صراعات وتباينات وخلافات حول هوية المرشح الرئاسي : الجبهة الشعبية و تبعات الأدوار الوظيفية لقيادتها المركزية .. بقلم على اللافي

 

حسمت 7 مُكونات من أصل 9 مكونة للائتلاف اليساري الموسوم بــ”الجبهة الشعبية”، أول أمس الثلاثاء 19 مارس الحالي الجدل الدائر حول مرشح الجبهة لرئاسيات نوفمبر 2019 عبر اختيار حمة الهمامي مرشحا رغم عدم إمضاء كل من حزبي “الوطد الموحد” و”القطب” للبيان الصادر عن اجتماع مجلس الأمناء، وجاءت قرارات الاجتماع بعد الجدل الدائر منذ أسبوعين بين الحزبين الرئيسيين في الجبهة أي “الوطد الموحد” و”حزب العمال” حول اسم المرشح وحول آليات اتخاذ القرار وخاصة في ظل التأجيل المتواصل للندوة الوطنية وعدد من اجتماعات المجلس المركزي وفي ظل وجود بوادر تباينات وصراعات محليا ومركزيا وجهويا منذ أشهر، ولكن ما هي عمليا أسباب التباينات بين المكونات الرئيسية، وما هي قصة الصراعات والاتهامات الدائرة في تنسيقيات الجبهة ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟، وهل هي نتاج طبيعي لتبعات الأدوار الوظيفية التي قامت بها الجبهة في المشهد السياسي منذ تأسيسها ثم غداة اغتيال المرحوم الشهيد شكري بلعيد في 06 فيفري 2013، وما هي آفاق ومستقبل الجبهة الشعبية في أفق الاستحقاقات الانتخابية ؟

++ الجبهة الشعبية ومسيرة السنوات السبع المتعثرة

تأسست الجبهة الشعبية في أكتوبر 2012 وهي عمليا تواصل وقطيعة مع “جبهة 14 جانفي” التي أسستها تنظيمات يسارية بداية 2011 أي غداة نجاح ثورة الحرية والكرامة، وغلُب على مكونات الجبهة الانتماء لأقصى ووسط اليسار الماركسي إضافة إلى ثلاث مكونات من اليسار العُروبي حيث تطورت الجبهة كميا عبر التناقص والازدياد لعدد المكونات إلا أنها لم تتطور من حيث الخطاب السياسي الذي بقي مُتمسكا بالمقولات الكلاسيكية للماركسية اللنينية من حيث العمل والتنظيم والأداء والخطاب وفي رؤيته للسياسية والتحالفات وبناء الجبهات وفي رؤيته للتطورات الإقليمية والدولية، إلا أن أكبر الأخطاء الذي سقطت فيها الجبهة هو منطق أداء ادوار وظيفية محلية وإقليمية رغم تنبه بعض رموزها لذلك في خطابها السياسي سنة 2012 ولعل أبرز من تفطن لخطورة ذلك هو المرحوم بلعيد في كثير من مواقفه وخاصة حول العلاقة بنداء تونس والأحزاب التجمعية والدستورية…

إلا أنه باستشهاده تغيرت المُعطيات والقراءات والاصطفافات وأصبحت الجبهة حليفا سياسيا وموضوعيا لنداء تونس وقوى سياسية أخرى، فظهرت جبهة الإنقاذ والتي كانت فيها الجبهة رافدا ظاهريا وتحشيديا لا غير حيث غابت في الربح وحضرت في الخسارة ذلك أن جبهة الإنقاذ حدت من الدور التاريخي لليسار التونسي حيث قلصت عمليا من فعلها السياسي الاختياري المباشر بل وأصبحت حسب البعض طرفا مُلحقا ووظيفيا باليمين الليبرالي (أنظر تصريح الأستاذ عمر الماجري – الإعلان الجديد – سبتمبر 2014)، وهو ما أكدته بلاغات وبيانات الأطراف المغادرة للجبهة (أكثر من خمس مكونات من بينها: تونس الخضراء – الوطد الاشتراكي الثوري – الجبهة الشعبية الوحدوية – جناح في رباطة اليسار العمالي التروتسكية – حزب النضال التقدمي …)، كما حسم تنظيمين ناصريين يومها بقاءهما خارج الجبهة (حزب الغد – حركة الشعب)، في ما التحق حزب “القطب” بالجبهة منذ تأسيسه كما عاد لها “الوطد الاشتراكي الثوري” (نهاية 2017) واختار “التيار الشعبي” المنشق على حركة الشعب الناصرية الانضمام لها قبل ذلك، والخلاصة أن الجبهة تأسست بـــ 11 مكونا ثم تطورت إلى 13 لتنسحب 5 مكونات ثم يلتحق مكونان وهي تضم حاليا 09 مكونات ( حزب العمال – الوطد الموحد – القطب – حزب الطليعة – التيار الشعبي – حركة البعث – الوطد الاشتراكي – الحزب الشعبي للحرية والتقدم – جناح في رابطة اليسار العمالي التروتسكية)، وبتحلل جبهة الإنقاذ في نهاية 2013 خاضت الجبهة معارك سياسية عديدة بعقلية السقوط في الأدوار الوظيفية محليا وإقليميا وخاضت انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية بتلك العقلية فتبنت مثلا خيار قطع الطريق على المرزوقي لصالح منافسه الباجي قائد السبي، وقبل ذلك علق الناطق الرسمي حمة الهمامي على لقاء الغنوشي- السبسي بالقول أن “سي الباجي يعرف آش يعمل” كما أنها اصطفت عمليا مع المحور المصري الإماراتي إقليميا، ولم يتغير في الجبهة طوال السنوات الماضية لا الخطاب السياسي ولا الممارسة ولا النظرة للواقعين الإقليمي والمحلي ورغم خسارة مكوناتها الطلابية لمعارك المجلس العلمية كل سنة ونتائجها الكارثية كجبهة في بلدات 2018 فإنها واصلت معارك التحشيد ورفع شعارات ثمانيات القرن الماضي في رؤيته للساحة السياسية وراهنت على سقوط حكومة “الائتلاف الوطني” حتى أن الهمامي أكد انه سيقع التحشيد يوم 06 فيفري لإسقاط الحكومة حتى أن البعض علق أن الهمامي يردد أحلاما في خطاباته السياسية حيث أن الهمامي نفسه لم ينزل أصلا للشارع ذلك اليوم وقبل ذلك غابت الجبهة الشعبية عن احتفالات الذكرى الثامنة للثورة…

++ مواقف مختلف مكونات الجبهة من الجدل

أ‌- حزب الطليعة العربي الديمقراطي (بعثي التوجه) كان واضحا من البداية حيث اتخذ قرارا منذ 5 أسابيع بدعم ترشيح حمة الهمامي، وقد طالب القيادي أحمد الصديق في تصريح لأحد الإذاعات الخاصة أمناء الجبهة والمجلس المركزي بإعلان مُرشح وحيد للانتخابات الرئاسية لغلق هذا الملف في أقرب وقت ممكن خاصة وأن ما لاحظه لا ينبئ بالخير لهذا يجب التحرّك بسرعة قبل أن يتفاقم الوضع والذهاب لخوض المعارك الأهمّ التي تنتظرهم، وشدد الصديق أن الرحوي دخل في حملة انتخابية سابقة لأوانها.

ب- التيار الشعبي طالب عمليا بالحسم النهائي لمرشح الجبهة الشعبية لرئاسيات 2019، حيث أكد القيادي بالجبهة عن التيار الشعبي محسن النابتي لإحدى اليوميات أن المسألة قد أحدثت توترا داخل الجبهة وخاصة الظهور الإعلامي لمنجي الرحوي ومحاولته التقليل من شأن دور بقية الأحزاب المكونة للجبهة وهذه التصرفات قد أساءت إليهم كثيرا، وقال النابتي مضيفا أن “الرحوي اتبع طريقا مغايرا عبر الضغط سواء على صفحات الفايسبوك أو في وسائل الإعلام والقرارات لا تؤخذ بهذه الطريقة”، كما اتهم النابتي أن “هناك سوء تقدير كبير من قبل حزب الوطد في علاقة بدفع الأمور بهذه الطريقة قبل قرار المجلس المركزي، وما قام به هذا الحزب هو خرق لكل المواثيق ولن تبقى الجبهة رهينة الحملات التي يقوم بها الرحوي”…

ت‌- أحزاب ومكونات على غرار “حركة البعث” و”رابطة اليسار العمالي” و”الحزب الشعبي للحرية والتقدم” و”الوطد الاشتراكي الثوري” هي أيضا ساندت حسم الأمر داخل مجلس الأمناء مثلها مثل “التيار الشعبي” وحزب الطليعة” وحزب العمال” وهي أحزاب وافقت على ترشيح الهمامي من خلال إمضائها لبيان مجلس الأمناء…

ث‌- حزب “الوطد الموحد” و”حزب القطب” لم يمضيا عمليا البيان الصادر أول أمس الثلاثاء عن مجلس الأمناء مما يعني أن لهما خيارات أخرى بديلة أو لاحقة، أو بالأحرى سينتظران اجتماعات الهياكل المركزية خلال الأيام القادمة ولكن الثابت أن هناك إعادة فرز داخل الجبهة في انتظار حل القضايا الخلافية الأخرى وكيفية معالجتها وخاصة على المستويين المحلي والجهوي والتي ستحددها معارك القائمات في تشريعيات 2019 والتي قد تحدث إرباكات أخرى بعد إرباكات اقتراح الوطد الموحد للرحوي كمرشح…

++ التباينات و الصراعات الأخيرة و تبعات الدور الوظيفي

ما ظهر للعيان هو صراع حول هوية المرشح الرئاسي لم يعد داخليا بل خرج إلى العلن وبات في الواجهة، وهو ما اضطر كل المكونات تقريبا للمسارعة بايجاد آليات لفض الخلاف وتوسعه على غرار تهديد حزب الطليعة في بداية الأسبوع الحالي بمنح مجلس الأمناء مهلة بـ48 ساعة للحسم النهائي، وعمليا تواترت الخلافات التوترات والصراعات (وهي التي ليست جديدة منذ أشهر وتحديدا منذ مقررات مؤتمر حزب العمال في ديسمبر الماضي)، بل هي صراعات جسدتها وعمليا أظهرتها للإعلام حرب الزعامة الأخيرة وهي صراعات أقلقت كثيرا مُنتسبي الجبهة وقياداتها الوسطى وتنسيقياتها الجهوية في ما انخرط أنصار الحزبين الرئيسيين ( الوطد الموحد – حزب العمال) في الاصطفاف وفي سرد الاتهمات على الشبكات الاجتماعية وهو ما أضر بصورة الجبهة لدى منتسبيها ولدى الرأي العام وكانت له ترتباته السياسية والتنظيمية محليا وجهويا ومركزيا…

ومنذ ظهور التباينات وتوسع الجدل اختار الهمامي الصمت والتقيد الظاهري بقرارات المجلس المركزي لاستمالة أكبر عدد ممكن من مؤيديه، أما الرحوي فقد انطلق في حملته الانتخابية في محاولة للضغط وجلب أكثر عدد من مناضلي الجبهة لصفه لا سيما وأنه يحظى فقط بدعم حزبه وسند قوى ضغط على الجبهة من خارجها، ومن الواضح أن التنافس الحاصل كان على أشدّه بين الرجلين ولن يوقفه قرار مجلس الأمناء والذي ستكون له تداعياته الكبيرة داخل الجبهة وداخل الحزبين فالخلاف تاريخي بين “الوطد” و”البوكت”( التسمية السابقة لحزب العمال)، وعمليا خلق الجدل القائم وسيخلق توترا كبيرا صلب الجبهة الشعبية وستكون ترتباته كبيرة على الكتلة البرلمانية (15 نائبا) وأيضا على اختيارات قوائمها في تشريعيات 2019 خاصة وان أعضاء “الوطد الموحد” اختاروا الدعوة للجنة مركزية لحزبهم في ما رفض بعض قياديي حزب العمال طريقة تعامل قيادة حزبه مع مجريات الجدل على غرار نص رئيس التحرير السابق لصحيفة “صوت الشعب” (صحيفة حزب العمال) “عبد الجبار المدوري” والذي ذكر بالعلاقة المتوترة بين التنظيمين منذ بداية التسعينات وحذر من مواصلة نفس السياسات تجاه الوطد والتي قال أنها لم تفد البوكت يوما..

خطورة الترتبات ومآلات المعركة الأخيرة بين “الوطد الموحد” و”العمال” وان تفطن إليها العديد من قيادات الجبهة والذين طالبوا من مختلف مكوناتها وأحزابها بضرورة إنهاء الإشكال والخروج بقرار نهائي قبل مزيد تعقيد الوضع، وذلك وعيا بمنهم بأن الوقت يلعب ضدّ الجبهة والمطالبة بان تحل إشكالات أخرى عالقة تنظيميا وسياسيا وفي علاقاتها ببقية مكونات المشهد السياسي وبترتبات التطورات مغاربيا وإقليميا ودوليا، إضافة إلى أن الجبهة خسرت معارك كثيرة أضرت بها مواقف وبيانات وتصريحات وجعلت مصداقيتها نسبية على غرار سياسات ما عرف بـــ”هيئة الدفاع” والتي أدى فشلها وعدم تقبل الرأي العام لخطابها إلى تشكيل ما يعرف بـــ” محامون ضد التمكين” وهو سقوط مدو لسياسة القيام بأدوار وظيفية بوعي أو دون وعي، فمتى ينتبه اليسار أن هذه ليست أدواره التي ناضلت من أجلها تياراته ومناضليه في شبابهم …

 

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية بتاريخ 21 مارس 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *