في عام 1979، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ترقبُ بقلق مصير الاحتجاجات الإيرانية على مصير الشاه محمد رضا بهلوي، حليف إسرائيل ورجل واشنطن في الخليج العربي، لذا فإن نجاح الثورة وقتها يمثل خطرًا على مصالحها في المنطقة، لكنّ عدة برقيات سرية بعثها آية الله الخميني قائد الثورة الإسلامية تعّهد خلالها بالحفاظ على أحلاف واشنطن القائمة في المنطقة مقابل السماح بسقوط الشاه، وبعد أربعين عامًا يأتي مؤتمر وارسو ليتوّج فشل سياسات الولايات المتحدة ضد إيران.
بهدف محاولة إعادة رسم خريطة الصراعات والتحالفات في العالم والشرق الأوسط، دعا وزير الخاريجة الأمريكي مايك بومبيو 70 دولة لحضور «مؤتمر وارسو» للسلام في بولندا في منتصف فبراير (شِباط) الجاري، تكون على رأس أولوياته مناقشة النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، ومحاولة وضع حل نهائي للقضية الفلسطينية والوصول إلى تطبيع عربي علني شامل بين العرب وإسرائيل.
لماذا اختارت واشنطن مدينة وارسو تحديدًا ؟
كانت بولندا إحدى دول أوروبا الشرقية التابعة لمعسكر السوفييت والتي تسير على نهج الاشتراكية، وحين شرعت الولايات المتحدة عام 1955 في تأسيس حلف الناتو العسكري، سُرعان ما قابل المعسكر الآخر ذلك بتكوين حلف وارسو في نفس العام تحت شعار المحافظة على الأمن والسلام في أوروبا، وكان الهدف منه الحفاظ على تبعية الأنظمة القائمة، وحين حاولت تشيكوسلوفاكيا -إحدى الدول الأعضاء بالحلف- التنصل من مبادئ الحزب الشيوعي الاشتراكي تدخل الحلف عسكريًا عام 1968 ومنع أي تحول ديموقراطي بها.
توقيع اتفاقية تأسيس حلف وارسو
و لم يصمد حلف وارسو سوى 44 عامًا، فعقب انيهار الاتحاد السوفيتي، وسقوط جدار برلين عام 1991، لم يعد هناك حاجة لبقاء الحلف، خاصة بعدما تحوّل من مؤسسة عسكرية إلى منظمة سياسية، لتنجح واشنطن بعد ذلك في اجتذاب الدول الأعضاء السابقين للانضمام إلى حلف الناتو، عدا روسيا وريثة أمجاد الاتحاد السوفييتي، وبذلك انتقلت بولندا من جناح موسكو إلى واشنطن.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي عدم مشاركتها في المؤتمر، علّقت صحيفة «ذي ناشيونال» الأمريكية، بأن اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وارسو يأتي لأنّ بولندا تقودها حكومة يمينية لها علاقات أفضل مع الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى في أوروبا، وبرغم تصريح وزير الخارجية البولندي بتمسك بلاده بالاتفاق الدولي الذي انسحب منه ترامب، إلا أنه عاد وصرح بأن الاتفاق النووي لا يمنع إيران من الأنشطة التي تزعزع استقرار المنطقة، وبخلاف الرمزية التاريخية للمدينة، فإن اختيارها مرة أخرى يأتي إحراجًا لأوروبا التي ترفض سياسات الرئيس الأمريكي.
لماذا أثار المؤتمر غضب عدة دول ؟
بينما أكدت نحو 60 دولة حضورها للمؤتمر، نددت إيران على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بتحركات الولايات المتحدة ضدها، كما استدعت طهران القائم بأعمال السفارة البولندية احتجاجًا على استضافة مؤتمر اعتبرته إيران مُعاديًا لها، وفي تدوينه له على موقع «تويتر» غرّد ظريف قائلا: «في حين أنقذت إيران البولنديين في الحرب العالمية الثانية، فإنها تستضيف الآن سيركًا يائسًا ضدنا».