آسيا العتروس :أعياد المسلمين على وقع الحداد

الحرب المفتوحة على الإرهاب تستوجب قيادات ولاؤها للأوطان – التفاؤل المفرط بدخول «داعش» مرحلة الاحتضار يفرض إعادة قراءة الإشارات

بقلم: آسيا العتروس – 

بين تواتر الهجمات الإرهابية خلال الساعات الأخيرة التي سبقت فرحة العيد، وتقرير تشيلكوت البريطاني حول الحرب في العراق وما يرافقها من إصرار على تغييب الحقائق، يصر الارهابيون مجددا – كما في السنوات السابقة – على تحويل أعياد المسلمين إلى مأتم، وكأنهم باتوا يتلذذون من مواقعهم ومغاورهم بما تقترف أيديهم من جرائم، بأخبار وصور الاشلاء المتناثرة ودماء الضحايا من نساء وأطفال وشباب خرجوا لاقتناء ملابس العيد، فاستهدفتهم يد الإرهاب الغادرة..

ولا شك أن حالة الانتشاء والتلذذ بآلام الضحايا وصور الخراب والدمار هي حالة نفسية مردها ما يسبق مرحلة الانهيار النهائي التي تعيش على وقعها الجماعات الإرهابية بمختلفمسمياتها انطلاقا من «القاعدة»، وصولا الى «الدواعش»، بعد أن ضاق من حولها الخناق وتعددت الضربات والصفعات التي تستهدفها في الرقة السورية والفلوجة العراقية وسرت الليبية، والتي تؤكد أن لا مكان ولا موقع لهمج العصر ممن اختاروا قانون الغاب والفوضى المدمرة لإحياء مشروع خلافتهم المزعومة الذي يراد به تدمير ما بقي من أوطان وتشتيت الشعوب وتعميم الجهل والتواكل والفشل بينهم. .

الإرهاب لن يمنع الاحتفالات

قد لا يكون من المبالغة الإقرار بأن هدف الإرهابيين من هذه الهجمات التي تزامنت مع عيد الفطر هدفها الأول نشر الخوف والرعب بين العامة ودفعهم الى الانزواء والاعراض عن احتفالات العيد، وهو ما فشلوا فيه بالتأكيد، لأن المسلمين عبر العالم توافدوا على المساجد لحضور صلاة العيد واجتمعوا لتبادل التهاني وتحدوا بذلك إرادة الجماعات الإرهابية التي كانت تأمل عكس ذلك، وهذه نقطة مهمة قد لا يتفطن اليها الكثيرون..

صحيح أن إحياء عيد الفطر رافقه استنفار أمني في كل مناطق العالم مع تفاقم التهديدات والمخاطر، وصحيح أنه كان على وقع الحداد وقوافل الضحايا التي ترتفع كل يوم أكثر وقد تصل درجة من البشاعة والفظاعة تتجاوز كل التصورات، في حرب بات من الواضح أن المعركة فيها تدور بين إرادة الحياة والعلم والمعرفة والنجاح من جهة، وبين إرادة الفناء والفشل والجهل والدمار والخراب من الجهة الأخرى.

لقد تزامن عيد الفطر لهذا العام مع ست هجمات مروعة من بنغلاديش الى تركيا وبغداد والسعودية وليبيا وسوريا ورافقها اعلان الحداد الرسمي في تركيا وبنغلاديش بعد هجومين إرهابيين استهدفا مطار اسطنبول الدولي أحد أكثر المطارات نشاطا وحركية في العالم حيث يشهد مرور سبعة آلاف مسافر في الساعة، ومطعما في دكا عرف بارتياد الأجانب له وشهد مجزرة بشرية عشية عيد الفطر، ويبدو فيما كشف حتى الان من تفاصيل تلك المجزرة وما تخللها من امعان في تعذيب الضحايا بسبب جهلهم للقرآن الكريم ولتعاليم الإسلام أن هذه العناصر المدربة على القتل الوحشي والهمجية لا يمكن الا أن تجد الرفض والعداء حيثما تواجدت، وأن ما يمكن أن تحظى به من «تعاطف» ظاهر في بعض من المناطق التي تسيطر عليها ليس سوى غطاء لأهالي تلك المناطق للاتقاء من بطشها وتجنبا لعدوانها.

ما بعد هجوم الكرادة

ان كل التصريحات السياسية الغارقة في التفاؤل اليوم من استخبارات واشنطن الى سلطات بغداد المنتشية بعد استعادة مدينة الفلوجة، احدى أهم المدن العراقية، بعد سنتين على استيلاء تنظيم «داعش» الإرهابي عليها واستعباد أهلها وجعلهم رهائن بتحويل نسائها الى سبايا وغنائم حرب وتحويل أطفالها الى غلمان في قبضة التنظيم، لا يمكن أن تحول الأنظار عن الكثير من الحقائق الصادمة ولا أن تقلل من حجم التحديات والتهديدات القائمة والخروقات المسجلة مع تكرر العمليات الارهابية الدموية العابرة للحدود والتي حملت توقيع تنظيم «داعش»، خوارج العصر الحديث، خلال الايام القليلة التي سبقت حلول عيد الفطر بشكل متناسق وخطير والذين جعلوا من شهر رمضان موعدا مع استنزاف واستباحة دماء الأبرياء والمقدسات والتخطيط لعمليات على مقربة من المسجد النبوي ثاني اقدس مقدسات للمسلمين، وهي عملية حملت في طياتها اكثر من إشارة لأكثر من طرف، ومن بينها العائلة الملكية بالسعودية التي تواجه بدورها عديد الانتقادات والاتهامات في ما يتعلق بدور مزعوم في تطعيم وتمويل هذه الجماعات التي تدين لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في بدايات ظهورها وانتشارها في جبال أفغانستان قبل امتدادها الى العراق وسوريا..

هدفان أساسيان لا يبدو أن التنظيم مستعد للتخلي عنهما طالما استمر الفشل في درء مخاطره أما الهدف الاول فقد بات واضحا مع تكرر عمليات التنظيم الارهابية وهو قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وبالتالي نشر الهلع وترويع العامة واصابة النفوس بالذعر وهو الهدف الثاني للتنظيم والذي يسعى من ورائه الى اقناع اتباعه ممن أعلنوا مبايعته بقدرته على ضرب الاهداف التي يحددها.

الحقيقة أن عملية بغداد وإن كانت الافظع في سلسلة عمليات رمضان لم تكن الوحيدة فقد سبقتها عملية مطار أتاتورك التي كشفت قدرة التنظيم على الغدر ومفاجأة الاجهزة الاستخبارية وتغيير أهدافه واستراتيجياته في كل مرة، ولكن أيضا قدرته على استقطاب المزيد من العناصر واغراء المزيد من المرتزقة الحالمين بجمع أموال البترول من العراق الى ليبيا بالانضمام الى صفوفه والاشتراك في جرائمه، ومن هنا يمكن تفسير وجود العديد من الجنسيات في صفوفه بما في ذلك المقاتلين الروس والأفارقة، والذين يجعلون من ليبيا معقلهم الجديد بعد أن اتخذت الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق منعرجا مختلفا

ومن هنا أيضا تعدد واختلاف مواقع تحركات الإرهابيين وخروج الخلايا النائمة من جحورها للإيهام بتغلغلها وانتشارها في اكثر من موقع واستعداها للترويع في كل حين وهو جزء من استراتيجيتها والمرور من مرحلة التوحش الى التمكن .. فكانت عملية جدة ومحاولة استهداف القنصلية الامريكية ومنها محاولة استهداف قبر الرسول الكريم، محاولات استعراضية مدروسة للترهيب والترغيب من ناحية ولكن أيضا للاستقطاب وتوسيع دائرة انتماءات وانتشار الخلايا النائمة تحسبا لدفعها الى التحرك وتوجيه ضرباتها وارباك الانظمة القائمة وكشف عجزها وفشلها على التصدي للتنظيم، وهو ما حدث في الكرادة عندما استقبل أهالي المنطقة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في موقع الحادثة بالأحذية والحجارة ما دفعه للانسحاب وتجنب مواجهة الغضب الشعبي ونقمة اهالي الضحايا والمفقودين الذين تتعمق جراحهم اكثر وهم يلمسون العجز المتوارث للحكومات المتعاقبة في العراق التي تغرق في الفساد والفتن والصراعات الطائفية والغنائم.

والحقيقة أن ما حدث في الكرادة حمل في طياته أكثر من اشارة في هذه المرحلة حول مخططات التنظيم الذي يبدو أنه مصر على خوض حرب استنزاف وترويع الجميع، ولاشك أن صور الخراب والدمار الشامل الذي هز المنطقة المستهدفة وشهادات من كتبت لهم النجاة من الحادثة وحدها تروي فظاعة ما حدث خاصة اذا اعتبرنا أن الهجوم استهدف مركزا تجاريا تؤمه مختلف الطبقات الاجتماعية في موسم الاعياد.

ولا شك أن منفذي هجوم الكرادة كانوا يدركون جيدا أن المكان يغص بالأطفال الذين يستعدون للاحتفال بالعيد واقتناء الملابس الجديدة وتعمدوا استهداف المكان إمعانا في نشر الرعب بين الناس وربما دفعهم اما للهروب أو الى التسليم بالواقع الجديد وبدولة الخلافة مستقبلا في خارطة العلاقات الدولية.

النقطة التالية التي لا يمكن تجاهلها في هجوم الكرادة أنها تأتي بالتزامن مع موجة التفاؤل المفرط بالانتصار المبين في معركة الفلوجة التي لا تزال مفتوحة ولم تحسم نهائيا كما يعتقد الكثيرون ولكنها تأتي أيضا مع تلقي التنظيم الكثير من الصفعات والضربات التي كبدت التنظيم خسائر فادحة في قياداته وفي مواقعه الاستراتيجية من الرقة في سوريا الى الفلوجة والرمادي في العراق الى سرت في ليبيا بما يجعله مصرا على الدخول في لعبة حرق الأخضر واليابس امعانا في التشفي..

تقرير تشيلكوت

من المفارقات أن يتزامن صدور تقرير تشيلكوت حول الحرب في العراق والدور البريطاني برئاسة رئيس الوزراء آنذاك توني بيلر ولكن دون أن يحمل معه جديدا باستثناء ما خلص اليه جون تشيلكوت رئيس لجنة التحقيق من ضرورة التحقيق الدقيق قبل خوض أي حرب وهو ما يعد من صنف التصريحات الاستهلاكية المتأخرة والتي لا يمكنها تغيير الواقع اليوم.

فتقرير تشيلكوت الذي يأتي بعد عقد ونصف على الحرب في العراق وإن كان يقر صراحة بأن ما يحدث في العراق وفي المنطقة نتيجة مباشرة لتلك الحرب، فإنه لا يحمل أحدا من الأطراف المتورطة في تلك الحرب المسؤولية، بل على العكس يصر على طمس الحقائق بشأن الاستخبارات البريطانية ولا يقر بفشلها في كشف حقيقة أسلحة الدمار الشامل العراقية الوهمية. والأغرب أن التقرير الذي تأجل سنوات ليصدر مع حلول أول أيام عيد الفطر يمنح رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بيلر فرصة الدفاع عن نفسه وتجميل صورته أمام الرأي العام البريطاني والحديث خلال ندوة صحفية طوال ساعتين عن دور القوات البريطانية في العراق والاعتذار عن مقتل 170 جنديا بريطانيا في حرب العراق دون إشارة أو تلميح للملايين الذين ماتوا بفعل الحصار والذين قتلوا خلال الحرب وظلوا مجرد رقم في أرشيف الأمم المتحدة.

إرضاء الأجنبي والولاء للأوطان..

تقرير تشيلكوت الذي يقع في اثني عشر مجلدا واستغرق اعداده سبع سنوات والذي يراد له ان يكون صك براءة لمهندسي حرب العراق (جورج بوش الابن وتوني بلير) لا يمكن ان يكون نهاية المطاف بعد حرب دمرت العراق وأججت الصراعات الطائفية الدموية في المنطقة التي يدفع ثمنها غاليا شعوب باتت مشردة مشتتة مهانة يلهث أبناؤها عن وثيقة لجوء تسمح لهم بالعبور والاستقرار في أي بلد يمنحهم فرصة الحياة..

حرب العراق التي كانت وراء الدمار الحاصل في كل المنطقة – وهو ما أكده تقرير تشيلكوت مجددا – ستستمر في استنزاف دماء أجيال وأجيال طالما لم يتم إعادة قراءة المشهد قراءة موضوعية بعيدا عن الانفعالات والعواطف التي دأبنا عليها لتحديد الاولويات والحسم في مسألة الخيارات والإصلاحات الكفيلة بإنقاذ ما يجب إنقاذه والتي لن تكتمل قبل عقود وأولها وجود قيادات وكفاءات وطنية قادرة على تحمل المسؤولية يكون ولاءها للأوطان ولمصلحة الشعوب.

ذلك أن قياداتجاءت على متن الدبابات أو قيادات تم جلبها واختيارها في العواصم أو السفارات الأجنبية سيكون ولاءها لمن نصبها وليس لشعوبها وأوطانها، وتلك حقيقة مترسخة ثابتة في مختلف التجارب التي مرت بها الشعوب في مختلف ثوراتها ومعاركها الوطنية ضد الاحتلال كما ضد الاستبداد والأمثلة متعددة، ولنا في السنوات التي تلت ما حدث منذ غزو العراق وما حدث بعد موسم «الربيع العربي» الذي بدأ عربيا وانتهى أجنبيا ودوليا، أكثر من مثال صارخ بعد أن تمت مصادرة المعركة من أجل الديموقراطية وتدويلها في أكثر من بلد تحولت المعركة فيه من معركة الانتصار للكرامة والحرية والعدالة الى معركة مفتوحة ضد افة الإرهاب وتفكك وانهيار الأوطان والشعوب

مع ان الأكيد أن تنظيم «داعش» ليس بالقوة التي تجعله يهدد أمن العالم وأنه يستمد قوته من ضعف وتفكك الأنظمة القائمة، فإن الأكيد أيضا أن ما يمارسه هذا التنظيم يتجاوز ممارسات العصابات المنظمة والمافيا وأن ما يقوم به يتنزل في إطار ممارسات ومخططات استخبارات قوى متنفذة قادرة على كل الخروقات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı