تونس بعد انتخابات قاطعها 90 بالمائة من الناخبين : زلزال سياسي ..وأزمة اقتصادية اجتماعية

· اتحاد الشغل والمعارضة يعرضون مبادرة ” حوار وطني شامل ”

· انصار الرئيس يدعون إلى إسقاط الحكومة

تونس .كمال بن يونس

تسببت الانتخابات البرلمانية التي نظمت يوم 17 كانون الأول / ديسمبر الجاري ، وقاطعها حوالي 90 بالمائة من الناخبين ، في خلط كبير في الأوراق وتغيير سريع في المشهد السياسي ، وسط تحذيرات من “ازمة سياسية أمنية واقتصادية اجتماعية غير مسبوقة”.

وقد تدخلت قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وشخصيات مستقلة وحزبية وبدأت بلورة ” مبادرة حوار وطني” . في الأثناء تنوعت دعوات المعارضة إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة وانتخابات برلمانية جديدة تنظم وفق دستور 2014 و الهيئات المنتخبة للمجلس الأعلى للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، رغم قرارات التجميد السابقة الصادرة ضدها عن الرئيس قيس سعيد.

وقد صعدت القيادات النقابية وزعامات أحزاب سياسية محسوبة على ” أنصار حركة التصحيح ” وعلى ” المشروع السياسي للرئيس ” انتقاداتها لحكومة نجلاء بودن واتهمتها ب” الفشل ” وطالبت بإقالتها وتعويضها ب” حكومة كفاءات سياسية ” .

وشارك في هذه الانتقادات بالخصوص غازي الشواشي زعيم ” التيار الديمقراطي الاجتماعي” ونور الدين الطبوبي ورفاقه في قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وزهير المغزاوي رئيس حزب الشعب القومي الناصري الذي قابل قيس سعيد بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات ، وأعلن أنه طالبه بإقالة الحكومة وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة .

و كان المغزاوي وحزبه القومي العربي خلال العامين الماضيين أكثر الأحزاب موالاة ” للرئيس سعيد وحركة 25 يوليو التصحيحية “.

لكن المغزاوي وأنصاره أصبحوا بدورهم يتصدرون المعارضة رغم تماديهم في انتقادا للحكومات والأحزاب التي تصدرت المشهد السياسي في العشرية الماضية وبينها أحزاب النهضة بزعامة راشد الغنوشي والنداء بزعامة الباجي قائد السبسي وتحيا تونس بزعامة يوسف الشاهد ..

وكانت من بين مفاجآت ما بعد انتخابات 17 كانون الأول / ديسمبر المثيرة للجدل أن فسرتها القيادات النقابية والحزبية التي كانت تدعم سعيد و” حراك 25 يوليو التصحيحي ” بما أسموه ” فشل المنظومة السياسية التي تحكم البلاد منذ عام ونصف اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مثل فشلت منظومات الحكم التي سادت ” في عشرية الخراب ” ..

هذا الخلط السريع للأوراق السياسية يتزامن مع اعلان عن مؤشرات خطيرة لاستفحال الازمة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية ، من بينها اعلان واشنطن عن تخفيض قيمة مساعداتها العسكرية والمالية الى تونس بنسبة النصف .

وصدر هذا القرار عندما كان سعيد في زيارة الى واشنطن، في نفس الوقت الذي أعلنت فيه رئاسة صندوق النقد الدولي عن ” تأجيل ” الموافقة على اسناد تونس قرضا قيمته حوالي 2 مليار دولار سبق أن حصلت في أكتوبر الماضي على موافقة مبدئية عليه .

وكان مؤملا أن يعطي قرض صندوق النقد الدولي الضوء الأخضر للاتحاد الأوربي والصناديق العربية والإسلامية والافريقية كي تقدم لتونس قروضا بشروط ميسرة تحتاجها فورا لتغطية العجز التجاري وتحسين مناخ الاعمال وتسديد رواتب موظفي الدولة والقطاع العام وجرايات حوالي مليوني متقاعد ..

وفي الوقت الذي استغلت فيه جبهة الخلاص الوطني المعارضة والأحزاب تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد والنسبة المرتفعة جدا لمقاطعة الانتخابات سياسيا ، بدأت قيادات نقابات العمال ورجال الأعمال والمزارعين تنظيم تحركات احتجاجية اجتماعية سياسية مع التلويج باضرابات عامة خاصة في قطاعات النقل والزراعة والمواد الغذائية ..

وتعاقبت داخل البلاد وخارجها تقارير هيئات مراقبي الانتخابات التونسية والدولية التي نوهت ب” النجاح الفني في تنظيم الاقتراع العام ” لكنها شككت في شرعيتها بحكم مشاركة اقل من عشر الناخبين فقط فيها ” تعبيرا على معارضة المنظومة السياسية التي تحكم البلاد منذ عام ونصف “..

في هذا الظرف العام تجد البلاد نفسها مجددا في مفترق طرق معقد وبين سيناريوهات كثيرة أهمها اثنان :

– السيناريو الأول : ان يتفاعل الرئيس التونسي مع اتحاد الشغل والأحزاب المعارضة ويقبل بالحوار مع قياداتها ، مع قبول مبدأ الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة وإلى حوار وطني لا يقصي أحدا ، على غرار حوار 2013 الذي جنب تونس وقتها سيناريوهات القطيعة والصدام والمنعرجات الأمنية التي سجلت في بلدان عربية أخرى .

– السيناريو الثاني : أن يتمسك قيس سعيد بمشروعه السياسي عن ” الحكم القاعدي ” ويمضي في تنظيم ” الدورة الثانية من الانتخابات ” مطلع شهر فبراير القادم ، ثم ” انتخاب غرفة ثانية للبرلمان لممثلي الجهات ” بعد اشهر .

في الأثناء يواصل تسيير البلاد عبر ” المراسيم الرئاسية ” لأن البرلمان الجديد بغرفتيه لن يكتمل قبل حوالي ستة أشهر ..

وسيكرس هذا السيناريو تمسك سعيد موقفه القديم الجديد “لا تراجع إلى الوراء”، بما سيدعم نفوذه ، ويجعله المتحكم الأول في قرارات الدولة ..

لكن مخاطر عديدة ستهدد البلاد في هذه الحالة ، من بينها النيل من استقرار وضعها الداخلي اجتماعيا واقتصاديا وامنيا ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *