عبد الرحمان اليوسفي..باجي المغرب .. بقلم خالد شوكات

ترّجّل الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي يوم الجمعة 29 ماي 2020، عن عمر قارب القرن من الزمان، ستة وتسعون عاما، خاض خلالها شتّى أنواع المعارك الكبرى، من أجل وطنه المغرب، ومن أجل المغرب الكبير، ومن أجل الأمة العربية والإسلامية، ومن أجل الإنسانية.

خالد شوكات
جميع معارك سي عبد الرحمان كانت عظيمة ونبيلة، من أجل تحرير وطنه من الاستعمار، ومن أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن أجل فلسطين وسائر قضايا الانسانية العادلة في كل مكان، ومن أجل وحدة الشعوب المغاربية. كان رفيقا لثلة من الكبار مثله، للشهيد مهدي بن بركة (الذي يماثله في تونس الشهيد صالح بن يوسف)، وللفقيه البصري الذي دوّخ النظام المغربي بنضاليته الاستثنائية، ولعبد الرحيم بوعبيد زعيم الواقعية السياسية. كانت لسي عبد الرحمان قصة مختلفة مع الملوك الثلاثة الذين عاصرهم طيلة عمره المديد، فقد رافق الملك محمد الخامس في رحلة الكفاح من أجل الاستقلال، وكان من كبار معارضي الملك الحسن الثاني من أجل الديمقراطية والتنمية، وراعي الملك الحالي محمد السادس في سنوات ملكه الاولى، السنوات الاصعب التي شغل فيها الراحل موقع رئيس الحكومة بين ملكين ونظامين، رئيس حكومة التناوب.
وقد جرّبَ سي عبد الرحمان جميع أنواع المحن النضالية، وما زادته الا وهجاً وعنادا ورباطة جأش ووضوحا في الرؤية وتصميما على تحقيق الهدف، السجن والمنفى والإعدام والحصار والاختفاء القسري. وقد مارس “المعلّم الاشتراكي الكبير” المحاماة والصحافة والعمل الحزبي والنقابي ولم يتردد عندما غضب سنة 1993 من تزوير الانتخابات من الوقوف في كشك لبيع الجرائد على ملك زوجته في مدينة كان في منفاه الاختياري.
ولد سي عبد الرحمان في مدينة طنجة سنة 1924، عندما كانت مدينته محمية دولية، وجمع في طباعه الكثير مما عرف به أهل هذه المدينة الخالدة الجميلة، في جمعهم بين أبعاد الوطن المتعددة، العربية الاسلامية والأندلسية الاسبانية والفرنسية المتوسطية والانسانية العالمية، وكانت له منها لهجته العربية الخاصة التي كانت تثير استغراب المغاربة، لكنها كانت محببة لدى كل من عرفوه من رفاق النضال اليساري الدولي والقومي العربي، فقد كان حزبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزبا كبيرا جامعا لروافد كثيرة، وكان حزبا توفيقي النزعة واقعي السياسي ديمقراطي البنية، وهو أوّل حزب يساري يصل الى السلطة بفضل الصندوق لا الانقلاب.
كنت محظوظا بالتعرف الى سي عبد الرحمان مباشرة عندما كنت مقيما في المغرب في بداية التسعينيات، وقد اجريت معه بعض الحوارات الصحفية، سواء باعتباره زعيما لاهم الاحزاب المغربية المعارضة، او لاحقا عندما تولى رئاسة حكومة التناوب، وقد حضرت مؤتمر حزبه سنة 2001، وكان مؤتمرا استثنائيا، واخبرني بعض رفاقه انه باع قطعة ارض على ملكه من اجل تغطية نفقاته.
وقد سمعت عن سي عبد الرحمان من اقرب رفاقه، الفقيه البصري، الذي تعرفت عليه ضمن فعاليات وأنشطة المؤتمر القومي العربي، والذي عاش معه الكثير من المغامرات النضالية التي كادت تقودهما الى المشنقة، لكن الله كتب لهما النجاة، لكي يلعبا ادوارا طلائعية في تقرير مصير الوطن والمنطقة فيما بعد.
كان سي عبد الرحمان من فئة الزعماء الكبار متعددي الموهبة، في الكتابة والخطابة والتخطيط والقيادة والقدرة على التواصل مع أبناء عائلته السياسية والفكرية وبقية العائلات ذات الفعل والتأثير في ساحة النضال والعمل، ومن هنا فقد نجح في أهم وظيفة سياسية شغلها، وكأن القدر قد هيأه للاضطلاع بأعبائها الثقيلة، قيادة الانتقال الديمقراطي في بلده، المغرب الذي كان مختلفا عن المغرب الذي سلَّمه لمن سيخلفه، بين سنتي 1998 و2002.
وكان نظيرا في مسيرته الطويلة كما رأيت، خصوصا في محطاتها الرئيسية الكبرى، للرئيس المرحوم الباجي قائد السبسي طيّب الله ثراه. كلاهما شارك في معارك التحرير وطالبا بعد الاستقلال بالديمقراطية وكلّفا برعاية مسار الانتقال الديمقراطي الصعب والمعقّد والطويل، وقد قام كل منهما بواجبه تجاه وطنه باخلاص وواقعية وقدرة هائلة على استيعاب الآخرين والتأسيس للحياة المشتركة على قواعد التوافق والوحدة الوطنية والديمقراطية.. رحم الله باجي المغرب.. رحم الله سي عبد الرحمان اليوسفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *