هل يُذيب خطاب محمد السادس جليد الخلافات بين المغرب و الجزائر ؟

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس الثلاثاء إلى “آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور” مع الجزائر. ففي حين يرى البعض أن الملفات الشائكة وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية قد تفشل هذا الاقتراح، يعتبر آخرون أنها فرصة تاريخية لتجاوز الخلافات.

يقترح المغرب رسميا على الجزائر إقامة “حوار مباشر وصريح” بهدف “تجاوز الخلافات” حسب ما قاله الملك محمد السادس في خطاب الثلاثاء بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء.

ويقترح ملك المغرب على الجزائر تشكيل “آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور”، وخطاب الملك للشعب موعد سنوي في المملكة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء السلمية التي نزل فيها 350 ألف شخص استجابة لنداء العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني لاسترجاع أقاليم الصحراء من الاستعمار الإسباني في 6 نوفمبر 1975.

روح مؤتمر طنجة

لكن جاء أيضا هذا العام إحياء للذكرى الستين لمؤتمر طنجة. ففي 1958 دعت الهيئات الشعبية الممثلة لبلدان المغرب العربي في خضم حركة التحرير، وهي حزب الاستقلال (المغرب) وحزب الدستور الجديد (تونس) وجبهة التحرير (الجزائر)، إلى الاتحاد عبر نظام فدرالي وتشكيل مجلس استشاري مهمته دراسة القضايا المشتركة.

ودعا الملك محمد السادس في خطابه الجزائر إلى إنشاء إطار سياسي للحوار الثنائي. حوار “مباشر وصريح” من أجل “تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين”، وذلك دون الحاجة إلى وسيط. مؤكدا “مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة بيننا”، ورأى البعض في ذلك رسالة مباشرة موجهة إلى الأمم المتحدة بعد أيام من تجديد مهمة المينورسو، البعثة الأممية للصحراء الغربية.

وقال العاهل المغربي إن بلده “منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين”. وفي خطاب محمد السادس مؤشرات قوية على مد اليد للجزائر لكن يبدو أن من الصعب الإمساك بها من الجانب الثاني، إذ يمثل النزاع بشأن الصحراء الغربية أحد أكبر المعوقات التي تواجه العلاقات المغربية الجزائرية. فالجزائر تدعم جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المغرب.

ففي نفس الوقت الذي يطلب فيه العاهل المغربي بـ «صدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية”، يؤكد في خطابه على مبدأ الوحدة الترابية للمملكة مع تمكين “سكان الصحراء (..) من حقهم في التدبير الذاتي لشؤونهم المحلية”. فتحدث الملك عن الأقاليم الجنوبية ودور الصحراء الغربية “التاريخي كصلة وصل رائدة بين المغرب وعمقه الجغرافي والتاريخي الإفريقي”. وهو ما أكده المحلل السياسي المغربي محمد بودن موضحا أن في الخطاب الملكي “إعادة تثبيت الثوابت فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية” وكذلك “إبراز أهمية هذا المعطى في إبرام الشراكات مع الدول والتكتلات الإقليمية بما فيها الاتحاد الأوروبي لأن الحق المشروع للمغرب لا يمكن تجزئته بل يكون هو ذاته أينما كان”.

من جانبه قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر ناصر جابي لفرانس24 إن السياسة المغربية لم تتغير في هذا الملف منذ سنوات، وحتى منذ عهد الحسن الثاني، فاتسمت بالتناقض بخصوص قضية الصحراء وبالكر والفر فـ”بين قبول للاستفتاء ثم التراجع عن الاستفتاء والتفاوض مع البوليساريو ثم التراجع عن ذلك”. وبالنسبة إليه فالموقف الجزائري يعتبر قضية الصحراء ملفا أمميا يحل مع البوليساريو.

وتطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية، فيما ترفض الرباط مدعومة من باريس وواشنطن أي حل خارج حكم ذاتي تحت سيادتها في هذه المنطقة الشاسعة البالغة مساحتها 266 ألف كلم مربع.

وأشار ناصر جابي إلى أن البلدين نجحا في الثمانينيات في فتح الحدود ورفع التأشيرة قبل أن ينتهي الأمر في 1994. وإلى جانب دعم الجزائر لجبهة البوليساريو، أدى حادث تفجير فندق بمراكش في 1994 وتحميل السلطات المغربية المسؤولية فيه للجزائر إلى إغلاق الحدود نهائيا بين البلدين.

وتابع جابي أنه، ومن حيث مبدأ الأخوة، للجزائر نفس الخطاب: فبحكم العلاقات التاريخية بين الشعبين والنسيج الاجتماعي المغربي الجزائري لا سيما بين العائلات في المناطق الحدودية إضافة إلى النشاط الاقتصادي، و”الذي يربطهما رغم كل شيء، يمكن أن تقبل الجزائر نظريا بدعوة الملك الجديدة للحوار لا سيما أن لهجة هذا الخطاب “بناءة” على عكس “تصريحات أخرى وحملات تحريض ضد الجزائر في السابق”.

خطاب تاريخي “نظريا” أم قابل لتجاوز عوائق الواقع؟

ويتفق محمد بودن على هذا التحليل للهجة خطاب محمد السادس الثلاثاء الذي اعتبره “خطابا تاريخيا متمسكا بالأخوة الصادقة مع الجزائر ومبنيا على أرضية غير مسبوقة تتعلق باقتراح آلية سياسية للتنسيق والتشاور بين المغرب والجزائر”.

وأوضح العاهل المغربي في خطابه أن الآلية المقترحة “يمكن أن تشكل إطارا عمليا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية (..) كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة”.

وإن كان بودن يرى أن “حرارة الخطاب الملكي قد تذيب كرة الثلج بين البلدين وتضع الشعبين أمام فرصة عظيمة بل صفقة مصالحة تاريخية” فيعتبر جابي أن الإمكانية “النظرية” لتفعيل خطاب مبادئ الأخوة والتعاون قد تصطدم “بالملفات المسكوت عنها وعلى رأسها قضية الصحراء، وأيضا المخدرات…”. وطالما دعا العاهل المغربي إلى فتح الحدود لكن الجزائر تقول إن مشاكل الهجرة غير المشروعة والمخدرات تدعوها للإبقاء على إغلاقها.

وإذ أكد الملك أن المغرب “منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر” شدد على أن “مهمة هذه الآلية تتمثل في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات”. وهو ما سلط عليه الضوء مسؤول مغربي حكومي رفيع المستوى طلب التحفظ على هويته، قائلا لوكالة الأنباء الفرنسية إن من شأن الآلية التي اقترح الملك تشكليها أن تتيح للبلدين مناقشة كل القضايا الثنائية “دون محظورات” وأن “تضع على طاولة البحث كل الشكاوى” مثل المخدرات والتهريب وقضية الصحراء الغربية والوقائع التاريخية غير الموضحة والاتفاقيات التي لم تحترم.

وأمام هذه الدعوة الملكية التي تبدو مفتوحة وخالية من المحظورات، يقول محمد بودن “يمكن القول إن المائدة المستديرة في جنيف بشأن ملف الصحراء المغربية في 5 و6 ديسمبر القادم ستكشف عن مستوى الرغبة الجزائرية في إجراء مراجعة او إحداث تطوير حقيقي في بنية العلاقات الثنائية المغربية الجزائرية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *