مناشير ” انقلابية” ودعوات الى “ثورة جياع” .. بقلم كمال بن يونس

تعاقبت خلال الأيام القليلة الماضية الدعوات عبر المواقع الاجتماعية والالكترونية إلى ” ثورة جياع” وإلى تنظيم “اعتصام رحيل 2 في ساحة باردو” وإلغاء نتائج الانتخابات وحل الحكومة والبرلمان و” تعطيل العمل بالدستور ” وتشكيل ” مجلس وطني للإنقاذ” و تدخل المؤسسات الأمنية والعسكرية و..الخ

وقد أخذ بعض المراقبين هذه “الحملة الفايسبوكية الشبابية” مأخذ الجد لأنها تزامنت مع مرحلة كثر فيها الحديث عن تعمق الخلافات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة وداخل الأغلبية البرلمانية والحكومية من جهة ثانية .. كما سجل مشاركة برلمانيين وسياسيين معتدلين في جانب منها بينهم القيادي السابق في حزب الديمقراطيين الاشتراكيين ثم في حزب التكتل سابقا الحقوقي صالح شعيب ..

فأين الحقيقة ؟

رغم تسرع بعض الأطراف السياسية واللوبيات في تبادل  الاتهامات بالوقوف وراء “محاولات انقلابية ” ومشاريع توظيف الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية ل”بث الفوضى وإلغاء نتائج الانتخابات خدمة لأجندات دول معادية ” ، يبدو أن الأمر يتعلق بسوء تقدير لحقيقة الأوضاع في البلاد اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا …ولحقيقة ما يروج عن ” مخططات أمريكية وغربية وعربية للإطاحة بالمسار الديمقراطي ” في تونس ..(؟)

 غضب شعبي وقطيعة مع الشباب

وحسب تأكيدات مصادر مسؤولة مقربة من صناع القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية وفي قيادات الأحزاب والنقابات ، يبدو أن بعض الأطراف تخلط بين “التحركات الانقلابية المدعومة من الخارج ” والغضب الشعبي والشبابي الشرعي الناجم عن فشل السلطات منذ 40 عاما في معالجة معضلات البطالة والفقر وتحقيق التنمية الشاملة ..  وهو فشل استفحل خلال الأعوام الماضية لأسباب عديدة من بينها غياب الاستقرار السياسي..

اذن فمن الطبيعي أن تعكس المواقع الاجتماعية والاعلامية مشاعر الغضب وبعض “مقترحات” التجاوز بما فيها بعض المشاريع ” الثورية والراديكالية” ..التي تدعو إلى فتح ملفات الفساد المالي والسياسي والصفقات العمومية المشبوهة بنفس أسلوب ” التيارات السياسية الشعبوية والفوضوية “..

وقد تجد هذه الدعوات صدى بحكم تعقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية محليا وعالميا ومضاعفات أزمة كورونا دوليا بما في ذلك في الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي حيث احيل عشرات الملايين على البطالة وقدرت خسائر كل دولة بآلاف المليارات ..

في نفس الوقت من المتوقع أن تسوء الاوضاع الاجتماعية في تونس بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط الذي سيؤثر سلبا على عدد السياح القادمين من ليبيا والجزائر الذين كانوا أكثر من 4 ملايين العام الماضي..كما سوف تحرم البلاد من عائدات ملايين السياح الأوربيين وحاملي الجنسيات المزدوجة ..

” لجان شعبية ” و نظام رئاسي ؟

والسؤال الذي يطرح هنا : هل يمكن المضي بعيدا في تفسير ” الحملات الفايسبوكية ” إلى حد توقع وجود علاقة بين بعض الدعوات الى “انقلاب” أو ” خطة انقاذ عسكري – أمني”  على علاقة بمسؤولين كبار في الدولة عموما وبمؤسسة قصر قرطاج خاصة ؟

مصادر متطابقة تستبعد هذه الفرضية رغم تبني بعض ” المناشير التي روجها نشطاء يعيشون خارج تونس غالبا “(؟) مقولات عن استبدال النظام البرلماني بالنظام الرئاسي ..وبحل البرلمان  وتعويضه بمجلس تفرزه ” السلطة المحلية ” و” اللجان الشعبية “..وهو ما ذكر ببعض الشعارات الانتخابية وببعض خطب رئيس الدولة قيس سعيد ..

نفس المصادر ذكرت بكون قيس سعيد كان منذ بروزه في ندوات جمعية دراسات دولية وفي الجامعة عام 1987 تميز بتمسكه مع أستاذه المرحوم عبد الفتاح عمر ورفاقهما في جمعية القانون الدستوري في التسعينات بالدفاع الكلي عن المنهج السياسي السلمي والدستوري القانوني في التغيير والاصلاح ..بعيدا عن ” كل المقولات الثورجية والفوضوية “..

 وأكد مقربون من لجان دعم قيس سعيد خلال الحملة الانتخابية الماضية أن ” الشخصيات  التي تزعم اليوم أنها تتحدث باسم الرئيس سعيد ” ليس لها مصداقية ..

والدليل أنها تنسب إليه مواقف وتصريحات متناقضة : فتجعل منه حينا ” قذافي جديد ” و” زعيم شيعي ثوري ايراني” و” قوميا بعثيا مواليا للنظام السوري ” فيما تزعم حينا آخر أنه سوف ينحاز إلى ” محور مصري– اماراتي- اردني – غربي..” وكل تلك التخمينات ليست دقيقة ..

وعندما يعلن سياسيون وشباب وكتاب فايس بوك من مرجعيات مختلفة أنهم يدعمون طرفا سياسيا ، فان اعلانهم لا يعني أنه يوافقهم الرأي أو يلتقي معهم ..

خلافات.. ولكن

هل يمكن اذن تفنيد وجود خلافات بين كبار المسؤولين في قرطاج والقصبة وباردو وداخل بعض الأحزاب؟

 وكيف يفسر تعاقب الدعوات الى الغاء نتائج انتخابات الخريف الماضي  والى اسقاط حكومة السيد الياس الفخفاخ التي تشكلت قبل شهرين والبرلمان الذي الذي انتخب قبل 6 أشهر فقط ؟

طبعا الخلافات حقيقية ولا مجال لانكارها ..

الخلافات موجودة وتعكسها تصريحات وممارسات عديدة وصلت حد تبادل اتهامات خطيرة بين بعض النواب والوزارء والمسؤولين في الدولة من داخل الائتلاف الحكومي والاغلبية البرلمانية ..

لكن هل ترتقي تلك الخلافات الى حد القطيعة وتبرير الدعوات الى تنظيم” اعتصام باردو 2″ و” ثورة جياع ” و” مظاهرات الرحيل 2″و” تدخل المؤسسة العسكرية “..الخ

قطعا لا..

تصريحات رئيس الدولة قيس سعيد ورئيس الحكومة الياس الفخفاخ والمقربين منهما تفند ذلك ..

كما كشف الحديث المطول الذي أدلى به رئيس البرلمان راشد الغنوشي الى موقع ” عربي 21″ قبل أيام عن دعمه ومساندة حزبه لرئيسي الدولة وللحكومة ..رغم تمسكه ب”حق البرلمان في القيام بدوره الرقابي واسداء النصح “..

وكشف الموقف الصادر قبل أيام عن رئاسة الجمهورية فيما يتعلق بليبيا تناسقا كاملا في مواقف قرطاج والقصبة وباردو ..وبين تصريحات سعيد والفخفاخ والغنوشي بدءا من معارضة تقسيم ليبيا الى دولتين و ثلاثة..

اذن فالخلافات بين الرؤساء الثلاثة وعدد من كبار المسؤولين في قيادات الأحزاب والسلطتين التشريعية والتنفيذية حقيقية ، لكنها ثانوية ولا يمكن أن تتطور حاليا إلى درجة اصطفاف أحد الفاعلين الكبار وراء الأطراف التي ترفع  مطلع كل عام منذ 2013 شعار ” تنظيم ثورة جديدة ” و” ثورة الفقراء والجياع “و” تسليم البلاد إلى حكومة انقاذ” عسكرية (؟؟)..

وقد بين تاريخ كل الانتفاضات والثورات الشعبية السابقة ، بما فيها أحداث 1978 و1981 و1984 و1987 و1990-1991 ثم 2011 ، أن الاحتجاجات والاضطرابات لا تؤدي إلى تغيير سياسي إلا إذا دعمتها مؤسسات صنع قرار قوية داخلية وخارجية ..

فهل تستفيد النخب السياسية من صيحات فزع الشباب والغاضبين و الفقراء أم تتعرض البلاد إلى مزيد من الهزات المغامرات بعد أزمة كورونا التي جمدت التناقضات مؤقتا ؟

قد يبدأ الحل عبر توسيع ” الحزام السياسي ” لحكومة الفخفاخ وقاعدتها البرلمانية ..مباشرة بعد رفع الحجر الصحي وحظر الجولان ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *