية بما يخدم تطلعات هذا الشعب .

ما نعلمه أن الشاهد تسلم مهامه على رأس حكومة وحدة وطنية التزمت بما جاء فيما سمي بوثيقة قرطاج التي تضم 5 محاور تم ضبطها على أساس برنامج الإصلاحات التي قدمها صندوق النقد الدولي مقابل التسريح لما تبقى من القرض الذي صادقت عليه إدارة الصندوق، قرض ساهم في تفاقم المديونية الخارجية لتونس الى جانب الاقتراض من الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر على لسان مسؤوليه أن تونس تمتعت بتمويلات أوروبية هامة مقارنة ببقية بلدان جنوب المتوسط.

لقد مهد صندوق النقد الدولي الطريق أمام حكومة الوحدة الوطنية لتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية الذي جاء في رسالة النوايا التي بعث بها محافظ البنك المركزي التونسي ووزير مالية حكومة الصيد السابقة الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في ماي 2016 التي عبرا فيها عن التزام الدولة التونسية بتطبيقه مقابل الحصول على القرض. وقد ضبط هذا البرنامج تفاصيل تحرك وعمل حكومة

الوحدة الوطنية بما في ذلك مشاريع القوانين اللازمة لتمريره والاستراتيجية الإعلامية المناسبة لتسويقه لدى الرأي العام الوطني.

وقد لاحظ التونسيون جميعا تغير الخطاب الإعلامي وانضباط أعضاء الحكومة بهذا البرنامج حيث انكبوا مباشرة على تطبيقه وتسويقه والدفاع عنه بكل شراسة دون التعمق في خلفية تفاصيله ولا تداعياته على سيادتنا الوطنية التي لبست جلبابا جديدا صممه صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وفرنسا باعتبار اتفاقيات 3 جوان 1955.

ان الحديث عن ثورة اقتصادية يفترض تحرر القرار السياسي والاقتصادي من الضغوط الخارجية المرتبطة بالجهات الدولية المقرضة والتي تضع شروطا تتضارب مع المصالح الوطنية وتخدم مصالح الشركات العالمية التي تتحرك وراءها. ومن هذا المنطلق فان الثورة الاقتصادية التي يتحدث عنها الشاهد لا يمكن أن تخرج عن سياق المصالح الخارجية التي وضعت وضبطت اليات تطبيق الإصلاحات وروزنامتها.

وبالرجوع الى واقعنا الاقتصادي نلاحظ أن المؤشرات الاقتصادية والتجارية والمالية والاجتماعية في تراجع متواصل ولم تنجح لا حكومة الصيد ولا حكومة الشاهد في إيقاف هذا النزيف بل أن حكومة الشاهد غرقت في ملفات تحاول التسويق لها في منابر إعلامية وتبعث الأمل لدى الرأي العام وخاصة الشباب الذي سرعان ما يكتشف تبخرها باعتبار غياب الاعتمادات والاستثمارات الازمة.

لقد كشفت ميزانية الدولة لسنة 2017 حجم عجز ميزانية الدولة وتقلص هامش تحرك الحكومة، الا أنه في المقابل نصطدم بالخطب الرنانة التي يسوقها أعضاء الحكومة في كل تدخلاتهم بما في ذلك رئيس الحكومة الذي قفز هذه المرة على الواقع عندما تحدث عن ثورة اقتصادية لا يملك الإمكانيات المالية لتحقيقها ولا الخيارات النابعة من الام هذا الشعب وتطلعاته.

لقد فرطت تونس في سيادتها النقدية عندما قرر محافظ البنك المركزي تحرير سعر صرف الدينار التونسي في ظرف يتسم بتفاقم المديونية الخارجية، وتفاقم العجز الجاري، وتفاقم عجز الميزان التجاري دون الإعلان عن ذلك وطرح المسألة أمام السلطتين التنفيذية والتشريعية لاتخاذ الإجراءات الوقائية لذلك بما يحد من تدهور الوضع في مستوى المقدرة الشرائية، والمقدرة التنافسية لمنتوجاتنا الصناعية والفلاحية باعتبار ارتباطنا بالأسواق الخارجية للمواد الأولية ونصف المصنعة والبذور والأعلاف والحبوب والزيوت وبقية المواد الغذائية، وضع يؤشر لتدمير ما تبقى من منظومة الإنتاج في القطاعات الثلاث الفلاحة والصناعة والخدمات.

الى جانب ذلك لم تتحرك الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لاسترداد سيادتنا على الموارد الطبيعية مثل الملح والمناجم حيث لم تبادر الى الغاء اتفاقيات 3 جوان 1955 التي تمنع تونس من تأميم الشركات رغم التنصيص على ذلك بالفصل 13 من الدستور الجديد.

كما أن هذه الحكومات لم تراجع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 التي تقف وراء تدمير نسيجنا الصناعي وفي مقدمة ذلك قطاع النسيج والملابس والجلود والاحذية بل هرولت لتطبيق اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق وادراجها ضمن المخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2020 دون طرح المشروع على السلطة التشريعية، بل أن الفريق المفاوض التونسي دخل الجولة الأولى من المفاوضات يوم 18 أفريل 2016 دون تفويض من مجلس نواب الشعب وهو ما سيفتح الطريق لتدمير القطاع الفلاحي والقضاء على قطاع الخدمات.

في ظل هذا الوضع وهذه المؤشرات التي تكشف هشاشة سيادتنا الوطنية في كل هذه المجالات فان الحديث عن ثورة اقتصادية هو بمثابة الحديث عن حلم… ربما، أو وهم… ربما، أو سراب… ربما، ولكن الأكيد هو حديث لا يمكن ادراجه الا في باب مغالطات الشعب التونسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı