هل سيكون “عبد الحميد دبيبة” هو “مهدي جمعة” ليبيا؟

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

** تمهيد

تم وكما هو معلوم يوم الجمعة الماضي (05 فيفري 2021) اختيار السياسي ورجل الاعمال “عبدالحميد دبيبة” رئيسا للحكومة الانتقالية التي ستقود بلد عمر المختار حتى 24 ديسمبر القادم، ويعتبر الاختيار تتويجا لملتقى الحوار السياسي والذي سعى من خلاله الليبيون والمجتمع الدولي على اخراج البلاد من الصراعات والحروب التي سادت منذ أزمة فيفري 2014 ورغم الاجماع الذي لقيته مخرجات الملتقى الذي بدأت أولى جولاته منذ أغسطس/اوت الماضي والردود المرحبة والمستبشرة فان التحديات التي ستواجهها الحكومة والبلد ستكون جسيمة وكبيرة ومتعددة ورغم ان النموذج التونسي انتصر على مقابله المصري نتاج تغليب لغة الحوار والديمقراطية أيضا بناء على سقوط خيارات العسكرة ومحاولات انتاج القذافي2 واستنساخ “سيسي ليبيا”، فان السؤال المهم اليوم هو هل سيستطيع دبيبة رفع التحديات ومغالبة الصعابـ وما هو برنامجه وماهي أولوياته، وهل سيكون فعليا هو “مهدي جمعة ليبيا” بالمعنيين السلبي والايجابي لتجربة رئيس الحكومة في تونس سنة 2014 أي مباشرة بعد الحوار الوطني يومها رغم اختلاف الخصوصيات والأوضاع والزمن؟

** من رجل أعمال الى رئيس آخر حكومة انتقالية، فمن هو “عبدالحميد دبيبة”؟

يعرف“دبيبة” بانه رجل أعمال ثري وقريب وصهر لأمين خزانة القذافي والرجل المثير للجدل علي “دبيبة”،  ويبلغ الحاج عبد الحميد كما يناديه رجال المال والاعمال في ليبيا ،  61 سنة وهو الذي اختير الجمعة 05 فيفري الحالي في الجولة الختامية لملتقى الحوار السياسي كريس لآخر حكومة انتقالية واليت سيكون من بين أهم أولوياتها التحضير المادي واللوجستي والقانوني لانتخابات 24 ديسمبر 2021، وولد “دبيبة” عام 1959 في مصراتة أي أهم المدن الليبية الساحلية (200 كلم شرق طرابلس)، وهي المدينة التي سبقللعديد من أبنائها مناصب سياسية مهمة في حكومات ليبيا منذ استقلالها عام 1951، كما تولى عدد منهم مناصب في مؤسسات اقتصادية مهمة واستراتيجية

وينحدر “دبيبة” من أسرة أغلب أبنائها من رجال الأعمال، وبعضهم كان مقرباً من العقيد الراحل معمر القذافي، وهو متزوج وأب لستة أبناء، ويحمل شهادة ماجستير في تقنيات التخطيط والبناء من جامعة “تورونتو” الكندية بل وكان أكبر المتفوقين في دفعته وفي تلك الفترة عرف وتعرف على أهم معارضي نظام القذافي…

وفي فترة حكم النظام السابق شغل “دبيبة” عدة مسؤوليات مهمة، أبرزها إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار، وهي شركة حكومية كبيرة، بالإضافة لأعمال تجارية خاصة بنى من خلالها ثروته من مجال البناء، ليصبح أحد أنجح رجال أعمال مصراتة إلى جانب ابن عمه عليدبيبة، الذي شارك في ملتقى الحوار من بين 75 شخصية ليبية أدارت جلسات المفاوضات السياسية طيلة الأشهر الماضية.

وقد شارك دبيبة في عدة أنشطة تتصل بالمصالحات الوطنية خلال سنوات ما بعد ثورة فبراير/شباط، كما أطلق حراكاً سياسياً تحت اسم “حراك ليبيا المستقبل”، لكن نشاطه السياسي بقي محدوداً، وقبل ذلك كان من أهم أنصار وداعمي ثورة 17 فبراير 2011

 

** أي برنامج واي أولويات؟

 

خلال تقديمه رؤيته لإدارة الحكومة أمام أعضاء ملتقى الحوار السياسي الثلاثاء 02 فيفري، تحدث دبيبة عن برامج طموحة تتعلق بإطلاق إصلاحات خدمية واقتصادية، واستيعاب الشباب في برامج اقتصادية لإبعادهم عن الانخراط في المجموعات المسلحةكما عبر يومها لأعضاء ملتقى الحوار، عن رغبته ورغبة الرئيس في إنشاء وزارة للمصالحة الوطنية وتقليص الفوارق بين رواتب الموظفين، وتقسيم البلد إلى مناطق أمنية، وحلّ مشكلة الانقطاع المطول للكهرباء خلال ستة أشهر.

وتعهّد أيضاً بالعمل على إعادة كبار المستثمرين الأجانب الذين هجروا ليبيا بعد 2011، وخلق وظائف للشباب لا تكون بالضرورة في الجيش والشرطة.

وفي أول حديث رسمي له، في كلمة مرئية مساء السبت الماضي (06 فيفري) أبدى دبيبة استعداده للعمل مع الجميع باختلاف أفكارهم ومكوناتهم وأطيافهم ومناطقهم، وأكّد أن اختيار ملتقى الحوار السياسي قائمته رمز لانتصار الوحدة الوطنية.

وجدد تأكيده الالتزام بتعهداته حيال الاستحقاق الانتخابي نهاية العام الجاري، وشدد على أن حكومته ستنهي مسار النزاع وصولاً إلى الانتخابات، لتنتهي معها المراحل الانتقالية.

ويمكن استخلاص النقاط التالية في برنامج القائمة التي ترأسها في ملتقى جنيف وهي نقاط يمكن تقسيمها إلى مستويات أربعة:

 1: المستوى السياسي:

  • تشكيل حكومة وحدة وطنية والحصول على ثقة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة (يمكن الحصول على الثقة من لجنة الحوار السياسي المتكونة من 75 شخصا ان تعذرت مصادقة المجلسين)
  • إنهاء الانقسام
  • التجهيز للانتخابات تشريعيا وعملياتيا (لوجستيا)

 

: المستوى الأمني:

  • استمرار وقف إطلاق النار
  • اخراج المقاتلين الأجانب..
  • بناء توافق لتوحيد المؤسسة العسكرية

 

 3 :  المستوى الاقتصادي

  • توحيد الميزانية
  • إنهاء انقسام المؤسسات المالية والاقتصادية
  • توفير السيولة
  • السيطرة على التضخم

 

 4 : المستوى الصحي

  • التحكم في انتشار فيروس كورونا المستجد
  • البدء في تنفيذ خطة تطعيم وطنية ضد الفيروس

 

** خطاب سياسي جامع ومواقف أولية لجس النبض

 

 1  : طبيعة الحكومة ومرحلية عملها

أكد “عبد الحميد دبيبة” في أولى تصريحاته (مقابلة مع وكالة الأناضول) على طبيعة حكومته ومرحلية عملها على:

  • تكوين حكومة تكنوقراطية وكل من أثبت فعاليته وجديته وقوته في الأداء سيكون ضمن فريق الحكومة، وسيتم تشكيل الحكومة بعد 3 أسابيع، وبعدها ستُطرح الحكومة لأخذ الثقة من قِبل البرلمان الليبي، وكل من أثبت فعاليته وجديته وقوته في الأداء سيكون ضمن فريق الحكومة”. وأردف: “سيكون هناك تمثيل عادل للشعب الليبي بجميع طوائفه وجميع مناطقه. ولكن التركيز سيكون على الأهداف التكنوقراطية…

 

  • التنصيص على أولويات بعينها ومن بينها توفير لقاح كورونا ومعالجة المصاعب الحياتية وإعداد الدستور الجديد وتشكيل لجان المصالحة، وأكد ان ليبيا في مرحلة صعبة لتأسيس السلام في ليبيا، وعلى كلا الطرفين تقديم التنازلات، ومن يَثبت إجرامه سيواجه القضاء والعدل…

 

2 : مواقف من أهم القضايا ومن المصالحة الوطنية

 

أكد رئيس الحكومة المكلف “عبد الحميد دبيبة” أن حكومته:

  • ستعمل على إحلال السلام بين الأطراف في البلاد وحل المشاكل الكبرى التي تواجهها. وأضاف أن ملتقى الحوار الليبي السياسي (74 عضوا)، تم تشكيله من جميع أنحاء ليبيا، وأنه يمثل كل جغرافية وقبائل وشرائح الشعب الليبي. وأشار إلى أن أعضاء الملتقى اتخذوا قرارا لصالح ليبيا وشعبها، وأن هذا القرار يستحوذ على أهمية بالنسبة للتغيير السلمي والديمقراطي والحر في البلاد. ولفت إلى أن العالم كله شهد عبر الإذاعات المرئية والمسموعة، ذلك الحدث (الانتخابات التي جرت في جنيف وأسفرت عن فوز قائمة دبيبة)، وكان دبيبة قد استقبل الوفد في مطار معيتيقة (بالعاصمة طرابلس)، تكريما لهم. وتابع قائلا: “الوفد سعيد بالنتائج التي تحققت، وأنا لا أعرف منهم إلا القليل…

 

  • ستهتم بالمصاعب الحياتية كانقطاع الكهرباء والصحة والمعوقات اليومية، ومن ثم التفكير في لجان المصالحة والتفكير في فكرة إعداد الدستور مع المجلس الرئاسي

 

  • ستعمل على إرساء السلم الاجتماعي لحل الأزمة الليبية، قائلا: “سنشكل لجان مصالحة داخلية ليبية للتصالح مع الشعب والقبائل والطوائف المتخاصمة والمتحاربة”. وتابع قائلا: “هذه الشرائح ستجتمع وسنعد ميزانية لجبر الضرر لتحقيق التقارب الليبي خلال هذا العام. وسنعمل على تقريب وجهات النظر الليبية إلى أبعد الحدود كي ندخل الانتخابات بشكل موحد وبدون عنف وحروب وأي حساسية بين المدن”. وأضاف: “وسنزور كل مدن ليبيا بقدر الإمكان وحكومة الوحدة الوطنية ستكون حكومة حقيقية للوحدة الوطنية الليبية”. – العلاقات مع المنطقة الشرقية وخلال حديثه للأناضول، قيم معاليه تصريح عبدالله الثني الذي يتولى رئاسة ما يسمى بحكومة الشرق غير المعترف بها دوليا، بان انتظار موافقة البرلمان الحالي على الحكومة الجديدة. وفي هذا الصدد، قال معالي الرئيس: “حكومتنا يجب أن تحصل على موافقة من برلمان طبرق، والثني تعهد وأعلن أنه سينتظر حتى اعتماد هذه الحكومة، وأعتقد أن الموضوع منطقي، وأعتقد أن مجلس النواب رحب بنتائج الحوار السياسي”. وأردف: “الخيار هو خيار الشعب الليبي، فالشعب فرح بهذه الحكومة، وأعتقد أنهم (مجلس النواب) جزء من الشعب الليبي ولا اعتقد أنهم سيختارون أي خط آخر غير خط الشعب”.

 

  • ستحاسب مرتكبي جرائم حرب وتطرق الرئيس أيضا إلى مسألة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في ليبيا. وقال في هذا الصدد: “بالنسبة للجرائم المرتكبة، القانون سيأخذ مجراه، ولكن نحن في مرحلة صعبة من تأسيس السلام في ليبيا، ولا بد من تنازلات من كلا الطرفين ونلتقي في نقطة واحدة لتحقيق المصالح الليبية”. وذكر معاليه : “فلا يمكن أن نتشدد في موقفنا وهم يتشددون، فنحن نريد مصالحة وطنية جامعة….

 

  • ستتضامن مع تركيا التي وصفها بـ”الصديقة والحليفة، كما قيّم فيها العلاقات التركية الليبية وأولويات حكومته في المرحلة المقبلة، وأضاف قائلا: “لدينا تضامن كبير مع الدولة والشعب التركيين، تركيا حليفة وصديقة وشقيقة وعندها من الإمكانيات الكثيرة لمساعدة الليبيين في الوصول إلى أهدافهم الحقيقية. وتركيا تعتبر من الشركاء الحقيقيين لنا”. وعن تقييمه للعلاقات التجارية بين ليبيا وتركيا، على اعتبار أنه كان رجل أعمال في السابق، قال دبيبة: “تركيا فرضت وضعها ووجودها في العالم وليس في ليبيا فقط، وهي الدولة الوحيدة التي استطاع الليبيون الذهاب إليها بحرية خلال فترة الحرب”. وتابع: “تركيا فتحت مطاراتها ولم تغلق سفارتها في طرابلس، وأعتقد أن حرية التنقل سوف تنعكس على التعاون بين الشعبين في مجال الاقتصاد. ونأمل أن ننمي هذا التعاون ونرفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات”.

** هل يكون “دبيبة” هو “مهدي جمعة” ليبيا؟

1  : ينبني التساؤل الرئيسي الذي طرحناه في عنوان المقال وفي ثناياه هو ان كلا الرجلين أي مهدي جمع وعبدالحميد دبيبة قادمين قبل تجربتهما السياسية من عالم المال والأعمال والتجارة والربح والخسارة ، وهو في رأينا أضرار بالسياسة بما تعني انها خدمة للناس وتكريس لمبادء كما ان كليهما اجنبي الدراسة والثقافة الإدارية ومتاثر بالتجارب الاجنبية رغم ان الأول فرنكفوني النزعة قلبا وقالبا بيننا الثاني انغلوسكسوني، وهو فارق مهم رغم نقاط الالتقاء بين الشخصيتين حتى ان كلاهما يرتكز على طبيعة مدينته الساحلية أي المهدية ومصراتة إضافة الى ان عاءلة كل منهما ارستقراطية  .

 

2 : الثابت أن رئيس الحكومة التونسية سنة 2014 أي “مهدي جمعة” ورغم كل الانتقادات التي وجهت له ولحكومته قد استطاع الوصول بالبلاد الى بر الآمانوالمتمثل في انجاز الاستحقاقات الانتخابية بشكل ديمقراطي وشفاف وبالتالي تجنب ما جرى في اليمن وسوريا وليبيا، ولكنه أيضا اصطف مع الليبرالية المتوحشة وخدم مصالحها وأوجد مساحات واسعة لعودة المنظومة القديمة وخدم شقيقه وبعض مقربين من دول خليجية بعينها، ويأمل الليبيون طبعا في ان يقتدي “دبيبة” بجمعة في الشطر الأول وان يتجنب سقطات جمعة وارتهاناته الإقليمية والدولية خاصة وأن مشكلة ليبيا منذ 1949 هي الصراعات الدولية حولها وحول ثرواتها وموقعها الاستراتيجي بين المتوسط وساحل افريقيا الغني بالثروات والمهم مستقبليا…

 

3 : تختلف ليبيا عن تونس اجتماعيا وسياسيا ومن حيث طبيعة المشهد السياسي ومؤثراته ولكن عوامل الالتقاء  المشهدين عديدة ومتشابهة لأسباب إقليمية وتاريخية وبناء على علاقات التواصل والأواصر بين الشعبين وبين البلدين منذ عقود خلت، ويأمل الليبيون في ان تكون ثورة تونس نموذجا ومثالا لهم من حيث قدرتها على الصمود والتميز في التقليص من مؤثرات السيستام وتوفير الحد الأدنى بل أنهم يساهمون أيضا في مساعدة التونسيين على مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية مثلما يستفيدون من اليد العاملة والشركات التونسية …

 

4 : المؤثرات المحيطة بـــ”دبيبة” سياسيا واجتماعية (قوة وموقع مدينة “مصراتة” مثالا لا حصرا)، ستجعله لا يسقط فيما سقط فيه مهدي جمعة في تونس، كما ان التحديات الجيوسياسية لليبيا تجعله يستفيد من التجربة التونسية ولكنها سيكون قادرا على تلافي خيبات التجربة التونسية بل ودعم تونس والتونسيين في التميز مستقبلا من حيث الحضور البشري والتجاري والثقافي في ليبيا…

 

5 : سبقى السؤال المهم والرئيسي هو هل سيستطيع “دبيبة” تجاوز قدرة الثورتين التونسية والليبية على اسقاط خطة عدم وصولهما للاحتفال بالذكرى العاشرة لكليهما (وهي خطة سقطت في الماء) عبر المساهمة الفعالة في اسقاط نظرية الجدار القائمة على بسط مستقبلي لأنظمة عسكرية من السودان للجزائر ومن ثم دعم نظرية الجناحين أي بسط الثورة التونسية لنموذجها شرق وغربا وفي كل افريقيا مستقبلا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *