لماذا تعارض مصر سياسة السعودية في سورية؟؟ بقلم عبد السلام بنعيسي

حاولت الرياض بشتى الوسائل والسبل جرّ القاهرة لتبني نفس موقفها، والدوحة وأنقرة، من الأزمة السورية. المال الغزير الذي ضخته دول الخليج، بضغط من السعودية، في الخزينة المصرية عقب الإطاحة بالرئيس مرسي، كان من ضمن الأهداف التي يروم تحقيقها، الحيلولة دون تبني مصر موقفا مناهضا للسياسة السعودية التي أضحى شغلها الشاغل هو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لتغيير نظام حكمه بنظام يكون على المقاس الذي تهواه وترضى عنه العائلة الحاكمة في الرياض.
المال الخليجي لا يقدم هبة وصدقة لله في سبيل الله، ولا يقدم في إطار إستراتيجية تنموية لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، ولإنجاز التحرر من التبعية المالية للخارج، وبلورة مشروع وحدوي عربي نهضوي، إن لهذا المال أغراضا سياسية وأمنية يعمل على ترسيخها في المنطقة العربية، إنه أداة للضغط الذي يصل حد الابتزاز من أجل إرغام كل من يريد الحصول على جزء منه، على الانصياع للإرادة السياسية الخليجية عموما والسعودية خصوصا.
لكن رغم المال الخليجي الذي حصلت عليه، فإن القاهرة ذهبت إلى حد إبداء الدعم الصريح للتدخل الروسي في سورية، وكان موقفها هذا متناقضا تماما مع الموقف السعودي الذي رفض هذا التدخل لأنه أفسد على الرياض جميع خططها في بلاد الشام.
فلحظات قبل أن تحط الطائرات الروسية في المطارات السورية وتشرع في قصف مواقع المسلحين وتجمعاتهم، بدأت الأوضاع العسكرية تتعقد بالنسبة للدولة السورية، وأخذت الصحافة السعودية تعد العدة لإقامة الحفلات والأعراس بانتصار مشروعها في سورية، وفعلا كان المسلحون يروجون في وسائل الإعلام أنهم يتهيئون لاقتحام العاصمة دمشق للسيطرة عليها.
تأييد القاهرة للتدخل العسكري الروسي في سورية الذي ساهم في تغيير المعادلة وساند الجيش العربي السوري وساعده على دحر الإرهابيين، هذا التأييد كان في الحقيقة إعلان صريح عن رفض مصر للتغيير الذي تريد الدولة السعودية إحداثه في سورية بإسقاط نظام الحكم القائم فيها واستبداله بنظام موال لها، ما لم تقله مصر للسعودية مباشرة حول ما تقوم به في سورية، قالته لها بشكل غير مباشر حين أيدت القاهرة ما فعلته روسيا بتدخلها العسكري في هذا البلد العربي.
لكن لماذا لم تتحمس مصر في عهد عبد الفتاح السيسي لإسقاط بشار الأسد ورفضت تزكية السياسة السعودية في سورية والمضي فيها؟ لماذا كانت القاهرة في عهد مرسي متحمسة لتغيير نظام الحكم في دمشق، وبدت أكثر حماسا في هذا الاتجاه حتى من السعودية، ولماذا رقصت الرياض طربا لإسقاط مرسي وهو الذي كان في الصف الأول من الموافقين على ما تقوم به في بلاد الشام؟؟؟
كانت الرياض تعرف أن بإمكان محمد مرسي، وبتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين السوريين، أن ينافسها على بسط النفوذ والسيطرة على بلاد الشام في حال تغيير نظام الرئيس بشار الأسد، خصوصا وأن مرسي كان يعول على دعم يأتيه من أنقرة والدوحة في هذا الباب.
كانت مصر ستكون مع مرسي منافسا قويا للمشروع السعودي في سورية، ولذلك لاحظنا الابتهاج الكبير الذي عمّ على نطاق واسع أهل الحكم في السعودية بسقوطه، والاكتئاب الذي نال كلا من القطريين والأتراك، بعد ذلك السقوط. لقد تخلصت الرياض بعد الإطاحة بمرسي من منافس عنيد كان سيزاحمها في بلاد الشام وخلا لها الجو بتغييبه وجماعته وراء القضبان.
ولكن مع عبد الفتاح السيسي انتفت ورقة منافسة مصر للسعودية على سورية في حال تغيير نظام الحكم الحالي في دمشق واستبداله بنظام غيره. مصر ستصبح إن وقع تغيير بشار الأسد حاليا خارج الملعب السوري بما قد يهدد استقرارها وأمنها وربما حتى وجودها.
لتوضيح هذه الفكرة علينا الافتراض أن بشار الأسد قد تمت إزاحته، وتمكنت السعودية من فرض هيمنتها على سورية، ثم على لبنان بشكل آلي، وقد تتمكن الرياض من السيطرة لاحقا على العراق، وأيضا اليمن، ففي هذه الحالة ستصبح مصر بتاريخها، وبموقعها الجغرافي، وبثقلها البشري، لا تساوي شيئا أمام النفوذ السعودي الممتد في كل هذه الدول. ستصبح مصر دولة قزم لا حول ولا قوة لها، وقد ينتفي دورها الفاعل في المنطقة والعالم بأسره بالمقارنة مع دور السعودية.
ومن يدري أن مصر قد تصبح بعد ذلك في مرمى النيران السعودية التي قد تبادر لخلق القلاقل فيها لتغيير نظامها الحالي، وإقامة نظام تابع للسعودية كما فعلت مع باقي الأنظمة الأخرى. لقد كانت علاقات الرياض بدمشق، خلال الحرب الإيرانية العراقية، في ذروة ازدهارها، وكان المال السعودي يتدفق مدرارا على سورية، وكانت يد دمشق مطلقة على سجيتها في لبنان، رغم أن الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد كان حليفا استراتيجيا لإيران ويقاتل إلى جانبها ضد العراق، وكانت السعودية تساهم في تمويل العراق وتدعمه سياسيا وإعلاميا، وتقاتل إلى صفه، وتعتبر حربه ضد إيران دفاعا عن البوابة الشرقية للأمة العربية.
لكن بمجرد غزو العراق واحتلاله سنة 2003، والتخلص من نظامه الذي كان قبل الحصار قويا وتهابه السعودية، تفرغت الرياض لشن الحرب على سورية التي ظلت لمدة طويلة تهادنها وتمدها بالمال والمساعدات حين كانت في حاجة إليها لتحاصر بواسطتها العراق في عهد صدام حسين.
نفس السيناريو، لماذا لا يتكرر مع مصر؟؟ فكما هادنت السعودية سورية حافظ الأسد وتفرغت للعراق لتدميره، لماذا لا تقوم بنفس الشيء مع مصر بحيث أنها تكون تجاملها حاليا إلى أن تنتهي من سورية، وترتب الأوضاع فيها على هواها ثم تتفرغ لأرض الكنانة؟؟
الأكثر والأخطر من كل هذا هو أن سورية إذا ما تم إسقاط نظامها كما كانت تريد السعودية، فإن سورية ستتعرض للتشظي وللتفتت، وقد تتحول إلى مناطق تعمها الفوضى والتسيب، وتسيطر عليها جماعات مسلحة يوجد على رأس كل واحدة منها سلفي متطرف يحكمها بالحديد والنار، وتدخل تلكم الجماعات في دوامة من التناحر بينها %D

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *