هل يؤثر توتر العلاقة بين السعودية و المغرب على المعاملات التجارية و المالية بين البلدين

محطات من الخلافات غير المعلنة انتقلت من السرية إلى العلنية

 

منية العيادي

 

 

يبدو أن توتر العلاقة بين المغرب و السعودية على خلفية قضية الصحراء الغربية التي أثارت “أزمة” بين البلدين اعتراضا على تقرير نشرته قناة العربية المقربة من الدوائر الحاكمة في السعودية يخالف الموقف المغربي من قضية الصحراء الغربية ، بدأ يحصي آثاره بعد قيام الخارجية المغربية باستدعاء سفيريها في الرياض ثم أبو ظبي وسط توقعات بمزيد تعقّد الأزمة التي بدأت تلقي بضلالها على المعاملات المالية و التجارية بين البلدين .

 

 

*** تقرير ” العربية” القطرة التي أفاضت الكأس

 

مثل التقرير الذي نشرته قناة “العربية” القطرة التي أفاضت الكأس و شكلت نقطة التحول في العلاقة بين البلدين و جاء فيه أن ”  الصحراء الغربية كانت مستعمرة إسبانية انسحبت منها إسبانيا عام 1975 و منحت الرقابة عليها لكل من المغرب و موريتانيا “.

و اعتادت السعودية، على مر سنوات، تأكيد موقفها الداعم لسيادة المغرب على الصحراء الغربية، إلا أن تقرير قناة “العربية “، التي يراها البعض مقربة من السعودية، يشير من وجهة نظر مراقبين مغاربة، إلى عدم احترام السيادة المغربية التاريخية على الصحراء الغربية.

و جاء التقرير بعد مرور بضعة أيام على مقابلة أجراها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مع قناة “الجزيرة” القطرية قال فيها إن “المغرب طور مشاركته أو غير مشاركته انطلاقا من تطورات وقعت على الواقع، انطلاقا من تدبير التحالف، و انطلاقا من تقييم المغرب نفسه للتطورات في اليمن”.

و رغم تصريحات السفير مصطفى المنصوري الذي أكد أن المغرب و السعودية تربطهما علاقات قوية قديمة تمر حاليا “بسحابة عابرة” فإن التاريخ يشير إلى أن العلاقات المغربية السعودية شهدت أزمة صامتة قبل سنتين، لتنتقل مؤخرا من السرية إلى العلنية، بشكل مفاجئ .

 

*** الديبلوماسية المغربية- السعودية من التحالف إلى التخوين 

 

جاء تقرير قناة العربية بعد مرور بضعة أيام على مقابلة أجراها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مع قناة “الجزيرة” القطرية قال فيها إن “المغرب طور مشاركته أو غير مشاركته انطلاقا من تطورات وقعت على الواقع، انطلاقا من تدبير التحالف، و انطلاقا من تقييم المغرب نفسه للتطورات في اليمن”.

و أضاف بوريطة أن المغرب “لم يعد يشارك في العمليات العسكرية في اليمن ولم يحضر المناورات العسكرية أو الاجتماعات الوزارية الأخيرة للتحالف”.

و لم يساند المغرب السعودية ضد قطر في الأزمة الخليجية، بل اتخذ موقفا محايدا داعيا إلى التقريب بين وجهات النظر دون الاصطفاف مع طرف ضد الآخر.

كما لم يعرب المغرب عن تأييده للموقف السعودي في قضية مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول.

و يُلوم المغاربة السعودية على تصويتها لصالح ملف (الولايات المتحدة و المكسيك) لتنظيم كأس العالم 2026، و ضد ملف المغرب الذي كان يطمح في الفوز باستضافة البطولة.

و كانت الدبلوماسية المغربية اصطفت في مواقفها، بشأن القضايا العربية و الإقليمية و حتى الدولية، في محور الرياض أبو ظبي، و بلغت قراراتها، في بعض الأحيان، مستويات تجاوزت سقف التوقعات؛ على غرار ما حدث في أزمة البحرين و إيران (2009)، حيث اكتفت دول هذا الحلف بالإدانة و التنديد، بينما قرّرت الرباط حينها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. غير أن الأزمة الخليجية شكلت لاحقا القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقات الرياض بالرباط، بعدما اختار المغرب الخروج عن المألوف، بإعلانه التزام الحياد البنّاء في موقف مفاجئ، تلاه قرار إرسال مساعدات غذائية عاجلة لدولة قطر، خلال الأيام الأولى لاندلاع الأزمة، ثم تقديم مقترح للوساطة بين الطرفين.

و اعتبرت السعودية هذا التموقع بمثابة خيانةٍ غير متوقعة من حليف استراتيجي، تربطهما قواسم مشتركة كثيرة، ما حداها، في سياق معين، إلى اقتراح منحه، بمعية الأردن، العضوية في دول مجلس التعاون الخليجي. لذا رفضت كل الوساطات التي اقترحها محمد السادس في كل من أزمتي رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ماي 2018 و الأمير الوليد بن طلال مارس 2018 ابن خالة الأمير مولاي هشام العلوي.

و تجلت مؤشرات التوتر بين البلدين، بعد أن غيرت المغرب من مشاركتها في التحالف السعودي الإماراتي، و عدم زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الرباط بعد الجولة الأخيرة التي قام بها إلى بلدان المغرب العربي، عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا .

و بدا أن المغرب لم يرغب في أن يكون جزءا من تحركات ولي العهد السعودي الذي زار بلدانا عربية بعد أزمة مقتل خاشقجي، وفسر وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة في حوار للجزيرة، بكون “التوقيت و الترتيبات حالت دون ذلك”.

 

*** الرياض و أبو ظبي لم تلتزما بالوعود المالية التي تعهدتا بها للمغرب

 

كان لعدم وفاء العربية السعودية بالتزامها بمنح مساعدات مالية للمغرب، إبّان الربيع العربي، سببا إضافيا لإعادة الرباط النظر في موقعها، فوفقا لتقارير رسمية مغربية، لم توف سوى قطر و الكويت بالتزامهما بمنح الدعم المخصص للمغرب بدفع مبلغ 1٫25 مليار دولار لكل منهما، بينما دفعت السعودية 868 مليون دولار فقط من إجمالي 1٫25 مليار دولار تم التعهد به عام 2012.

و تداولت عدة مصادر إعلامية توقعاتها بتأخر مساعدات السعودية للمغرب و المنح المالية التي وعدت بها الرياض الرباط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي.

و حسب مراقبين، فقد تؤدي تداعيات الأزمة، إلى مزيد من التأخير للمنح السعودية للمغرب، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية إضافية مرتقبة على العلاقات التجارية بين البلدين.

و سبق لمحافظ المركزي المغربي، عبد اللطيف الجواهري، أن أوضح، عندما سئل حول احتمال تجديد اتفاق الهبات بين المغرب و دول الخليج، بأن ذلك يبقى رهينا بالمستوى السياسي.

و يقول الخبير الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر،  إن تأخر صرف ما تبقى من الهبات الخليجية، ساهم في تدهور عجز الميزان التجاري في العام الماضي.

لكنه يرى أن مستقبل المساعدات لن يكون رهينا بالتعاطي مع مجلس التعاون الخليجي، كتكتل منسجم في المستقبل، بل يتعلق الأمر بالعلاقات مع كل دولة على حدة.

و لم تتعدّ هبات دول الخليج للمغرب في العام الماضي 285 مليون دولار، بعدما دفع انخفاض وتيرة صرفها الحكومة المغربية إلى خفض توقعاتها من 720 مليون دولار إلى 480 مليون دولار.

وتعهدت قطر والسعودية و الإمارات والكويت بمنح المغرب 5 مليارات دولار بين 2012 و 2016، لتمويل مشاريع تنموية في المملكة، إذ تعهد كل بلد بتوفير 1.25 مليار دولار.

ويشير تقرير حديث ملحق بمشروع موازنة العام المقبل 2019، إلى أن عدم حصول المغرب على كامل المنح التي وُعد بها في 2012، يرجع إلى تأخر السعودية و الإمارات في وفاء ما التزمتا به.

و يوضح التقرير الذي تضمن بيانات إلى غاية أوت الماضي، أن قطر و الكويت أوفتا بالتزاماتهما، بينما لم تتعد مساهمات الإمارات و السعودية على التوالي 1.03 مليار دولار و 868 مليون دولار.

و يتجلى أن العديد من المشاريع علقت في سياق التوتر بين البلدين، فلم يجر الحديث منذ 2017، عن إنشاء خط بحري لشحن السلع، بما يفضي إلى تقليص كلفة النقل و زيادة حجم المبادلات.

و كان ذلك الخط يحظى بالأولوية في اجتماعات مجلس الأعمال المغربي/ السعودي، الذي لم يُعقد منذ عامين.

و كان مجلس التعاون الخليجي قد تبنى -في دورته الـ32 التي شهدتها الرياض عام 2011- قرارا بمنح المغرب هبة بخمسة مليارات دولار في ست سنوات بهدف تمويل مشاريع تنموية.

 

*** هل تطول الأزمة تمويل ميزانية الاسيسكو

 

التأثيرات أيضا يبدو أنها وصلت إلى المنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة “الإيسيسكو” و مقرها “الرباط” بعد أنباء عن إمكانية إستقالة مديرها العام السعودي عبد العزيز بن عثمان التويجري و عدول السعودية عن تمويلها أو التقليل من حجم حصتها من  تمويلات المنظمة و التي تقدر ب 80 % من الميزانية .

و سبق أن أشاد عبد العزيز بن عثمان التويجري،  بمبادرة الملك محمد السادس، التي دعا فيها إلى إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار و التشاور بين المغرب و الجزائر، من أجل الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة بينهما بكل صراحة و موضوعية وصدق و حسن نية، و بأجندة مفتوحة دون شروط أو استثناءات.

ورأى التويجري في المبادرة الملكية خطوة مهمة في سبيل حل الخلافات بين البلدين، و إحداث التكامل بين دولتين عضوين في “الإيسيسكو”، و لهما دور كبير في تعزيز العمل الإسلامي المشترك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *