في انتظار الحكومة التاسعة : الطبخة الأخيرة .. في قرطاج .. بقلم كمال بن يونس

هل تنتصر” البراغماتية ” أم يغرق المركب بالجميع ؟

  

بقلم كمال بن يونس  

رغم أجواء الاجازات الصيفية لا تزال الانظار في كامل البلاد متجهة قصر قرطاج ودار الضيافة ومقرات الاحزاب الكبرى في البحيرة ومونبليزير ومقرات اتحاد الشغل ومنظمتي الفلاحين والصناعيين والتجار ..حيث تجري الاستعدادات لاكمال ” الطبخة الاخيرة ” ..

فما الذي يمكن أن تفرزه الجولة الثانية من مفاوضات رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من جهة ومع قيادات النداء والنهضة والاحزاب الصغرى من جهة ثانية ؟

وهل سنتصر ” الواقعية ” و” البراغماتية ” أم تفشل المبادرة السياسية الحالية فيغرق المركب بالجميع ؟

 

حسب المعطيات المتوفرة إلى حدود ظهر أمس ، فقد تقدمت مشاورات السيد يوسف الشاهد مع غالبية القيادات السياسية والحزبية التي شاركت في التوقيع على ” وثيقة قرطاج “..بما في ذلك فيما يتعلق باستثناء وزارات السيادة من التغييرات المرتقبة ..

لكن هذه المشاورات لم تسفر بعد عن التقريب بين الفاعلين السياسيين البارزين ـ وخاصة مع قيادات كتلتي النداء والنهضة في البرلمان ـ الذين سيحتاج الشاهد الى تزكيتها حتى تحظى حكومته بالمصادقة .

لعبة الارقام والقائمات

وحسب مصادر مختلفة فقد اصبح أحد أسلحة ” مفاوضات ” تشكيل حكومة ” الوحدة الوطنية ” الموعودة استخدام عدد من الساسة للعبة الارقام والقائمات ..

وفي الوقت الذي أكدت فيه أطراف عديدة أن ” رئيس الحكومة الشاب ” أعلم مخاطبيه من القيادات السياسية والنقابية أنه يحرص على ترفيع نسبة تمثيل الشباب والنساء في الحكومة الجديدة ، بادرت جهات حزبية وسياسية بامطار يوسف الشاهد بالمقترحات  المدعومة بملفات ” سيرة ذاتية ” لعشرات المرشحين الافتراضيين لقيادة السفينة في المرحلة القادمة .

ولعل من بين أكثر ” طرائف  هذه اللعبة ” أن بعض الاحزاب لم تقدم قائمات موحدة لمرشحيها ، بل تنوعت مصادر ” الاقتراحات ” والقائمات و” السير الذاتية “..؟؟

رئيس حكومة ” متحزب”

ولعل من بين أكثر التحديات التي تواجه رئيس الحكومة المعين أنه كان ولا يزال قياديا في الهيئة التأسيسية في حزب ” النداء”..أي أن  مجال مناورته محدود نسبيا خلافا للحبيب الصيد ، الذي وقع التسويق لاستقلاليته عن كل الاحزاب في مشاورات تشكيل حكومتي مطلع 2015 ثم 2016..

هذا المعطى يعني بلغة المصالح والتوازنات بين الكتل البرلمانية أن ” حزب النداء” ضمن الولاء الحزبي والسياسي لرئيس الحكومة الجديد ووزراء السيادة ( أوبعضهم )، لكنه سوف يصبح مطالبا بتقديم ” تنازلات حقيقية ” لبقية الكتل البرلمانية التي قد يحتاج الشاهد الى اصوات نوابها لاضفاء الشرعية على حكومته وعلى راسها كتلة النهضة التي لديها كتلة متماسكة نسبيا من 69 عضوا وكتلتي الوطني الحر وآفاق صاحبتي نحو 25 نائبا .

ومادام زعيم “النداء” ورئيسه الشرفي قبل بأن يكون رئيس الحكومة التاسعة ” متحزبا” فإن قيادات النهصة والوطني الحرب وآفاق والاحزاب الاخرى قد ترفع سقف مطالبها عند اسناد الحقائب الوزارية بما في ذلك بعض  وزارات السيادة ..

كتلة هشة ؟

ورغم مرور شهرين ونصف على مبادرة ” الحكومة الوطنية ” التي اطلقها رئيس الدولة والرئيس الشرفي لحزب نداء تونس ، فإن ألغازا كبيرة لا تزال قائمة .

فإذا كان الهدف من المبادرة ” توسيع المشاركة في الحكومة من 4 أحزاب الى كل مكونات المشهد السياسي بما في ذاك اتحاد الشغل والجبهة الشعبية ” ، فماذا تبقى من تلك المبادرة بعد أن أكدت قيادات اتحاد الشغل والجبهة الشعبية مقاطعتها لها ؟

واذا كان الهدف غير المعلن دعم حضور حزب نداء تونس وطنيا بدءا من تعيين رئيس حكومة من داخل الحزب ، فهل ستقبل بقية الاحزاب ـ وبينها النهضة صاحبة الكتلة الاكبر في البرلمان ـ المصادقة على حكومة يرأسها ” متحزب” ولا تكون لها حصة ” لائقة “فيها ؟

الوضع الجيو سياسي

 كثيرون يراهنون على كون قيادة حركة النهضة ـ وخاصة زعيمها راشد الغنوشي والمقربين منها ـ سيكتفون ب” مشاركة رمزية ” في الحكومة الجديدة على غرار ما فعلوا في حكومتي 2015 و2016 ..

لكن هل سيكون هذا الرهان في محله ؟

معطيات كثيرة تفنده ..

لعل من بينها تغير الوضع الجيو سياسي اقليميا ودوليا مقارنة بما كان عليه قبل عامين بعد المنعرج العسكري في مصر وليبيا .

ومهما تباينت التقييمات لواقع حزب النهضة وعلاقاته الدولية اليوم فإن أغلب المؤشرات تؤكد أنه حسن علاقاته عربيا واوربيا ودوليا بعد مؤتمره الوطني العاشر الذي تبنى فيه بوضوح ” الانتقال من جماعة ايمانية دعوية الى حزب وطني مدني سياسي مفتوح على كل التونسيات والتونسيين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية واللغوية …الخ “..

وكان ” النجاح الاكبر” الذي حققه الغنوشي ورفاقه تصالحهم مع باريس والرياض ثم تطوير شراكتهم مع لندن وبرلين وواشنطن..

وقد يكون وراء هذه ” النجاحات ” و”  الاصلاحات ” اعلان قياديين من النهضة أن رئيس حركتهم قدم ليوسف الشاهد قائمة من حوالي 20 شخصية يمكن أن يختار من بينها وزراء وكتاب دولة ومستشارين في ديوانه .؟؟

وكان من بين هؤلاء مسؤولون سابقون عن القطاعات الاقتصادية والفنية في الحكومات السابقة مثل رياض بالطيب وزياد العذاري ومنجي مرزوق ومحمد الصالحي ورضا السعيدي والمنصف السليطي .. الى جانب نواب شبان وسيدات من البرلمان مثل سيدة الونيسي ومحرزية العبيدي ..فضلا عن بعض الشخصيات السياسية مثل لطفي زيتون الوزير المستشار السياسي لرئيس الحكومة في 2012/2013 والمستشار السياسي الحالي لزعيم حركة النهضة .

خلافات   

في المقابل يبدو حزب النداء مهددا بصراعات وانشقاقات جديدة  إذا أفرزت المشاورات الحالية عن ” تغول ” ممثلي حزب النهضة في حكومة يوسف الشاهد ..

في هذا السياق اكدت مصادر مسؤولة للصباح أن المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي وبعض المقربين منه طلب من الهيئة التاسيسية امرين :

·                اولا ان لا يتجاوز عدد وزراء النداء في الحكومة القادمة 4 مقابل 3 فقط للنهضة

·                ثانيا أن تحيل  قيادة النداء مسؤولية اختيار ممثليها في الحكومة الجديدة الى رئيسها المؤسس وزعيمها الرئيس الباجي قائد السبسي .

 

لكن يبدو أن هذا الاقتراح قوبل بانتقادات من قبل بعض القياديين والبرلمانيين الندائيين ..بما يوشك أن يعمق الخلافات داخلهم ..

  ما الحل ؟

كيف الخروج من هذا المأزق ؟

هل ينتصر منطق الولاء للدولة على  الاعتبارات الحزبية والشخصية والفؤوية ؟

وهل تنجح ” الطبخة الجديدة ” للحكومة في قصر قرطاج بعيدا عن ” مزايدات نوادي الاحزاب واللوبيات “؟

هذا ما يراهن عليه كثيرون ..في ظل توقعات من أن يتسبب اخفاق الشاهد في الحصول على تزكية حكومته في أزمة سياسية أمنية اجتماعية شاملة ..يغرق بسببها مركب جميع صناع القرار الحاليين ..وتغرق معهم البلاد اكثر..

كمال بن يونس  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *