في دلالات عاشوراء .. بقلم البحري العرفاوي

يلحظ المراقب للمظاهر الإحتفالية بذكرى عاشوراء في أجزاء عديدة من عالمنا العربي الإسلامي أنها تزداد اتساعا وتنظما وتهذيبا … اتساعا من حيث التحشيد الشعبي وخاصة الشباب، وتنظما بحيث أصبحت تتبدى في مشهد منضبط ومسير بإحكام ودقة ومهذب حيث لم تعد الإحتفالات على ما بدت عليه في سنوات سابقة من كونها مجرد نشاط شعبي فوضوي وعنيف ضد الذات بما نلحظه من عمليات جلد وضرب بالسلاسل والقضبان حتى سيل الدماء.

Résultat de recherche d'images pour "‫البحري العرفاوي‬‎"

تحتاج الظاهرة تأملا عميقا واستقراء هادئا بعيدا عن الإستعلاء الفكري أو السياسي وبعيدا عن التنزيل المذهبي للمشهد فالظاهرة حقيقية وتزداد اتساعا وتتجه بالتأكيد نحو التأثير في المستقبل بشكل من الأشكال.

مقدمات الذكرى مشحونة بمشاعر “المظلومية” حيث تتأسس على مقتل الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتأسس على انسلال قدسي انطلاقا من مقولة آل البيت وتتأسس أيضا على معادلة الدم والسيف أو الحق والباطل. إن الذين يُنظرون لخطاب عاشوراء لا يمكن النظر إليهم على أنهم مجرد متدينين مذهبيين طائفيين إنهم يعرفون ما يصنعون حين يستثمرون تلك “الخميرة” الشعبية لتصنيع حالة اصطفاف كبير خلف أهداف سياسية وعقدية وحين ينفذون إلى أعماق الوعي الشعبي يحفرون في ترسباته وينحتون وعيا جديدا في غير قطيعة مع الموروث التقليدي. يلحظ المراقبون كيف تطورت مظاهر الإحتفال من حالات الفوضى الشعبية العنيفة والمتهمجة إلى حالات من التنظم حتى غدت كما لو أنها استعراض رياضي أو عسكري منسجم ومنتظم وهادئ ومعبر.

السيد رجب طيب أردغان لم تكن مشاركته اللافتة هذه السنة في احتفالات عاشوراء في تركيا مجرد موقف سياسي إنما كان واعيا بما يفعل ومدركا لأعماق الظاهرة… لقد أصبح “الخطاب العاشورائي” خطابا قادرا على التحشيد الشعبي وهو خطاب يكاد يتحول إلى إيديولوجيا أو قد أصبح كذلك فعلا ويُخشى أن يُصبح خطابا مغريا ومخترقا للخارطة “السنية” لا بسمته المذهبية ـ وهو يؤكد على أنه لا يُريدها ـ وإنما بجاذبيته الحماسية خاصة وقد اقترن بمواقف متعلقة من الإحتلال وبالتهديدات الخارجية التى لا تكف عن قرع طبول الحرب.

أعتقد أن الأمر يحتاج قراءة هادئة وواقعية ومستقبلية حتى نقدر على ضمان علاقات تواصل هادئ وتكامل مُجْدٍ بين كل شعوبنا المسلمة فيما يتعلق بمصيرها المشترك وقضاياها المستقبلية وحتى لا نفاجأ بحالة انشطار حقيقي في منطقتنا العربية والإسلامية بين إيديولوجيا “عاشورائية” مغرية وبين خطاب لا يكف عن إثارة نعرات “التمذهب” المعطل لطاقات الأمة والمهدد بالفتنة المقيتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *