كيف تحولت المغرب في عهد ابن سلمان من حليف إلى خصم ؟

أخذت العلاقة بين المغرب والسعودية منحى تصعيديًّا منذ شهور، وصلت ذروتها الأيام الجارية بسلسلة قرارات مغربية تضمنت استدعاء سفيرها في الرياض، ووقف مشاركة بلادها في العمليات العسكرية في اليمن والتي يقوم بها التحالف الذي تقوده السعودية منذ ما يقرب من أربعة أعوام، والتي كان قد سبقها تعلل مغربي بازدحام جدول الملك لعدم استقبال ولي العهد السعودي خلال زيارته الأخيرة.

يرسم التقرير التالي أبعاد الأزمة التي تطورت في الأيام الأخيرة، والتحولات التي مرت بها العلاقة بين البلدين، بين بداية ولاية الملك سلمان بن عبدالعزيز، والفترة اللاحقة لها، المتزامنة مع ترقية نجله محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد السعودي، واستحواذه على سلطات واسعة.

 

التحول في العلاقات الثنائية.. من عهد “الأب” إلى عهد “الابن”

في بداية ولاية الملك سلمان بن عبدالعزيز، حاكمًا للسعودية، خلفًا لشقيقه الراحل عبدالله؛ تحولت المغرب بالنسبة للرياض لحليف استراتيجي، ومدخل رئيسي لتطبيق سياسته القائمة على توسيع حضور المملكة في القضايا الكُبرى بمنطقة الشرق الأوسط، خصوصًا المرتبطة بالمنطقة المغاربية؛ والتي غابت كثيرًا عن خريطة النفوذ السعودية في سنوات الملك عبدالله. ربما عزز من هذا التقارب العلاقة الخاصة والشخصية التي جمعت سلمان مع حاكم المغرب؛ والتي انعكست، بدورها، على تفضيل الملك السعودي للمغرب للاحتفال بزفاف أحد أبنائه في 12 يوليو (تموز) العام قبل الماضي، وأيضًا واجهة سياحية مُفضلة له؛ اعتاد فيها دومًا قضاء عطلته الصيفية داخل قصر مملوك له بمدينة طنجة المغربية، والتي شكلت موردًا ماليًا مهمًا، إذ شكلت نفقات زيارة ملك السعودية 1.5٪ من عائدات السياحة الخارجية للبلاد، مما يساهم في نمو الاقتصاد المغربي.

واحدة من هذه القضايا الكُبرى؛ كانت الرغبة السعودية في تحجيم النفوذ الجزائري بدعم من المغرب، التي تلاقت رغبتها مع سياسة الرياض في تقييد الدولة الأفريقية؛ في ظل دعم الأخيرة لـ«جبهة البوليساريو»، وانخراطها بإمكاناتها النفطية الكبيرة في مساندة «جبهة البوليساريو»، وهي المسألة التي تسعى المغرب، من خلال دعم السعودية لها، إلى موازنة الضغط الجزائري عليها، بعلاقات متينة مع دول الخليج العربية.

مقابل ذلك، رأت السعودية في المغرب الحليف الاستراتيجي المفضل في إنجاز مُهمتها لتحجيم النفوذ الجزائري؛ بعدما اتبعت الأخيرة مواقف تتناقض مع سياسة الرياض، أبرزها رفض المُشاركة في تحالف عاصفة الحزم الذي تقوده الرياض، واتباعها سياسة مخالفة في الأزمة السورية عبر دعم نظام بشار الأسد، ومساندته من أجل استمراره في الحُكم، فضلًا عن رفض تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية.

وقد ترجم هذا التحالف الثنائي مواقف المغرب المتماهية مع الرياض في الكثير من القضايا الإقليمية والتي كان على رأسها المُشاركة في عاصفة الحزم، وتقديم دعم معلوماتي للرياض تجاه خصمها الجزائر، بينما تحرك سلمان في المقابل في تقديم دعم مالي سخي للمغرب، تضمن تقديم السعودية منحًا مالية لا تُسترد للمغرب، في مايو (أيار) 2016، شاملةً ثلاث اتفاقيات تمويل، تصل قيمتها الإجمالية إلى 230 مليون دولار، تخصّص الأولى لمشروع خاص بالري الفلاحي، والثانية لمشروع توفير التجهيزات الطبية للمستشفيات العمومية، فيما تخصّ الاتفاقية الثالثة مشروعًا لدعم المقاولات المتوسطة والصغرى، فضلًا عن زيادة الاستثمارات السعودية، وكذلك تسهيل حصول المواطنين المغاربة على فرص عمل في الدول الخليجية؛ لمنع تفاقم مشكلة البطالة من ناحية أخرى.

امتد هذا الدعم لمساندة سياسية من جانب الرياض في قضية الصحراء الغربية، وتحركها للحصول على إجماع خليجي لدعمها أمام الأمم المتحدة؛ والذي عبر عنه تصريحات رسمية أكدت على موقف الرياض الداعم للمغرب في قضيته.

رهان السعودية على المغرب باعتباره حليفًا استراتيجيًا لها، في هذه المرحلة، تعكسه كذلك الوثيقة المُسربة ضمن وثائق «ويكليكس»، والتي تُظهر انزعاجًا مغربيًا لما نشرته صحيفة «الحياة اللندنية» سعودية التمويل، بعنوان «دولة متكاملة في مخيمات البوليساريو تنتظر الاستفتاء»، وهي المسألة التي ارتآها وزير خارجية المغرب أمرًا مُهددًا للتحالف بين البلدين، بينما كان جواب السعودية مُمثلًا في اتصال تليفوني، بين وزير خارجية المغرب والعاهل السعودي، الذي طمأنه بموقف بلاده الثابت، والمؤيد للمملكة المغربية في قضيتها.

لم يستمر هذا التحالف طويلًا؛ بعدما ارتقي محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، وتحول للآمر الناهي داخل المملكة، بسياسة خارجية جديدة مع المغرب؛ عمدت إلى تهميش حضورها في القضايا الأساسية، بالتزامن مع تصعيد إعلامي سعودي في قضايا أساسية تعدها الرباط خطًا أحمر أبرزها قضية الصحراء الغربية.

شكلت سياسة المغرب الخارجية، التي خرجت عن التوافق مع الرياض، خصوصًا في قضية حصار قطر، دافعًا لولي لعهد لتفكيك التحالف معها شيئًا فشيئًا بمواقف تصعيدية خصوصًا تجاه قضية الصحراء الغربية، وتجاهله الدعوة الرسمية المغربية العام الماضي لزيارتها؛ قبل أن تُصعد الرياض من جديد بتأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية الثالث عشر، والذي كان مقررًا نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، بطلب من الرياض، وكذا إلغاء نشاطات ثقافية سعودية كان مقررًا أن تصاحبه في عدد من المدن المغربية؛ لترد المغرب باستدعاء سفيرها.

 

مستشارا ولي العهد و “الصحراء الغربية”.. هكذا نشأت الأزمة

 

تزامن ارتقاء محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، مع ظهور نخبة جديدة موالين له، منحهم السلطات والصلاحيات لإعادة رسم خريطة للسياسة الخارجية الجديدة للرياض، والتي كان من أبرز سماتها اتباع نهج تصعيدي تجاه المغرب في كثير من القضايا المُشتركة؛ عقابًا لها على بعض المواقف التي خرجت فيها عن الإجماع السعودي، والتي أدت بالتبعية لتراجع المغرب خطوات للوراء في الكثير من الملفات بين البلدين، والتنافر مع هذه السياسة السعودية الجديدة، وصلت ذروتها لسحب السفير المغربي مؤخرًا.

يعد الخامس من يونيو (حزيران) 2017، تاريخ قطع السعودية والثلاثي العربي العلاقات مع الدوحة، الحدث الأكبر في اختبار جدية العلاقة بين المغرب وولي العهد السعودي؛ بعدما قررت الأولى تبني موقف حيادي تجاه الأزمة، عبر عنه بيان صدر عن الخارجية المغربية ذكرت فيه أنه: «معني بهذه الأزمة، لكنه يتبنى موقفًا محايدًا بنّاءً»، ودعت من خلاله إلى «حوارٍ صريحٍ وشاملٍ يقوم على أساس محاربة التطرف الديني، والوضوح في المواقف، والوفاء بالالتزامات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية».

لم يستمر المغرب طويلًا في هذا الموقع الحيادي، والمساحة الرمادية؛ ليعقبها ببيان ثان يقول فيه إنه سيرسل طائرات محمّلة بمواد غذائية إلى قطر «تماشيًا مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما تستوجبه، خاصة خلال شهر رمضان الكريم من تكاتف وتآزر وتضامن بين الشعوب الإسلامية»؛ وزيارة لاحقة للملك المغربي للدوحة، والتي شهدت توقيع المغرب على 11 اتفاقية مع قطر في مختلف المجالات، من ضمنها الاقتصاد والسياحة والتجارة والطاقة والثقافة وغيره، في دعم واضح للموقف القطري، وخلاف مع السياسة السعودية الجديدة؛ ومؤشر أكبر على تفكك التحالف في بداية ولاية حُكم الملك سلمان.

مستخدمًا رجاله ووسائل إعلام سعودية، رسم ولي العهد خطة تصعيدية؛ بدأها مستشاره الأمني السابق سعود القحطاني بنشر تغريدة على حسابه بموقع تويتر، عقب تحرير الدرهم المغربي، قال فيها :«عووووووم يا عوام… تعويم الدرهم المغربي بهذا قرار صائب سيصبحن المغربيّات أقل من ريال سعودي، مراكش عالسريع»، قبل أن يحذفها لاحقًا.

شخص آخر كان محطة هامة في التصعيد، هو المستشار الآخر لولي العهد، تركي آل الشيخ، الذي لعب دورًا في مُناكفة المغرب، عبر الإيحاء بنشر صور له مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم لدعم الملف الأمريكي على حساب الملف المغربي في استضافة كأس العالم 2026، وهو ما عبر عنه لاحقًا آل الشيخ بنشر تغريدة ذكر فيها: «هناك من أخطأ البوصلة، إذا أردت الدعم، فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت، دع «الدويلة» تنفعك…! رسالة من الخليج إلى المحيط».

تأكد ذلك من واقع تصريحات تلفزيونية لآل الشيخ لشبكة بلومبرج الأمريكية حين أجاب على سؤال من ستدعم الرياض في ملف كأس العالم، قائلًا:«الولايات المتحدة من أقدم وأقوى حلفاء السعودية، وهم قرعوا أبوابنا منذ عام 2017، وطلبوا منا المساعدة وقمنا بالرد على ملفهم وراجعناه، أما إخواننا في المغرب فلم يطلبوا منا المساعدة في هذا الشأن إلا قبل شهر فقط، وقد قطعنا وعدًا للأمريكيين، لذلك نحن سنصوت للولايات المتحدة».

القضية الثالثة التي استخدمها ولي العهد في تصعيده ضد المغرب كانت «الصحراء الغربية»، إذ أذاعت قناة العربية الموالية للنظام السعودي مؤخرًا تقريرًا يتحدث عن غزو المغرب للصحراء الغربية، من خلال إظهار خريطة المغرب مبتورة من صحرائه، وعلى أنها دولة أخرى غير تابعة للمغرب تحت مسمى «الصحراء الغربية»، وهي الجزء التي يعتبرها المغرب ضمن مناطقه الجنوبية.

وأمام كُل هذا التصعيد الذي يبدو استفزازيًا، والذي وصل ذروته مؤخرًا مع نشر قناة العربية تقريرًا عن قضية الصحراء الغربية؛ أخذت المغرب خطوات للوراء في علاقتها مع الرياض، والتي كان مؤشرها الأهم هو تعلل الملك محمد السادس بازدحام جدول أعماله، لعدم لقاء ولي العهد خلال الزيارة التي قام بها في عدة دول استثنى منها المغرب، عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ردًا على عدم تجاوب السعودية مع دعوة الملك محمد السادس لولي العهد لزيارة بلاده نهاية العام الماضي. ليتبع ذلك قرارات جديدة أخيرة لملك المغرب؛ أبرزها استدعاء سفير الرباط من الرياض، ووقف مشاركة بلاده في العمليات العسكرية في اليمن.

 

“سحابة عابرة”  أم “أزمة مستمرة” ؟

 

«سحابة عابرة»، هو ما وصف به السفير المغربي وقائع الأزمة بين بلاده والسعودية، بعدما أكد واقعة استدعائه لبلاده، وهو ما كرره وزير الخارجية المغربي خلال لقاء على قناة الجزيرة القطرية، نهاية الشهر الماضي، بمعنى مُشابه، حين ذكر «أن علاقة المغرب مع المملكة العربية السعودية قوية، وضمانتها العلاقة المتينة التي تربط بين الأسرتين الملكيتين، وبين جلالة الملك وخادم الحرمين الشريفين»، بينما تعكس المؤشرات على أرض الواقع خلافًا أكبر، وتحولًا كبيرًا في العلاقة بين البلدين، حتى وإن تم تجاوز هذه الأزمة العابرة بين البلدين.

و تحمل التصريحات الرسمية المغربية رغبة كبيرة في وضع حد للتصعيد بين البلدين؛ فالبلد الأفريقي مُدرك لأهمية الرياض ماليًا وسياسيًا لها طيلة السنوات الماضية، غير أن سياسة ولي العهد السعودي ورجاله لا تتقاطع مع هذه الرغبة؛ وتستفز المغرب، وقد تدفعها لقرارات أكثر تصعيدًا واستفزازًا للقيادة السعوديّة المُمثلة في ولي العهد السعودي.

ولعل الإشارة في جُل التصريحات الرسمية المغربية للملك سلمان بن عبدالعزيز مؤشر شديد الأهمية في التعويل على تدخله لإعادة العلاقات بين الجانبين بشكل طبيعي؛ وهو الأمر الذي تستبعده أغلب التحليلات المنشورة في وسائل الإعلام المغربية كحال التقرير الذي حمل عنوان «بعد استدعاء السفير.. هل دخلت علاقات الرباط والرياض مرحلة الجمود؟»، ومنشور في موقع فبراير الإلكتروني المغربي، إذ نقل الموقع عن المحلل السياسي عبد الصمد بلكبير قوله إن «العلاقات المغربية السعودية جد متشابكة تاريخيًا، ولكنها لن تستمر بالقوة التي كانت تعرفها من قبل».

 

المصدر:  ساسة بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *