فيما أدوا اليمين الدستورية للولاء للوطن، نواب الشعب شرعوا لانهيار الدينار التونسي .. بقلم جنات بن عبد الله

لا يزال الشعب التونسي يتساءل عن الأسباب الحقيقية التي أدت الى الانهيار السريع لقيمة الدينار التونسي أمام الأورو حيث تجاوز سعر صرف الدينار أمام الأورو يوم الجمعة 10 جوان 2016 حدود 2.470 دينار. ورغم أن أول انخفاض كان يوم 18 ماي 2016 حيث تراجع وفي ظرف وجيز بنسبة 3 بالمائة مقابل الأورو الا أن الرأي العام التونسي بما في ذلك المنظمات المهنية والنقابية والأحزاب السياسية كانت منشغلة بالصراعات السياسية الجوفاء التي عمقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية في البلاد، ليخرج رئيس الجمهورية يوم 2 جوان 2016 بمبادرته بتشكيل حكومة وحدة وطنية لا يزال يسوق لها مع الأنصار الذين انضموا اليه أفواجا وكأنهم غير معنيين بانهيار الدينار في حين أن الظرف يتطلب الإعلان عن حالة طوارئ اقتصادية ومالية وتجميع كل القوى لمساءلة محافظ البنك المركزي ووزير المالية عن أسباب التخلي عن حماية العملة الوطنية . لقد كان من واجب مجلس نواب الشعب وهو يعيد مناقشة قانون البنوك خلال الأسبوع تضمين هذه المسألة في جدول أعماله بل على قائمة جدول أعماله باعتباره يمثل الشعب التونسي الذي اختاره في انتخابات “ديمقراطية” لاطلاعه على خلفيات وتداعيات قرار البنك المركزي الذي تحصل مؤخرا على مصادقته على نظامه الأساسي.
شروط صندوق النقد الدولي
لقد كانت مصادقة مجلس نواب الشعب على قانون النظام الأساسي للبنك المركزي التأشيرة التي سمحت له بالتخلي عن حماية عملتنا الوطنية ورمي البلاد في المجهول. ورغم حركة الرفض الكبرى التي رافقت عملية المصادقة والتي استند فيها الرافضون على خلفيات المشرع الذي صاغ القانون والتي ترمي كلها الى سلب السيادة النقدية للبنك المركزي فقد تمت المصادقة بموافقة 73 صوت تحت ضغط صندوق النقد الدولي الذي اشترط للإفراج عن أقساط القرض الذي وعد بع حكام تونس الجدد، إقرار نظام أساسي جديد للبنك المركزي، في حين لا توجد حاجة ملحة لذلك، وإقرار قانون جديد للبنوك كان محل طعن وتمت إعادة عرضه هذا الأسبوع للمصادقة، وذلك في اطار ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية والمالية التي فرضها الصندوق على تونس والتي نكتشف يوما بعد يوم تداعياتها الكارثية على حياتنا اليومية وسيادة قرارنا الوطني وعلى اقتصادنا وتوازناتنا المالية الداخلية والخارجية…
وانطلاقا من مضمون النظام الأساسي للبنك المركزي الجديد، وفي ظل انهيار الدينار يتداعى الغموض ويتحول الشك الى يقين بخصوص أهداف صندوق النقد الدولي من وراء هذا الإصلاح الذي انخرطت فيه حكومة الائتلاف ومجلس نواب الشعب على حساب استقرار اقتصادنا وسيادتنا النقدية والوطنية بصفة عامة.
المورطون في جريمة الاعتداء على سيادتنا النقدية
ينص الفصل 7 من النظام الأساسي للبنك المركزي بالعنوان الثاني المتعلق بأهداف البنك المركزي ومهامه على: يتمثل هدف البنك المركزي في الحفاظ على استقرار الأسعار والمساهمة في الحفاظ على الاستقرار المالي. هذا الفصل كان محل انتقادات شديدة من قبل عديد الخبراء باعتبار غموضه وتعويمه لأهداف البنك المركزي بما يجرد هذا الأخير من مسؤولية الحفاظ على استقرار عملتنا الوطنية. لقد اتضح اليوم أن صياغة هذا الفصل كانت ممنهجة القصد منها القضاء على عملتنا الوطنية وضرب اقتصادنا الوطني واستقلالية قرارنا. فالأصل في الأشياء أن يحدد النص القانوني بكل وضوح ودقة مهام البنك المركزي كالتالي: يتمثل هدف البنك المركزي في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية ومقاومة التضخم وتحفيز الاقتصاد الوطني عبر أليات السياسة النقدية.
وبفضل الفصل 7 من النظام الأساسي الجديد وتعمد عدم الوضوح والدقة يكون مجلس نواب الشعب قد شرع للبنك المركزي للتخلي عن أهم مهامه وأهدافه ممثلة في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية، وهو ما طبقه بكل أريحية وفي كنف الشرعية البنك المركزي يوم 18 ماي 2016 في سوق الصرف عندما تخلى عن حماية الدينار وترك المجال مفتوحا أمام قانون العرض والطلب على حساب عملتنا الوطنية. من جهة أخرى وبتاريخ 2 ماي 2016 بعث محافظ البنك المركزي ووزير المالية برسالة نوايا الى صندوق النقد الدولي يعترفان فيها بأن قيمة الدينار التونسي مبالغ فيها ويتعهدان بتطبيق توصية الصندوق بخصوص “زيادة مرونة سعر الصرف لتحسين القدرة التنافسية الخارجية وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية” بما يعني ترك تعديل سوق الصرف لقانون العرض والطلب في ظرف سجلت فيه الصادرات التونسية نسبة نمو سلبية ليس بسبب ارتفاع قيمة الدينار ولكن بسبب عدم توفر ما يمكن تصديره بسبب الركود الاقتصادي وحالة الانفلات لتستفيد من هذا الوضع الشركات غير المقيمة التي ستضاعف مداخيلها التي يضمن لها القانون عدم استرجاعها الى تونس.
لقد نجح صندوق النقد الدولي في ضرب سيادتنا النقدية بقوانين وطنية مصادق عليها من سلطة تشريعية منتخبة ديمقراطيا بشهادة دولية، وهو ما يدفعنا للتساؤل وبكل سذاجة عن شعور الأطراف المورطة في هذه الجريمة وفي مقدمتهم النواب 73 الذين صوتوا بالموافقة على النظام الاساسي الى جانب محافظ البنك المركزي ووزير المالية اللذين تعهدا باعتماد مرونة سعر الصرف، وكلهم وهم يتابعون انهيار كل المؤشرات الاقتصادية والمالية بسبب تخلي البنك المركزي عن حماية العملة الوطنية حيث سيؤدي هذا الانهيار الى مزيد من ارتفاع الأسعار ومزيد من تدهور المقدرة الشرائية ومزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري والى مضاعفة حجم تسديد الديون ومزيد تدمير مواطن الشغل …والسؤال المطروح أين المنظمات المهنية والنقابية وأين القوى الوطنية الصادقة لوضع حد لهذا السقوط في الهاوية وهذا الجنون في ظل انعدام مقومات الجريمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *