هل تتمخض الأزمات عن ميلاد نظام عالمي أعدل؟ .. بقلم د.أحمد القديدي

أعتقد صادقا بأن أخطر سؤال مطروح اليوم على دول ما بعد الثورات العربية وما يعرف بالربيع العربي هو السؤال الذي لم يطرحه أحد من الخبراء أو المسؤولين الجدد العرب إلى اليوم والسبب أننا ضعنا بلا بوصلة في خضم الأحداث الجسيمة المتعاقبة والمؤامرات المختلفة التي تحاك ضد كل تغيير حضاري.

أدركنا أن اليمين الغربي الأمريكي و الأوروبي شرع منذ توليه السلطة جزئيا أو كليا في عديد الدول النافذة يرتب لسيستم جديد من العلاقات الدولية لا تقوم على احترام سيادة الدول المستضعفة و لا على القانون الدولي بل تمخضت دراسات السياسات لديهم فأنتجت مولودا يسمى صفقة القرن وهو مولود مشوه لكنه سيفرض علينا بالقوة غايته تصفية القضية الفلسطينية نهائيا بمؤامرة يعد لها في ورشة البحرين ثم إعادة العرب بعد ربيعهم المجهض الى بيت الطاعة الصهيوني الأمبريالي بحكم عسكر مرسكل أو استبداد يلبسونه فستانا وهذا ما يميز المشهد العالمي اليوم :استعداد لضرب ايران و قبلها حصار على قطر و مؤامرات اقتصادية و ستراتيجية ضد تركيا و عزل لكل (مشاغب) وهو في الحقيقة ما استخلصته دراسات المحافظين الجدد منذ غزو العراق و منذ انهيار النظام النقدي و الليبرالي الغربي سنة 2008 ثم منذ موجة الحريات التي أثارتها الشعوب العربية. هذا السؤال هو ما موقفنا بعد الهزات التي عاشتها مجتمعاتنا من النظام الاقتصادي والمالي العالمي الراهن والذي أصيب في مقتل منذ انهارت سنة 2008 مصارف ومؤسسات مالية أميركية أعقبتها إعلانات إفلاس لدول كاملة كما حدث لليونان ثم أعيد النظر في أركان ذلك النظام العالمي الجائر المنعوت ب (بريتن وودس) وراجعت دول الغرب علاقاتها مع دول الجنوب ونحن منها واتضح لبعض الحكومات وأولها دول مجلس التعاون بعد إتفاق إيران مع (الخمسة زائد واحد) بأن واشنطن لا تعبأ بمصالح حلفائها العرب ومن ثم وجب التفكير والتخطيط لإنطلاق العرب من هذه الحقائق لإعادة النظر في علاقاتنا جميعا لا بالولايات المتحدة فحسب بل بالنظام العالمي الراهن بأسره.غريب كيف بفضل الصبر والاصرار على الحق واستشراف ذكي للمستقبل يبلغ المرء مبتغاه بتحقيق أمل كان بالأمس القريب يعتبر حلما صعب المنال حين يعطيه الزمن الحق فيما استقرأه أو أنذر منه من كوارث ستحل بالعلاقات الدولية و تغير حال العالم. فيدرك الانسان بأن الطريق الصحيح هو طريق المعرفة والايمان و الإرادة أي السير في اتجاه التاريخ حتى ولو كانت الأغلبية ضده.هذا بصراحة وبدون غرور شعوري هذه الأيام حين أشهد بداية انهيار الرأسمالية الغربية المتغولة لأنني بكل بساطة أعتقد ما يعتقده صديقي عالم الاقتصاد الأميركي ليندن لاروش منذ نصف قرن، من أن العالم لن يتحمل أوزار الظلم الدولي المسلط على أمم الأرض من قبل الأقلية المستفيدة من نظام ( بريتن وودس) المنتهي الصلاحية منذ استقرار العولمة وصعود القوى الجديدة. وسجلت هذه المواقف المتواضعة في المطارحات الفكرية بيني وبين الصديقين لاروش الأميركي (الذي رحل عن عالمنا أخيرا) وجاك شوميناد المرشح الأسبق لرئاسة جمهورية فرنسا، بعد أن اشتركنا معا في عشرات المؤتمرات والندوات الدولية في عواصم العالم بدءا من مؤتمر واشنطن بفندق ماريوت عام 1984 ثم بندوة كدريتش بألمانيا في أكتوبر 2007 ثم اننا التقينا عديد المرات في بيت لاروش بألمانيا في ضواحي (فيزبادن) و نشرت أحاديثي معه..اكتشفت منذ ثلث قرن بأن أول من أنذر الغرب بقرب انهيار النظام النقدي العالمي (بريتن وودس) المؤسس على المضاربات هو عالم الاقتصاد الأميركي ليندن لاروش الذي عمل مستشارا للرئيس ريجان لأنه هو العدو التاريخي لليبرالية المتوحشة القائمة على المضاربات، وأن الاتحاد الأوروبي الحليف الطبيعي للولايات المتحدة هو ذاته دعا الى اعادة النظر جذريا في منظومة (بريتن وودس) الجائرة واقرار نظام ليبرالي عالمي يخضع للأخلاق وتحكمه ضوابط الرقابة والمحاسبة ويعمل في كنف مصالح كل الأمم ولا يسخر حصريا لتكريس هيمنة الغرب و حليفها الإسرائيلي بالقوة على مقدرات الشعوب الأخرى مناديا بالإنضمام الى صف التأسيس الاستعجالي لنظام عالمي جديد تماما و نحن كعرب لم نعالج هذا الملف الأساسي ونحن معنيون في مصيرنا بطبيعة الانخراط في النظام العالمي أو التعامل معه وعلى أي أساس؟ و أخر محاولات زعزعة السلام العالمي تقع اليوم أحداثها في مضيق هرمز بعمليات تخريبية مجهولة الفاعل لتوريط أمريكا في حرب ضد ايران و انجاز صفقة القرن بقوة السلاح لا بالتوافق و لا بالعدل. ولم نشاهد بعد عملا حاسما وملزما للدول أو خطة دولية يدعى لسنها قادة العالم بأسرهم بمن فيهم زعماء الصين والهند والبرازيل وروسيا واليابان ونمور آسيا ونأمل أن تنخرط في هذا العمل الكبير دول مجلس التعاون لأنها تشكل مركز ثقل مالي واقتصادي وحضاري وتعتبر قلب الاسلام النابض حين يدرك عقلاء الخليج أن بن زايد وبن سلمان يورطان الخليج في أزمات اليمن وليبيا وسوريا ويساهمان في زعزعة السلام المدني في تونس والجزائر والسودان! ستدعى الدول قريبا لهبة حضارية جديدة وإعلان موت الليبرالية الطاغية ونواميس السوق المتسيبة مما لا شك سينشأ عنه نمط جديد تماما للعلاقات الدولية والقانون الدولي والأخلاق الدبلوماسية والتجارة العالمية، بعيدا جدا عن الهيمنة السياسية والسيطرة على مناطق النفوذ وتقاسم خيرات الأمم الأخرى تحت تعلات العولمة أو صفقة القرن وبمباركة المؤسسات الدولية التي تدير هذه المظالم وهي البنك الدولي و صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وهي الأدوات الطيعة و الأذرع الطويلة لنظام (بريتن وودس) المنهار على رؤوسنا جميعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *