هشام جعيّط : المؤرّخ المجدّد و المفكّر المثير للجدل

مغرب نيوز- عزيزة بن عمر

كرّم مركز بن رشد للدراسات في مركز جامعة الدول العربية و بحضور الأمين العام المساعد للجامعة العربية رئيس مركز تونس عبد اللطيف عبيد و الكاتب و المثقف عيسي البكوش..علي هامش ندوة الاعلام التونسي و العربي “عشية انعقاد الدورة 30 للقمة العربية بتونس” المفكر و المورخ الكبير هشام جعيط .

و قد تبدو مداخلة جعيط، منذ الوهلة الأولى، فكرية و بعيدة عن السياق العام للندوة. لكن اليوم الدين لا ينفصل عن التطورات و المستجدات الاستراتيجية التي تشهدها دول المنطقة و العالم، مثلما كان منذ قرون، حيث يتم توظيفه سياسيا وا جتماعيا، وفق متطلبات المرحلة و ضوابطها.
كما قال جعيط خلال المحاضرة إن اهتمامه بتجديد الكتابة التاريخيّة لم يمنعه من الانكباب على القضايا التي طرحتها الدول الوطنيّة بعد الاستقلال. فدعا إلى تجديد الدين و الإيمان و تعمّق أزمة الوعي العربيّ الإسلاميّ الجمعيّ و نقد الإيديولوجيات المبرّرة للحكام العرب. و تكشف كتبه المخصّصة لـ”لشخصيّة العربيّة الإسلاميّة و المصير العربيّ” و”أوروبا و الإسلام” و”أزمة الثقافة الإسلاميّة” عن تنوّع الاهتمامات الفكريّة للرجل و الانغراس في مسائل محدّدة للمصير العربيّ و واقع الأمّة بقدر ما تكشف عن فرادة التناول للقضايا و عمقه.

و يؤكد على ذلك هشام جعيط، حيث لا يمكن فهم المستجدات و المتغيرات الجيواستراتيجية في الدول العربية، دون فهم جذور الفكر العربي الإسلامي و عمق التحولات التي شهدها العالم الإسلامي و أوروبا خلال القرون الماضية، عندما تقدمت أوروبا مقابل تراجع الدولة الإسلامية الكبرى، بقيادة العثمانيين في إسطنبول و تركيا و الصفويين في بلاد فارس القديمة و إيران التاريخية و خراسان و أجزاء من العراق والهند وبلاد القوقاز، وكانت عاصمتها تبريز و قزوين ثم أصفهان.

و اختار جعيط، الذي قال عن نفسه إنه يريد العيش مع زمانه و يمنح أفكاره للناس، أن يتناول هذه القضية الجدلية بشكل مغاير، و ذلك عبر تسليط الضوء هذه المرة على الثقافة الغربية مخالفا القاعدة التي وضعت المنطقة العربية دوما تحت مجهر العالم الغربي.

و يقول المفكر التونسي، “نحن ننتقد المستشرقين وهم أناس سعوا إلى دراسة حضارات أخرى، لكن نحن متقوقعين حول حضارتنا، إذن هامشيين على مستوى الفكري والثقافي العالمي”.

و يعتقد جعيط أن هناك إشكالية حول هوية الحداثة التاريخية، غربيا وعربيا، مشيرا إلى أن حداثة النهضة الأوروبية في قرن الـ16 ليست الحداثة في القرن الـ19 أو القرن الـ20، ولا تشبه أيضا المرحلة الحالية، التي يمكن وصفها بأنها رحلة ما بعد الحداثة. وفي مختلف هذه المراحل كان العرب يتحولون شيئا فشيئا إلى متلقين لا فاعلين في صناعة هذه الحداثة.

و يستنتج أن كل أفكار الحداثة التي انطلقت من القرن الثامن عشر ليست إلا عنونة للتراث الديني. فالحداثيون في القرن الـ18 أخذوا الأفكار التأسيسية للمسيحية كفكرة الرعاية الإلهية، ومع تطور الممارسات والسياسات كانت هذه الأفكار تأخذ أشكالا جديدة، إلا أن هذا الأمر لم يخرج عن جذره الأول المرتبط بالدين.

و يعود جعيط، هنا، إلى الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، ذي النزعة الماركسية، الذي يقول في أحد كتبه إن الثورة الفرنسية ليست إلا ثوبا جديدا للمسيحية بنشرها قيم المساواة وكرامة الإنسان وهي أفكار مسيحية. وحسب غرامشي فإن الثورة الفرنسية هي ثورة مسيحية إنما أدخلت الدين في صراع التاريخ. ويقول جعيط “الدين لا يدخل في الصراع لكن السياسة وظفت الدين في الصراعات”.

و استشهد جعيط أيضا بالمفكر الألماني كارل شميت، صاحب كتاب السوسيولوجيا السياسية، الذي أراد أن يعطي أسسا جديدة للحياة السياسية، وبعد خمسين عاما كتب جزءا ثانيا من نفس الكتاب أشار فيه إلى أن الحداثة ليست في قطيعة مع الماضي بل هي مبنية على قيمه سواء كان ماضيا اجتماعيا أو دينيا. وهذه الأفكار راجت بقوة في القرن العشرين خاصة في ألمانيا، حيث جادل فلاسفة آخرون بأن الحداثة إرادة تغيير وتأخذ مشروعيتها من القطيعة الدينية وهي طور إنساني.

هشام جعيط: التقدم لا يتحقق فقط عبر القوة السياسية و الاقتصادية بل بالانفتاح الثقافي و الفكري و العلمي أيضا. و العالم العربي لم يتقدم بسبب انغلاقه الفكري و إعراضه عن المعرفة

و بيّن جعيط، استنادا إلى أفكار فلاسفة، أن “الحداثة الصناعية الرأسمالية شيء جديد تماما في التاريخ الإنساني لا يمكن مقارنتها بأطوار تاريخية أخرى، مشيرا بقوله إلى أنها “فترة جديدة تماما تشبه العصر الذي اكتشف فيه الإنسان الزراعة و بالتالي نستنتج أن هناك قطيعة في تاريخ الإنسان منذ 10 آلاف سنة تلتها قطيعة ثانية حين قامت أوروبا باكتشاف الحضارة الصناعية و هي منفصلة عن حضارات سابقة كالبابلية مثلا لأن الحداثة الصناعية طور جديد تماما في الحياة الإنسانية”.

يبقى أن هشام جعيط شكل علامة فارقة في تاريخ الثقافة العربية و الإسلامية، و تجربته الأوروبية أفادته كثيراً في دراساته، فهو استخدم مناهج عدة، منها على سبيل المثال التاريخ المقارن للأديان و الأنتروبولوجيا و الفينومينولوجيا (المقاربة الظواهرية). لقد انطلق جعيط دائماً من المسؤولية الأخلاقية في قراءته التاريخ قبل الهم المعرفي، كما يؤكد، و ينطبق عليه لقب «المؤرخ المنقب» في الإسلام المبكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *