وفاة الصحفية زينب التبسي.. من آخر “رموز الثورة الجزائرية”

كمال بن يونس
وفاة الشاعرة والمجاهدة الجزائرية زينب الميلي التبسي ابنة المجاهد الكبير الشهيد العربي التبسي وارملة المرحوم محمد الميلي الإبراهيمي التبسي الصحفي و الديبلوماسي والمدير العام السابق للالكسو( المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) …


فقدت الجزائر والدول العربية مؤخرا زينب الميلي الإبراهيمي، وهي واحدة من أبرز “آخر رموز حركات التحرر الوطني الجزائرية والعربية” وجيل الصحفيات والمثقفات والمناضلات من أجل التحرر الوطني وبناء الدولة الحديثة في الجزائر والمنطقة منذ خمسينيات القرن الماضي.

بعد سنوات من “التقصير” اهتم الإعلام الوطني الجزائري بوفاة الشاعرة والصحفية والمجاهدة الجزائرية زينب الميلي التبسي ابنة المجاهد الكبير الشهيد العربي التبسي وأرملة المرحوم محمد الميلي الإبراهيمي الكاتب والمفكر العروبي والمناضل الوطني والصحفي والدبلوماسي ووزير التربية ثم االمدير العام السابق للألكسو ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم..

وفاة الشاعرة والكاتبة والصحفية والمجاهدة الكبيرة زينب مناسبة جديدة لإعادة فتح صفحات غامضة في تاريخ حركات التحرر العربية ثم مسار بناء الدول المستقلة، لأن والدها الزعيم الوطني والقيادي في جمعية العلماء المسلمين الشهيد العربي التبسي قتل في ظروف غامضة ومثيرة عام 1957.

ولم تقدم السلطات الاستعمارية ولا الجزائرية بعد رواية واضحة و”رسمية” عن ملابسات اختطاف الشيخ العربي التبسي واغتياله فيما تتحدث مصادر عن قتله رميا في البحر أو حرقا في “خزان زيت مقلي”، لأنه رفض التخلي عن زعامة جمعية العلماء والحركة الوطنية خلفا لرفيق دربه الشيخ البشير الإبراهيمي والد زوجته ولأستاذهما عبد الحميد بن باديس.

برزت الصحفية والمثقفة الجزائرية مع زوجها محمد الميلي الإبراهيمي بمواقفها الجريئة و”الاستفزازية” في الصحافة التونسية والجزائرية وفي المجالس الثقافية والأوساط الدبلوماسية والسياسية بما في ذلك بحضور رئيس الجزائر الأسبق هواري بومدين وخلفائه وعدد من قادة العالم..

كان كثيرون يخشون على سلامتها وعلى سلامة زوجها محمد الميلي الإبراهيمي الصحفي والوزير والسفير والسياسي المخضرم الذي سبق لوالده أن تزعم الحركة الوطنية وجمعية العلماء ثم اضطهد بعد الاستقلال، لكنها كانت تتحدى الجميع مستحضرة استشهاد والدها حرقا أو غرقا بسبب رفضه الانسحاب من الحراك الوطني، فيما صمد والد زوجها ورفاقه. كما كانت تتحدى الجميع مستدلة بمقتل شقيقيها العسكريين أحدهما قبل الاستقلال والثاني في “عشرية النار” في التسعينيات من القرن الماضي ضمن ما عرف بـ”المعارك مع الإرهابيين “.

وكانت أسرة محمد الميلي الإبراهيمي وزينب التبسي “نموذجا لزواج سياسي ثقافي فكري” بين مناضلين كانا ابنين لزعيمين وطنيين من أكبر تلامذة العلامة والمصلح والمجاهد الذي يقدره الشعب الجزائري بكل مكوناته عبد الحميد بن باديس.

وقد كان والداهما الشيخ الإبراهيمي والشيخ البتسي من أكثر علماء الجزائر انخراطا خلال القرن العشرين في الحركة الثقافية والوطنية في الجزائر وتونس ومصر وسوريا وفي المملكة العربية السعودية. وجمعتهما مؤتمرات وجبهات نضال موسعة مع المفكرين والكتاب ورموز الحركة الوطنية العربية والمغاربية بينهم عبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة ويوسف الرويسي والرشيد إدريس والفاضل بن عاشور من تونس وعلال الفاسي وعبد الكريم غلاب وبقية زعماء حزب الاستقلال المغربي وقيادات الحركة الوطنية الليبية والجزائرية، لا سيما بعد تأسيس مكتبي “المغرب العربي” في القاهرة ودمشق وبرلين..

سخّرت زينب التبسي الإبراهيمي وزوجها محمد الميلي الإبراهيمي حياتهما وعلمهما وقلمهما لخدمة قضايا التحرر الوطني قبل الاستقلال وبعده. وكانا من أكثر الناس دفاعا عن التعريب في الصحافة وووسائل الإعلام ثم خلال تولي محمد الميلي حقيبة وزارة التربية في حكومة مولود حمروش مطلع التسعينيات من القرن الماضي ثم رئاسة المنظمة العربة للتربية والثقافة والعلوم، الألكسو، لدورتين.

كان محمد الميلي وعشرات من رفاقه الجزائريين والمغاربة والليبيين ساهموا في تأسيس جريدة الصباح التونسية وتوظيفها في خدمة قضايا التحرر الوطني المغاربية ثم ساهموا في تأسيس عدد من وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة التونسية والجزائرية.

وعين محمد الميلي قبل استقلال بلاده في رئاسة تحرير جريدة الصباح قبل أن يعين في مناصب إعلامية وسياسية عديدة في الجزائر بينها مستشار الرئيس هواري بومدين، ومديرا عاما لصحيفة المجاهد الجزائرية.

وله عدد كبير من الكتابات في المجلات المختصة ووسائل الإعلام. ومن بين مؤلفاته كتاب “فرانز فانون والثورة الجزائرية” و”ابن باديس وعروبة الجزائر” الذي كان من بين آخر إصداراته في 2007، بمناسبة تظاهرات “الجزائر عاصمة الثقافة العربية”.

تاريخ أعلام مثل زينب التبسي ومحمد الميلي الإبراهيمي ووالديهما وأستاذهما أستاذ الأجيال عبد الحميد بن باديس تستحق لفتة كريمة ووقفة تأمل تمهيدا لإعادة الاعتبار لهما في أعين الجيل الجديد، إذ لا مستقبل لأمة لا تعيد الاعتبار لرموزها العلمية والثقافية والوطنية أحياء وأمواتا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *