قيس سعيد يباشر مهامه رسمياً .. و مطالب و تحديات كبرى في انتظاره

منية العيادي

 

تسلّم الرئيس المنتخب قيس سعيد، اليوم الاربعاء 23 أكتوبر 2019، مفاتيح السلطة بقصر قرطاج، من الرئيس المؤقت محمد الناصر، ليباشر مهامه رسميا، وسط مجموعة من التحديات و المطالب و  انتظارات آلاف التونسيين الذين راهنوا عليه و احتفوا بفوزه بالانتخابات الرئاسيّة .

قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري، و هو الرئيس السابع للجمهورية التونسية، سيتولى أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية و يصبح رئيس مجلس الأمن القومي يباشر مهامه اليوم بعد مراسم تنصيبه التي عقدت في قصر قرطاج و شملت إطلاق 21 طلقة، و ذلك بعد أدائه اليمين الدستورية صباح اليوم في مقر البرلمان الذي أتبعه بخطاب توجه به إلى الشعب التونسي “و هو رئيس الشعب” ، تحدث فيه عن برنامجه كرئيس للدولة و عن رؤيته المستقبلية للبلاد.

 

تحديات تشكيل الحكومة 

طرح المشهد البرلماني المشتت الذي أفرزته النتائج غير النهائية للانتخابات التشريعية ، أكثر من سؤال حول السيناريوهات الممكنة للتحالفات داخل قبة البرلمان، و قدرة حركة النهضة الحزب الفائز على تشكيل الحكومة بحسب مقتضيات الدستور.

و يبدو أن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون صعبا جدا أمام برلمان مكون من كتل نيابية مشتتة و ذات مرجعيات مختلفة مما يطرح تحديات كبيرة أمام الرئيس المنتخب لتجميع و توحيد الأطراف السياسية.

تركيبة مشتتة من حيث حجم الكتل ما جعل الكثير من المتابعين للشأن السياسي يؤكدون أن تشكيل حكومة في أقل من  4 اشهر حسب ما ينص على ذلك الدستور صعب وهذا من شأنه أن يضع بلادنا في مواجهة المجهول ، بل إن البعض لم يستبعد التوجه اضطرارا نحو سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية  الذي يبقى واردا في ظل صعوبة تشكيل الحزب الفائز حركة النهضة لائتلاف حكومي بعد اختيار بعض الأحزاب الاصطفاف في المعارضة و الشروط المجحفة و التعجيزية لبعض الأحزاب الأخرى.

و تصدرت حركة النهضة النتائج الأولية لكن دون تمكنها من الحصول على الأغلبية الدنيا -109 مقاعد- لتكوين الحكومة بمفردها، يليها حزب قلب تونس و حزب التيار الديمقراطي ثم القائمة المستقلة “ائتلاف الكرامة”، فالحزب الحر الدستوري و هو ما .

و يكلف رئيس الجمهورية بحسب الفصل 89 من الدستور مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات بتكوين الحكومة خلال شهر يجدّد مرة واحدة.

و في حال تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حال عدم الحصول على ثقة البرلمان، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.

و إذا مرت أربعة أشهر على اتكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما.

و بالتالي فإن تقريب وجهات النظر بين مختلف الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية إلى جانب المنظمات و الجمعيات و مكونات المجتمع المدني و المستقلين ، من أجل تشكيل الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن، سيكون من التحديات الكبرى التي سيواجهها قيس سعيد المطالب بوضع حدّ للانقسامات الحالية بين مختلف الأحزاب و القوى خاصة و أن البلاد تعيش على وقع مشاكل اقتصادية و اجتماعية لا تسع المزيد من الانتظار .

التحديات الاقتصادية

يأتي الملف الاقتصادي في مقدمة التحديات التي تنتظر رئيس تونس، خاصة بعد ثماني سنوات على الثورة و فشل الحكومات الائتلافية المتعاقبة في معالجة المشاكل الاقتصادية، و في مقدمتها البطالة المزمنة و ارتفاع التضخم و مطالب المانحين الأجانب بتطبيق إجراءات خفض للإنفاق.

و يعلّق التونسيون آمالهم على الرئيس الجديد في إيجاد حلول لعدد من القضايا الاقتصادية التي فشل الرؤساء الذين جاؤوا بعد 2011 في تحقيقها آملين في انجاز برامج اقتصادية شجاعة ناجعة و محددة من حيث الأهداف و المدة.

 

التحديات الأمنية و مكافحة الإرهاب و الفساد 

ضمن أبرز التحديات يأتي الملف الأمني و مكافحة الإرهاب أولوية حارقة تطرح على طاولة الرئيس الجديد،  و هو بالتالي مطالب بوضع مخططات جديّة لدعم الحرب على الإرهاب في ظل التحولات الإقليمية و الدولية خاصة و أن رئيس الجمهورية المنتخب تخوّل له صلاحياته و مهامه التدخّل بصفة مباشرة في كل ما يهمّ تأمين الحدود التونسية و تطوير منظومة الحماية الأمنية، نظرا إلى كونه يترأس القوات المسلحة التونسية .

و من أهم الملفات المتعلقة بالشأن الأمني أيضا التي تعطل النظر فيها، و ملف الاغتيالات السياسية التي استهدفت المعارضين اليساريين شكري بلعيد و محمد البراهمي، و كذلك ملفات مكافحة الإرهاب.

كما يعتبر استكمال تركيز المحكمة الدستورية و بعض الهيئات الدستورية الأخرى المعطلة مثل هيئة الحوكمة الرشيدة و مكافحة الفساد من المسائل العاجلة التي تتطلب النظر فيها خاصة و أن استشراء الفساد بتونس، في الفترة الأخيرة، يتطلب محاربة قوية و على عدة مستويات، و هو ما وعد به قيس خلال تصريحاته إبان حملته الانتخابية.

 

حقوق الإنسان و العدالة الانتقالية 

طالب عديد النشطاء في المجتمع المدني الرئيس قيس سعيد بالتعبير عن موقفه من مسألة الحقوق و الحريات، خاصة بعد التهديدات الأخيرة و الاعتداءات التي طالت الإعلاميين و ارتفاع منسوب خطاب العنف من طرف مجموعات محسوبة عليه من أجل تطمين التونسيين على حرياتهم.

كما دعت منظمة العفو الدولية أمس الثلاثاء 22 أكتوبر 2019، الرئيس الجديد قيس إلى “تعزيز حماية حقوق الإنسان في تونس و وضع حد على وجه السرعة، للإنتهاكات التي تقترف باسم الأمن بما في ذلك الإستخدام التعسفي لإجراءات الطوارئ”.

و نادت “بسريع مسار العدالة الإنتقالية، من خلال نشر تقرير هيئة الحقيقة والكرامة في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية و حثّ الحكومة القادمة على تبنّي خطة واضحة لتنفيذ توصيات هذه الهيئة التي قالت “العفو الدولية” إنها أحالت إلى الدوائر القضائية المتخصصة، 173 قضية تتعلق بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

و حثّته على “مراقبة التقدّم المحرز في محاكمات العدالة الإنتقالية عن كثب و ضمان تعاون جميع الأجهزة الحكومية، بما في ذلك وزارة الداخلية، تعاونًا تامًا مع الدوائر القضائية المتخصصة التي تم إنشاؤها للنظر في هذه القضايا”.

السياسة الخارجية 

على مستوى سياسة تونس الخارجية، يرى عديد المحللين أن قيس سعيد مطالب بالدفاع عن سيادة و مصلحة تونس أولا و عدم الاصطفاف وراء سياسة المحاور، مقابل الحفاظ على علاقات البلاد الخارجية مع البلدان الصديقة و السعي لتكوين علاقات جديدة.

و تتطلع عديد الدول العربية و الأجنبية التي هنأت الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد إلى العمل معه لمواصلة التعاون طويل الأمد مع بلادنا كما يترقّب التونسيون و كذلك قادة الدول الأجنبية الملامح الكبرى للسياسة الخارجية التونسية التي سيسطرها البلد تحت قيادة قيس سعيّد.

كما يوجّه سعيّد بوصلته مباشرة بعد أدائه اليمين الدستورية ومسك السلطة بصفة رسمية إلى زيارة دولتي الجوار الجزائر ثم ليبيا وفق ما أعلنه مرارا في برنامجه الانتخابي.

و يرى الدبلوماسي التونسي السابق توفيق ونّاس أنّه “من الصّعب الآن التنبؤ بملامح السياسة الخارجية التي سيعتمدها سعيّد، لأنه ليس للأخير أي تاريخ في ميدان العلاقات الدبلوماسية”.

و يقول “لكن يمكن أن نستشف بعض الاتجاهات العامّة لهذه السياسة من خلال تصريحاته”، معتبرا أنّ “السيادة التونسية ستكون لها مكانة خاصة في ظل حكم سعيّد، وستتجلى أساسا من خلال العلاقات الخارجية مع أوروبا و دول الخليج و الولايات المتحدة، و سيعمد الرئيس الجديد للبحث عن المصلحة التونسية خاصة في المجال الاقتصادي”.

 

صلاحيات محدودة

و لا يعطي الدستور التونسي، إلى رئيس الجمهورية صلاحيات كثيرة مقارنة برئيس الحكومة، حيث تقتصر مهامه على “تمثيل الدولة و ضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع و العلاقات الخارجية و الأمن القومي المتعلق بحماية الدولة و التراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية”، كما يمنحه صلاحية “تعيين وزيري الدفاع و الشؤون الخارجية و مفتي الجمهورية و رئيس البنك المركزي”.

رجل القانون سيجد نفسه أمام تحديات كبيرة، و يتطلّب تحقيق بعضها حزاما سياسيا يدعم توجّهاته و خياراته في البرلمان خاصة و هو  الذي رفع من سقف تطلعات التونسيين  و بالتالي سيكون عليه تحقيق المطالب و البرامج التي وعد بها الشباب، و الالتزام بالشعار الذي رفعه طوال الحملة الانتخابية “الشعب يريد”  .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *