هل ينجح فريق الجملي في احتواء الشارع و التناقضات ” بين القصرين “؟ … بقلم كمال بن يونس

وقع الرئيس قيس سعيد على الرسالة الموجهة إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي إيذانا بإتمام إجراءات المصادقة على الفريق الحكومي الذي اقترحه الحبيب الجملي بعد أسابيع  من جلسات العمل الماراطونية و”القصف الاعلامي” والعواصف السياسية في قرطاج وباردو ومقرات الاحزاب والنقابات ووسائل الاعلام ..
من حيث الشكل انتصر في تونس مجددا خيار التسوية السياسية عبر تبادل التنازلات على سيناريوهات القطيعة والصدام والعنف ..
لكن هل ستنجح حكومة  الحبيب الجملي في احتواء ازمات البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغضب الشارع والتناقضات بين قصري باردو وقرطاج ؟
وهل ستتاح لسيد قصر القصبة الجديد وفريقه الحكومي فرصة اعطاء الأولوية لمشاغل ملايين المواطنين والمواطنات ومشاكلهم أم يحصل العكس لأسباب عديدة من بينها ” عدم التناسق بين المطالب الراديكالية للشباب والشعب وقصر قرطاج  من جهة و” المسار البرلماني الحكومي ” من جهة ثانية ؟
الاجابة عن هذه التساؤلات تفترض أولا تفكيك ألغاز حكومة الحبيب الجملي وتقديم قراءات هادئة لخصوصيات الفسيفساء السياسية والحزبية والادارية التي تميزها ..
حسب أغلب التقديرات وتأكيدات مصادر مسؤولة من عدة أحزاب وكتل برلمانية يرجح فوز الفريق الحكومي بأغلبية مطلقة مريحة سوف تعتمد على طرفين :
·     الأحزاب والنقابات التي تشارك فيها مباشرة وغير مباشرة ، ودعمت ترشيح عدد من الوزراء  وكتاب الدولة المقربين إليها وخاصة النهضة وقلب تونس واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين..
ويبدو أن استشارة قيادات نقابات العمال ورجال الاعمال شملت بعض الوزراء بينهم سيد بلال في الشؤون الاجتماعية وكمال الحجام في التربية والفاضل عبد الكافي في التنمية والتعاون الدولي و عبد الرحمان القشتالي في المالية والمنجي مرزوق في الصناعة والطاقة والمناجم ..
·     الأطراف المستقلة وتلك التي أعلنت أنها سوف تبقى في المعارضة ، مثل حزب التيار وكتلة ائتلاف الكرامة ..وقد أعلن مسؤولون منها أن نسبة من  نوابها سوف يصوتون للحكومة والبقية سوف يعترضون أو يتحفظون عليها ليتمتعوا بمزايا ” المعارضة البرلمانية ” ومن بينها الترشح لرئاسة اللجنة المالية ..(؟)
ومن بين ما يدعم مثل هذا الخيار بالنسبة لبعض النواب وجود مرشحين ” من الحجم الكبير” بين المرشحين للحقائب الاقتصادية والمالية والاجتماعية ولوزارات السيادة ..

تحفظات ..واعتراضات
في المقابل من المتوقع أن يصوت ما لايقل عن ثلث النواب ضد الفريق الحكومي المقترح لأسباب عديدة من بينها :
·     أولا ، الموقف المعارض جملة وتفصيلا  لحكومة الحبيب الجملي التي يعتبرونها ” نهضوية مقنعة ” ..الى جانب معارضة كل” المرشحين” القريبين من  حركة النهضة ” و مشاركة بعضهم في حكومات الترويكا والمهدي جمعة ما بين 2011و2014 .. وتقود هذا التيار زعامات الحزب الدستوري الحر وشخصيات من حركة الشعب بزعامة زهير المغزاوي وسالم الابيض .
ويستهدف هنا الحبيب الجملي نفسه والوزراء السابقون لتكنولوجيا الاتصالات والصناعة والطاقة المنجي مرزوق والتجارة البشير الزعفوري والرياضة طارق ذياب ..
·     ثانيا ، الموقف المعارض لكل صيغ الشراكة والتحالف والتعاون مع ” الفساد المالي” وقيادات حزب النداء السابق و حزب قلب تونس حاليا ..وتقود هذا التيار شخصيات قيادية في حزب التيار وفي كتلة ائتلاف الكرامة ..
ويوجد على رأس المستهدفين المرشح لحقيبة التنمية والتعاون الدولي محمد الفاضل عبد الكافي رغم تبرئة المحكمة له من الاتهامات التي وجهت اليه والى مؤسسة مالية كان يشرف عليها سابقا ..وقد استقال عبد الكافي عام 2017 من وزارة المالية بسبب عدم غلق القضاء وقتها لملف القضية ..
وقد تعقد الموقف بعد التصريح الجديد الصادر عن شوقي الطبيب رئيس لجنة مكافحة الفساد الذي تحدث عن وجود متهمين بارزين في الفساد بين أعضاء البرلمان الحالي والسابق ..
·     ثالثا ، الموقف المعارض بقوة لبعض الشخصيات المقترحة للحكومة بسبب ” جنسيتها المزدوجة ” و” مواقفها السياسية من قضية تحرير فلسطين ” ..وهنا يبرز خاصة موقف بعض نواب ” حزب الشعب ” القومية العربية ، مثل الوزير السابق سالم الابيض ، من وزير السياحة روني الطرابلسي ..

أغلبية موالية للنهضة وقلب تونس ؟

وإذا كان المنطق يفترض تعيين سياسيين من بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات في الحكومة ، فإن بعض البرلمانيين والسياسيين يشككون في وصف المرشحين للحقائب الحكومية الجديدة ب” المستقلين ” من قبل الحبيب الجملي .
ومن المتوقع أن يثار جدل خلال جلسة المصادقة على الحكومة حول ” استقلالية ” بعض المرشحين البارزين لحقائب وزارية  و”صداقتهم”مع قياديين في حزبي النهضة وقلب تونس  ورجال أعمال وشركات محسوبين عليهما..
وتشمل حملة التشكيك ما لايقل عن 10 وزراء وكتاب دولة بينهم بالخصوص السادة الهادي القديري المرشح لحقيبة العدل وسفيان السليطي المرشح لحقيبة الداخلية و الفاضل عبد الكافي المرشح لحقيبة التنمية والتعاون الدولي و كمال الحجام المرشح للتربية و سليم شورى المرشح للتعليم العالي  ونور الدين السالمي المرشح للبيئة والتنمية المحلية وسامي السماوي المرشح لتكنولوجيا الاصالات وجمال قمرة المرشح للنقل وطارق ذياب وزير الرياضة وفتحي الهداوي وزير الثقافة..
وقد صدرت عن أغلب هؤلاء الوزراء والمقربين منهم تصريحات تؤكد على استقلاليتهم الحزبية .. بينما وصفهم خصومهم ب” المنتمين الى الحزام الثاني لحزبي النهضة أو قلب تونس “..
ويبدو أن قيادات الحزبين ضغطت على زعيميها راشد الغنوشي ونبيل القروي من جهة وعلى قيس سعيد والحبيب الجملي وقيادات النقابات من جهة ثانية لتقبل بتعيين شخصيات محسوبة على الأغلبية البرلمانية ” احتراما لقواعدها وناخبيها ” وحرصا على ضمان ” حزام سياسي” للحكومة ..

وزراء أم موظفون ؟

لكن عددا من الخبراء في الدراسات السياسية والاستراتيجية مثل الاستاذ هيكل بن محفوظ أعربوا عن تحفظهم على ” الخلط بين المناصب السياسية مثل الخطط الوزارية والموظفين السامين في الدولة “.
وعارض هيكل محفوظ ” ترقية عدد من المديرين العامين ” الى رتبة وزير أو كاتب دولة ، وتسمية بعضهم في حقائب سياسية تستوجب خبرة سياسية طويلة ، مثل التربية والتعليم العالي ، أو خبرة بالدراسات الدولية والجيواستراتيجية ، مثل حقائب الدفاع والداخلية والخارجية ..
كما وصف عدد من الحقوقيين والكتاب مثل الامين البوعزيزي  تعيين ” مستقلين ” في حقائب وزارية بعد انتخابات ديمقراطية “انقلابا على نتائج الانتخابات” وعلى من اختارهم المواطنون عبر صناديق الاقتراع . وشكك عدد كبير من المثقفين في جدية ترشح فنان مثل فتحي الهداوي لتسيير وزارة كبيرة واستراتيجية ومعقدة مثل الثقافة والتراث ..
والتقى مع هذا الموقف قياديون بارزون  من عدة تيارات وحركات سياسية مثل البرلماني والكاتب الصافي سعيد و الوزير السابق عبد اللطيف المكي ومدير مكتب رئيس حزب النهضة الحالي فوزي كمون الذي نشر قبل أيام تدوينة على صفحته ينتقد ” اقصاء المنتمين للأحزاب وبينها حركة النهضة قبل الثورة وبعدها “..(؟)
ويقف عدد من الغاضبين داخل حزبي قلب تونس والنهضة على يسار هؤلاء ، و يشككون في كفاءة أغلب الوزراء المقترحين وفي امتلاكهم شبكة علاقات داخلية ودولية  .. كما يشككون في فرص حصول هذه الحكومة على حزام سياسي طويل المدى يمكنها من احتواء  التناقضات بين ” القصرين ” ( قرطاج وباردو ) وغضب المواطنين بسبب تدهور قدرتهم الشرائية و انهيار الخدمات الاجتماعية العمومية واستفحال الفقر والبطالة والمخدرات والجريمة بأنواعها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *