لعنة الثورة تضرب مجلة الأحوال الشخصية .. بقلم جنات بن عبد الله

ودعت تونس أمس العيد الوطني للمرأة الموافق للذكرى الستين لإصدار مجلة الأحوال الشخصية دون الإعلان عن إجراءات تدعم مكاسب المرأة والاسرة والطفل في مرحلة ما بعد الثورة… وقد كشف تعاطي الطبقة السياسية في تونس مع الاحتفال بمرور ستين سنة عن اصدار مجلة الأحوال الشخصية عن الفراغ الذي يحيط بهذه الطبقة التي لاتزال تبحث عن بوصلة الخروج من أزمتها الناتجة عن افتقارها لمشروع مجتمعي يستجيب لمتطلبات مرحلة ما بعد الثورة ويقطع مع الجمود والموت الذي فرضه النظام السابق على كل محركات المجتمع.
احتفلت تونس أمس بالعيد الوطني للمرأة لتمجد مجلة صدرت في خمسينات القرن الماضي معلنة بالصوت العالي أن التاريخ قد وقف في مربع الماضي … وباستثناء تنقيحات ذات بعد سياسي أقرها النظام السابق الذي تاجر بالمرأة وبحقوق الانسان وبالشعب التونسي، بقيت مجلة الأحوال الشخصية معزولة عن التطورات والتحولات التي عاشتها تونس منذ الاستقلال مرورا بنظام سياسي دكتاتوري تفنن في ضرب حقوق الانسان خلال أكثر من عقدين من الزمن الى مرحلة ما بعد ثورة قامت من أجل الحرية والكرامة، وعجزت الحكومات المتعاقبة الى اليوم عن فهم أسبابها ومتطلباتها، عجز تجسد أيضا في تعاطيها مع مجلة بقيت في انتظار من يعيد اليها الاعتبار لتلعب دورها في مسار التغيير.
لقد دفعت الثورة الى تغيير دستور البلاد الذي جاء بنقائص بدأت تبرز في مستوى حدود صلاحيات الرئاسات الثلاث وغيرها من المسائل الجوهرية التي تستدعي التحرك العاجل لوقف النزيف السياسي الذي غرقت فيه البلاد وعجزت عن الخروج منه. كما دفعت الثورة الى تغيير منوال التنمية ليتم اجهاض هذا التغيير لفائدة مصالح الشركات العالمية واللوبيات النافذة في البلاد.
وقد كنا ننتظر أن تدفع الثورة الى اثراء مجلة الأحوال الشخصية في اتجاه إقرار مزيد المكتسبات للأسرة والمرأة والطفل في سياق العولمة وتداعياتها الكارثية على الفئات الهشة. ما نستغربه اليوم وتونس تمر بمرحلة الانتقال الديمقراطي، وما يمنحه ذلك من هامش حرية أوسع لجميع الفئات والعائلات السياسية، غياب الحوار حول موضوع المجتمع التونسي القادر على تحويل تونس الى قوة اقتصادية إقليمية تتمتع بسيادتها الوطنية في كل المجالات ومؤثرة في المنطقة، حوار يتطلب الإقرار بمعطى العولمة الذي لا يزال مغيبا في مجلة الأحوال الشخصية التي بقيت وفية لمعطيات خمسينات القرن الماضي.
وفي الوقت الذي اعتقد فيه الشعب التونسي أن الثورة ستغير حياته نحو الأفضل في جميع المستويات، تحولت هذه الثورة الى لعنة ضربت كل محركات المجتمع بما في ذلك مجلة الأحوال الشخصية التي تحاول عديد الأطراف تحنيطها على خلفية الخوف من التراجع عن مكتسبات جاءت في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية تجاوزها التاريخ. ومرة أخرى تبتعد تونس عن الريادة خطوات عملاقة لتعود الى الوراء الجامد الميت عوض ادماج مجلة الأحوال الشخصية وغيرها من محركات المجتمع في مسار ديناميكي يحمل ضمانات الحفاظ على المكتسبات من جهة واليات الاستشراف والاستباق نحو المستقبل من جهة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *