في منتدى الذاكرة الوطنية: كشف «ورقات مخفية» من تاريخ منظمة الأعراف

علاقة انسجام مع السلطة

في إطار منتدى الذاكرة الوطنية لمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، وبحضور عدد من السياسيين والإعلاميين والمهتمين بالشأن العام، قدم جمال الدين العويديدي الصناعي والناشط باتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أمس شهادة حية حول هذه المنظمة.

ورغم تأكيده منذ البداية أنه لم يأت للتجريح في أحد وأنه لا يريد الاساءة إلى أي شخص، فقد سلط العويديدي الأضواء على صفحات مخفية في تاريخ منظمة الأعراف خاصة خلال فترة ما بعد نوفمبر 1987، وهو ما جعل العديد من المواكبين لأشغال المنتدىالذي أداره الدكتور عبد الجليل التميمي يطالبون النيابة العمومية بتفتح تحقيق جدي حول شبهات الفساد فيها.

ومن أبرز النقاط التي تطرق إليها العضو السابق بالمكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي لمنظمة الاعراف بنابل ورئيس اللجنة الاقتصادية خلال فترة 2000 ـ 2006 والعضو بغرفة الصناعة والتجارة للوطن القبلي وزغوان ورئيس لجنة العلاقات الخارجية ما يتعلق بالمراقبة المالية لحسابات هذه المنظمة، إذ بين أن القانون الأساسي لها نص على أن المراقبة تتم عبر لجنة مراقبة الحسابات ومهمتها السهر على احترام تطبيق قوانين مسك الحسابات وترتيبها بالنسبة لحسابات الاتحاد ومراقبة صحتها وتقدم تقريرا للمؤتمر مرفوقا بالقرير المالي، لكن وهذا الاهم فإن اعضاء اللجنة ملزمون بالسر المهني وممنوع عليهم استعمال الوثائق والمعلومات التي يطلعون عليها. اما مسك حسابات المنظمة فينظمه القانون الداخلي لها وفصوله واضحة إلا أنه بين سنتي 2011 و2012 تبين أن حسابات المنظمة لم تكن ممسوكة. وأضاف أن التقرير المالي للفترة الممتدة من غرة سبتمبر 2006 إلى 30 سبتمبر 2012 المقدم أثناء المؤتمر الخامس عشر كانت تشوبه العديد من الاخلالات فهو من حيث الشكل لم يكن يحمل أي توقيع عن أي جهة ولا يحمل ختم المنظمة لإضفاء الصبغة القانونية عليه مثلما هو الشأن في الوثائق المالية ووثائق المحاسبات كما يكشف مضمونه أنه لم يقع التدقيق في حسابات 2011، وبين التقرير الذي رفع للمؤتمر احترازات كبيرة وخطيرة فالقوائم المالية للاتحاد التي قدمت للتدقيق لا تشتمل على القوائم المالية التابعة للهياكل المتصلة بها من بينها القوائم المالية لاتحادات جهوية وجامعات قطاعية ومركز المسيرين الشبان ومجمع الطباعة والنشر اضافة الى اخلالات أخرى تتمثل في تطوير الأعباء بمعدلات لا تتلاءم مع تطور الايرادات ومن بين أسباب هذا التفاوت الزيادة المستمرة في الرواتب من ذلك أن بعض الرواتب وصلت الى حد 11 ألفا و500 دينار شهريا ويتمتع المقربون من رئيس المنظمة بأجور خيالية إضافة الى الزيادات غير القانونية..

زوبعة

عندما تطرق الى مصادر تمويل منظمة الأعراف وخاصة ما يعرف بالصندوق أثار العويديدي ضجة داخل القاعة وقاطعه بعض الحاضرين للمطالبة بالمحاسبة. اذ كشف أنه اضافة الى الموارد المتأتية من الاشتراكات والمساهمات والمنح والضرائب والهبات والخدمات والفوائد البنكية وغيرها فإن المورد الاساسي متأت عن طريق صندوق بحساب خاص بالدولة مصدر تمويله منصوص عليه بأحكام الفصل 57 من القانون عدد 101 لسنة 1974 والذي تم عملا بأحكامه الزيادة بداية من غرة جانفي 1975 في مساهمة الاعراف الواجب دفعها بعنوان انظمة الضمان الاجتماعي ونسبتها صفر فاصل خمسة بالمائة من مجموع الاجور والمرتبات والأرباح التي يتقاضاها العملة.

وأضاف أن موارد هذاالصندوق يتصرف فيها الوزير الاول ثم رئيس الحكومة وهو غير مدرج في ميزانية الدولة وبالتالي فهو غير خاضع للرقابة المالية وأشارت دائرة المحاسبات في تقريرها السنوي إلى أن هذا الحساب غير خاضع للقانون الأساسي للميزانية ولمجلة المحاسبات العمومية. وبلغت قيمة مقابيض هذا الصندوق ودفوعاته بعنوان سنة 2012 أكثر من 42 مليارا وبين تقرير هيئة الرقابة انه بناء على قرارات رئيس الحكومة تم تحويل مبالغ من حساب هذا الصندوق لفائدة منظمات وطنية منها منظمة الاعراف واتحاد الشغالين واتحاد الفلاحين والجامعة التونسية للنزل ومركز تونس للمصالحة والتحكيم ومنظمة الدفاع عن المستهلك.. ولاحظت دائرة المحاسبات انه في سنة 2013 وخلال فترة حكومة علي العريض تم صرف مبالغ هامة من هذا الحساب لغير ما خصصت له طبق ما ورد في القانون اذ تم على سبيل الذكر تحويل 10 مليارات و600 لمؤسسات خاصة. واعتبر حصول منظمةالاعراف وغيرها من المنظمات على تمويلات من هذا الصندوق يحول دون تكريس استقلاليتها حيال السلطة التنفيذية.

وبين أن منظمة الأعراف تتكون من 17 جامعة وطنية و24 اتحادا جهويا و216 اتحادا محليا و370 غرفة نقابية وطنية و1700 غرفة نقابية جهوية.. وقدم بسطة عن الهياكل التنفيذية لهذه المنظمة التي تأسست منذ سنة 1945 وخاصة المؤتمر الوطني والمكتب التنفيذي والمجلس الوطني والمجلس الإداري، وكشف أن قانونها الداخلي يكرس السلطة الفردية المفرطة وينص فصله الرابع على أن المكتب التنفيذي مسؤول عن حماية الانسجام داخل المنظمة ويمكنه اتخاذ اجراءات تحفظية على غرار التجميد والإيقاف وكان أبناء المنظمة يعتبرون هذا الفصل سيفا مسلطا على رقابهم لأن كل من يختلف في الرأي مع رئيس المنظمة يطبق عليه. لذلك اختار أغلب المهنيين المنخرطين فيها الابتعاد عن أي نزعة نقدية أما أغلبهم فإنهم لم ينخرطوا والرقمالذي يقدمه الاتحاد عن عدد منخرطيه وهو 150 الفا مضخم لان الحقيقي لا يصل الى العشر.

وأكد أنه إثر الثورة عمل مع مجموعة من الأصدقاء على القيام بحراك اصلاحي للمنظمة وطالبوا بصياغة قانون أساسي يضمن التسيير الديمقراطي وحرصوا على النأي بها عن التجاذبات الحزبية خاصة وأن هناك العديد من رجال الأعمال كانوا يتعرضون للابتزاز.

تأثر

بتأثر كبير بلغ حد البكاء تحدث جمال الدين العويديدي عن المغالطات التي كان العديد من الاعراف يروجونها في علاقة ببرنامج الاصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي وانخراط تونس في المنظمة العالمية للتجارة وتوقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وبين أن المنظمة للأسف الشديد لم تقم بأي دراسة استشرافية حول هذه المسائل الهامة التي حددت مستقبل البلاد والتي ادت الى ازمة اقتصادية واجتماعية تسببت في الثورة وكان الهدف من الانضواء في المنظمة هو فقط اصطياد أكثر مايمكن من فرص كسب المال خاصة عبر دعم سياسة الخصخصة التي أقدمت عليها الدولة تحت تأثير صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وأضاف أن المنظمة اكتفت بمؤازرة السلطة في تسويق احلام التشغيل للشباب عبر عكاضيات صورية وأضاف وقد اجهش بالبكاء أنهم كانوا في اللقاءات الكبرى يجلسون على المنصة الشرفية ويهمسون لبعضهم البعض وقد غلبهم الضحك بأنه يجب أن يقولوا في خطبهم أنهم سيوفرون مواطن شغل لكذا عاطل عن العمل وكذا خريج جامعة وأنهم مجندون لخلق فرص التشغيل.

الاقتصاد الموازي

تطرق العويديدي في شهادته التاريخية الى اسباب تفشي ظاهرة الاقتصاد الموازي والتهرب الجبائي وعلاقة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بذلك.

وبين انه بعد حضر التصدير الى ليبيا كانت هناك شركات وهمية تتولى عمليات التصدير وتمر شاحناتها الى ليبيا وتعود الى تونس وتربح 18 بالمائة من القيمة المضافة واستمر هذا الوضع خلال التسعينات وتسبب في تدفق كميات ضخمة من البضائع التي غزت الأسواق، كما تسبب استعمال بعض القوانين والإجراءات الخاصة بتحفيز التصدير في الترفيع في نسبة الاقتصاد غير المنظم مثل نظام التوريد المؤقت حيث تمت المبالغة في الكميات الموردة ومكنت هذه القوانين الشركات التونسية المصدرة نسبيا من جلب المواد الاولية بنظام التوريد المؤقت الذي لا يخضع لقاعدة الاداء على القيمة المضاف والأداء على الديوانة ويتم بعلاقات خاصة مع اطراف في وزارة الصناعة تضخيم الكميات الممكن استيرادها بتضخيم الاستمارة الفنية ويفتح ذلك الباب لاستعمال الكميات الزائدة في السوق المحلية دون دفع الأداءات المستوجبة كما يقع بيع المنتجات دون فواتير نظرا لعدم إمكانية إظهار مصدر المواد الأولوية للإنتاج وهو ما غذى السوق الموازية بالسلع.

وإجابة عن أسئلة تتعلق بالوجوه التي سعت إلى اصلاح منظمة الاعراف ذكر العيوديدي بعض الأسماء منها منصف خماخم وطارق الشريف.

سعيدة بوهلال

 

علاقة انسجام مع السلطة

قدم جمال الدين العويديدي بسطة عن نشأة الاتحاد العام للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية واهم الشخصيات المؤسسة له كما أوضح طبيعة العلاقة بين السلطة السياسية وهذه المنظمة منذ الاستقلال إلى ثورة 14 جانفي 2011 وبين أن منظمة الاعراف تأسست في نسختها الاولى تحت اسمة جامعة الصنايعية والمهن الصغرى وذلك في مارس 1945 وكانت تتكون من حرفيين في الاسواق التقليدية ومن ارباب المهن الصغرى خاصة اصحاب المقاهي المتمركزة في الاحياء الشعبية للمدينة القديمة وبعض اصحاب المهن التي كانت تمارسها الجاليات الموجودة في تونس خاصة الايطالية والمالطية على غرار عربات النقل بالخيول وورشات تصليح الميكانيك، وكانت المنظمة محسوبة على التيار الشيوعي، وأضاف ان التونسيين المؤسسين لهذه المنظمة خاصة محمد شمام ومحمد بن عبد القادر والفرجاني بلحاج عمار انسلخوا منها سريعا وكان ذلك في شهر ماي 1946 وعبروا عن تنديدهم بقرارها المصادقة على قرار الحكومة الفرنسية لتكريس تمثيلية مواطنيها المقيمين بتونس بالبرلمان الفرنسي.

وفي قراءة للبعض فان هذا الانسلاخ كانت الغاية منه سحب البساط من التنظيم الشيوعي وتكوين منظمة اعراف تابعة للحزب الدستوري الجديد.

وتأسست اثر مؤتمر انعقد يومي السادس عشر والسابع عشر من سنة 1947 منظمة نقابية جديدة للأعراف سميت الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وتم تعيين المرحوم الفرجاني بالحاج عمار امينا عاما له وبقي في نفس المنصب الى حين تغيير اسم المنظمة لتصبح الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وسمي محمد شمام رئيسا لها بين جانفي 1947 وأفريل 1948 ثم تم تعيين محمد بن عبد القادر رئيسا لها في المدة المتراوحة بين أفريل 1948 وأكتوبر 1960، ليتمبعدها تعيين الفرجاني بلحاج عمار رئيسا للمنظمة لكن تم ابعاده سنة 1964 بسبب معارضته سياسة أحمد بن صالح وتجربة التعاضد ثم عاد من جديد بقرار من الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1971 ليظل على رأس المنظمة الى سنة 1988.

وأوضح العويديدي الترابط المتين بين المنظمة والشأن السياسي وبين ان الفرجاني بلحاج عمر انخرط بالحزب الدستوري وعين عضوا بالديوان السياسي السادس برئاسة الحبيب ثامر أواخر الثلاثينات وعين وزيرا للاقتصاد بين أفريل 1956 وجويلية 1957 ثم عضوا بالديوان السياسي للحزب اثر مؤتمر سوسة سنة 1959 واستمرت عضويته في المؤتمرات اللاحقة وترأس مؤتمر الحزب بالمنستير سنة 1971 الذي تم خلاله تغيير اسم الحزب بالحزب الاشتراكي الدستوري ثم عين مديرا للحزب بين اكتوبر 1972 وجوان 1973 وكان قد انتخب في المجلس التأسيسي سنة 1956 ثم عضوا بمجلس الامة سنة 1959وتجدد انتخابه سنوات 1964 و1969 و1974و1979 وتولى خلال فتر توليه المنظمة ببعث عدة مجلات وجرائد منها جريدة البيان.

ولدى حديثه عن طبيعة العلاقة بين منظمة الاعراف والسلطة السياسية بين ان العلاقة في بدايات الاستقلال كانت علاقة ترابط كامل لكنها في بداية الستينات شهدت فتورا بسبب اتباه النهج الاشتراكي وبعد القطع مع هذه التجربة عادت العلاقة قوية ومتينة وتغول دور منظمة الاعراف وحصل صدام مع الاتحاد العام التونسي للشغل على خلفية قانون 1972 وتوترت الاوضاع اكثر بسبب انتفاضة 26 جانفي 1978 ولعبت المنظمة دورا في الدفع نحو استعمال وسائل تعسفية..

وبعد هذه المرحلة الصعبة هدأت الاوضاع وتم الرجوع للتفاوض مع حكومة محمد مزالي والرجوع القوي للاتحاد العام التونسي للشغل الى ان اندلعت انتفاضة الخبز سنة 1984. واثر ذلك اصبحت التعيينات تتم على راس الجامعات مثل جامعة البناء فرئيسها كان يرأس لجنة المقاطع. وأضاف أنه منذ نوفمبر1987دخلت منظمة الاعراف في تقارب مع السلطة توج بالمصاهرة وتطابق المصالح بين الطرفين.

وفي نفس السياق بين الخبير لسعد الذوادي أنه اسس غرفة تابعة لهذه المنظمة منذ سنوات وهو يعرف «البئر وغطاه» ويؤكد أن تونس دخلت مرحلة الدمار الشمال بعد مرحلة الفساد الشامل والجهل الشامل.

بوهلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *