مأزق أمريكي في الخليج وليبيا .. بقلم كمال بن يونس

رغم هيمنة الملفات الداخلية الاقتصادية والصحية على الحملة الانتخابية الأمريكية فإن الصراع في الكواليس يشمل بقوة ملفات السياسة الخارجية ومضاعفات التعقيدات التي تسببت فيها سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة في الخليج وليبيا وسوريا واليمن وبقية بلدان ” الربيع العربي”..

ورغم انشغال ملايين الناخبين الأمريكيين باستفحال البطالة والمشاكل الاجتماعية و بارتفاع عدد ضحايا وباء ” كورونا ” ، فإن الجميع في غرف صناع القرار يعلم أن نقطة قوة الولايات المتحدة والدول العظمى كانت ولا تزال توظيف تفوقها العسكري لمزيد بسط نفوذها الاقتصادي والسياسي في العالم أجمع وخاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ..

بل لقد أصبح العسكريون والأميون أهم مكون في البعثات الدبلوماسية دوليا ..تحت يافطات عديدة من بينها ” الحرب على الإرهاب ” و” التصدي للخطر الإيراني والروسي والصيني…”

“محور الشر”؟

وقد أكدت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر في تونس والمغرب مؤخرا أن واشنطن تعتبر أن نجاح مخططاتها السياسية القادمة في ليبيا والخليج وافريقيا والمنطقة رهينة تعاون حلفائها معها ضد ما وصفه ب” دول محور الشر” وخص بالحديث روسيا والصين وايران …

وفي الوقت الذي لاحت فيه بوادر ايجابية لتسوية أزمات ليبيا سياسيا الشهر القادم في تونس لا تزال الشكوك تراود المراقبين حول حظوظ انقاذ ليبيا وبقية بؤر التوتر في العالم العربي الاسلامي وافريقيا وخاصة في العراق واليمن وسوريا ..

لقد مر الآن على الاحتلال الأمريكي لبغداد 17 عاما تطورت فيها أوضاع العراق إلى وضعية ” الفوضى الشاملة ” ، بينما كانت الشعارات التي رفعها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وحليفه في الحرب طوني بلير مغرية وجذابة مثل ” التحرير” و” بناء نظام ديمقراطي نموذجي في العراق يصدر إلى بقية دول المنطقة ” و ” القضاء على كل مظاهر الاستبداد والفساد التي انتشرت في عهد صدام حسين “و” بناء شرق أوسط جديد متقدم وديمقراطي ليس فيه أسلحة دمار شامل “..الخ

وقد رفعت في واشنطن وعواصم أوربية شعارات مماثلة موفي 2010 ومطلع 2011 بمناسبة انفجار الانتفاضات الشبابية والاجتماعية و” الثورات العربية ” التي انطلقت من تونس ومصر وليبيا واليمن ، لكن الحصيلة كانت خرابا ودمارا وحروبا بالوكالة ونزاعات مسلحة وقع خلالها اشعال نيران ” فتن نائمة ” و فتيل ” الحروب العرقية والطائفية والمذهبية والقبلية والايديولوجية…”

أولويات جديدة

إن التحركات التي تهدف إلى تحقيق تسوية سياسية للأزمات الحالية في ليبيا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وسوريا وبقية دول المنطقة مهم جدا ، لكن مردود هذه التحركات سيبقى محدودا جدا إذا لم تتغير جوهريا سياسات واشنطن وقيادات الحلف الأطلسي وأولوياتها في الخليج وشمال افريقيا ..

ولعل أول قرار شجاع يجب أن تتخذه الإدارة الأمريكية وحليفاتها إعلان نقد ذاتي لغلطاتها في الوطن العربي والإسلامي الكبير منذ تبنيها سياسة ” فرق تسد ” وتورط بعض ساستها في تفجير ” التناقضات الداخلية العرقية والطائفية والدينية ” وفي إشعال ما يسمى ب” الحروب الأهلية ” داخل البلد الواحد ..من الخليج إلى المحيط ومن شرق آسيا إلى غرب افريقيا ..

إن السباق بين الجمهوريين والديمقراطييين نحو البيت الأبيض والكنغرس يجب أن يقترن بإعتراف “الجيل الجديد” من الساسة الأمريكيين بغلطاتهم العسكرية والسياسية والأمنية وبسوء تقديرهم منذ تورطوا في الحرب العراقية الايرانية التي دمرت ثروات البلدين و شعوبهما وجيرانهما ما بين 1980 و1988 ..

وعندما شنت القوات الامريكية وأكثر من 30 دولة حربا شاملة على العراق قبل 30 عاما ردا على غزو قواته للكويت ولأراض سعودية كانت الشعارات ” مغرية ” ..

خراب في العراق وكامل المنطقة

لكن النتائج كانت عكسية على الجميع : خراب شامل في العراق و تدمير هيكلي ونهائي ” للنظام العربي ” و” مؤسسات العمل المشترك ” و لقدرات دول الخليج والوطن العربي على إنجاز التنمية والإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تنشدها شعوبها ..

واستفحلت الأوضاع بعد هجمات 11 سبتمبر الارهابية على نيويورك وواشنطن وتورط البنتاغون وقوات من الحلف الاطلسي في حروب طويلة وغير مدروسة في أفغانستان والباكستان ثم في العراق واليمن ..كانت حصيلتها ” تفريخ الميليشيات المسلحة ” والترويج للايديولوجيات التي تحاول أن تضفي خطابا دينيا وسياسيا على العمليات الارهابية ..

لقد سالت دماء ملايين العرب والمسلمين والافارقة خلال العقود الثلاثة الماضية خاصة في العراق واليمن وسوريا والصومال وليبيا وأفغانستان والباكستان و بلدان الساحل والصحراء الافريقية ( سين صاد ) ..

واصبحت اسيا وافريقيا والدول العربية مرتعا لتجار السلاح الذين يمثلون الدول والمافيات والميليشيات المسلحة ..

لقد حان الوقت لتدارك الامر ..

اعترافات أوباما وترامب

اعترف الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما وفريقه بغلطات الادارة الامريكية في عهد بوش الابن في العراق وافغانستان والباكستان و..فقاموا بخطوات من اجل ” إعادة الانتشار”و ابرموا ” الاتفاق النووي ” مع ايران بدعم من الأمم المتحدة وعواصم أوروبية وروسيا ..

وكان ذلك ايجابيا ..

ثم اعترف دونالد ترامب بغلطات اسلافه في العراق وليبيا وسوريا وتركيا …ودعا الى مراجعة اولويات سياسة بلاده ..

واعترف اغلب الساسة الجمهوريين والديمقراطيين بغلطات إداراتهم السابقة في فلسطين ولبنان و..

ومهما كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية القادمة ينبغي أن تتحرك الديبلوماسية الدولية الجديدة من أجل وقف الحروب والدمار وإعادة الإعتبار لأولويات التنمية والاصلاح الديمقراطي ..

لكن القيادات الفلسطينية والزعامات السياسية في الدول العربية والاسلامية مدعوة لأن تعلن بدورها نقدها الذاتي والاعتراف بغلطات الماضي ..حتى تخرج من ” المأزق الشامل ” ..وحتى تبدأ قولا وفعلا مرحلة إعادة البناء والانتصار لخيارات التسوية السياسية والسلمية للأزمات ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *