قتل البغدادي.. فهل تسقط عقلية “الموت المقدس”؟

لم تكن عملية اغتيال زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي إلا شعارا لانتهاء مرحلة من مراحل “الجهاد العالمي” وبداية أخرى على أنقاض تجربة الثلاث سنوات من “امتداد التنظيم” الارهابي على خارطة الفوضى التي هزت الشرق الأوسط منذ سنة 2011 على وقع الثورات و”المؤامرات” و”الاستراتيجيات” وصراع الأجندات.

فتنظيم “داعش”، ذلك التنظيم الشبحي وجد في خارطة الصراع السورية بعد سنة 2011 أرضية للتمدد خارج “السرية” و”الغموض” التي كان ينتهجها في العراق بعد مقتل كل زعمائه منذ مؤسس جماعة “التوحيد والجهاد” أبو مصعب الزرقاوي التي تحولت فيما بعد إلى “دولة العراق الإسلامية” تابعة لتنظيم “القاعدة” الدولي.

ولعل سرعة تشكيل تنظيم “داعش” وتكتيكات الحرب الخاطفة الذي انتهجه في ضم أراضي واسعة في كل من سوريا الرقة والعراق الموصل هو الذي ايقظ “العالم” الغربي على حجم الكارثة، وأوضح للمشرفين على الحرب ضد دمشق وجيشها أنهم ارتكبوا “حماقة” استراتيجية قادت إلى “كارثة” حقيقة حولت “فرصة” الاطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى “انتفاخ” تنظيم إرهابي مرجعيته تضرب في أعماق القرون الوسطى واستلائه على “أراض مهمة” خاصة مع اقتراب هذا التنظيم في سنة 2015 للاستلاء على مدينة كركوك العراقية الغنية بالنفط، إضافة لتوجه التنظيم لبيع النفط السوري من حقول دير الزور في السوق السوداء مما أثر على أسعاره وأثر كذلك على التوازنات الاقتصادية في المنطقة وأسهم في انتفاخ “الورم” السرطاني الذي هزت ضرباته الإرهابية كل أصقاع العالم في القارات الخمس و”انتشر” في مناطق أخرى بمنطق “باقية وتتمدد”.

ولعل هذا هو الشعار الذي بقي عالقا بالأذهان منذ معركة الباغوز في البادية السورية وإعلان انتهاء سيطرته على أراض في سوريا والعراق، وانطلاق التنظيم في انتهاج “السرية” من جديد والظهور كتنظيم “شبحي”، خلاياه منتشرة في كل أنحاء العالم ويقوم بعمليات كانت درجة دمويتها كبيرة أبرزها في سريلانكا.

ويبدو ان هذا الشعار سيكون هو شعار المرحلة القادمة، فالهيكلة التنظيمية لتنظيم “داعش” بعد هزيمته في الباغوز أصبحت هيكلة تتركز على اللامركزية وعلى تحرير تخطيط وتنفيذ الهجمات على القيادات الميدانية لخلاياه والجماعات المنضوية تحته في جميع أنحاء العالم، وهو ما جاء على لسان البغدادي في آخر ظهور له أفريل الماضي.

ومن خلال هذه الرسالة بدأت فروع التنظيم في التحرك والضرب حتى في أماكن جديدة من العالم، وأخذت تستثمر في فوضى بعض “الدول الفاشلة” وبعض “الجغرافيات الغاضبة”، مثل تنظيم “داعش” في الصحراء الكبرى الذي يتزعمه أبو وليد الصحراوي والذي امتدت ضرباته حتى بوركينا فاسو بعد ان قام بعديد العمليات في مالي والنيجر واستهدف جنودا أمريكيين وفرنسيين وجنودا من دول غرب افريقيا.

ولا يبدو أن تنظيم “داعش” في الصحراء الكبرى بعيدا عن “بداية عودة” التنظيم في ليبيا وخاصة في الصحراء الليبية حيث ان فوضى الاشتباكات العرقية هناك ساهمت في إعادة تمركزه واختلاله لأراض في عمق الصحراء الليبية، فيما قام المغرب بتفكيك خلية داعشية أراد زعيمها الالتحاق بالصحراوي قبل أن يتم القبض عليه.

ولا يمكن التركيز على امتداد التنظيم في الصحراء الكبرى دون ذكر أن فرعه في أفغانستان والمنشق عن حركة طالبان اضحى يمثل عائقا للتحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن الذي يحاول القيام بعملية سلام معها بمقابل يأبى التحرك خارج منظومة “الجهاد” والتي تمثل خلفيته اعتماد أيديولوجية طالبان -التي من جهتها- باتت تتحسس خطر فرع داعش على مكانتها ضمن خارطة التنظيمات الجهادية الدولية خاصة بعد افول نجم القاعدة المعطيات والاستنتاجات أن تنظيم “داعش” لا يمكن هزمه من خلال ضرب رأسه خاصة وأن البغدادي كان على ما يبدو مركزا على الاختفاء عن المخابرات التي تقتفي اثره على أن يركز على عمليات التنظيم بكل فروعه في العالم، في وقت اغترفت قيادات كبرى أن مساعده أبو عمر التركماني هو الذي اضطلع منذ فترة بمهام التخطيط في التنظيم والذي يرجح أنه سيخلف البغدادي على رأس التنظيم.

ان ضرب تنظيم “داعش” وتبديده كفكرة متطرفة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا ما تمت إبادة كل الظروف التي تسهم في ابقائه موجودا وأبرزها محاربة الفقر والفكر المتطرف وإزالة كل ضروب العنصرية والظلم والطائفية المتغلغلة في الشرق الأوسط، إضافة لتعزيز سلطة الدولة في هذه المنطقة، واخراجها من دائرة صراع الأجندات الذي أتى بورم زرع بقصد أو بغير قصد في هذه المنطقة وكلف كل دول العالم تكاليف كبيرة للقضاء عليه.

ولا يبدو أن “داعش” سينتهي فكريا على المدى القصير والمتوسط، فأفكار التطرف تبقى الأقرب للعقول البسيطة التي تقولب وفق منطق ديني يقنعها على الذهاب “للموت المقدس” دون إرادة الحياة، وذلك بالتركيز على خطاب “المظلومية” و”الحاكمية” وحصره ضمن خطاب قائم على ثنائية (مسلم وكافر على سبيل المثال).

 

بقلم نزار مقني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *