سباق مع الزمن بين أنصار القطيعة ودعاة التوافق .. بقلم كمال بن يونس

تونس: العد العكسي لنهاية ائتلاف حاكم
سباق مع الزمن بين أنصار القطيعة ودعاة التوافق
أحدثت تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن القطيعة مع حزب «حركة النهضة»، أكبر التنظيمات الإسلامية في تونس، زوبعةً غير مسبوقة داخل الطبقة السياسية وصناع القرار السياسي والمراقبين الأجانب لتجربة الانتقال الديمقراطي في البلاد. ولقد تراوحت ردود الفعل على تلك التصريحات بين استبشار بعض المعارضين بتصدّع الائتلاف الحاكم بين «النهضة» وحزب «نداء تونس» – حزب الرئيس -، واعتراضات قوية عليها في محاولة لتجنب القطيعة النهائية بين الحزبين اللذين اعتبر الرئيس التونسي وزعماء «النهضة» أن التوافق بينهما منذ خمس سنوات كان وراء نجاح ما سُمّي بالاستثناء الديمقراطي التونسي. فهل ينتصر دعاة العودة إلى القطيعة والصدام بين العلمانيين والإسلاميين، أم أولئك المتمسّكون بخيار التوافق وتبادل التنازلات السياسية؟ وكيف سيتطوّر المشهد السياسي بعد تعمّق الهوّة بين جناحي الحزب الحاكم من جهة، ومؤسستي رئاسة الجمهورية بزعامة الباجي قائد السبسي ورئاسة الحكومة بزعامة يوسف الشاهد من جهة ثانية؟

في ظل انحياز قيادة حزب «حركة النهضة» الإسلامي التونسي وعشرات من أعضاء البرلمان من تيارات مختلفة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مقابل اصطفاف قيادة النقابات والحزب الحاكم ضده، ارتسمت علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كان الشاهد وحلفاؤه سيربحون معركتهم المفتوحة مع قصر قرطاج الرئاسي ونجل الرئيس حافظ الباجي قائد السبسي وحلفائه، أم يحصل العكس.
إنه، حقاً، السباق مع الزمن بين أطراف سياسية واجتماعية كثيرة تسير في خطّين متوازيين: خط التوافق، وخط القطيعة والصدام، مع أن عين كل السياسيين مصوّبة منذ الآن نحو انتخابات العام المقبل الرئاسية والتشريعية التي أكد الرئيس التونسي تنظيمها في موعدها.
تصريحات الرئيس الباجي قائد السبسي تحدّثت لأول مرة منذ انتخابات 2014 عن القطيعة مع قيادة «النهضة»، على الرغم من تنويهه بعلاقاته الشخصية بزعيم الحركة راشد الغنوشي. في المقابل وجه علي العريِّض، رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس «النهضة»، رسائل تطمين جديدة للرئيس قائد السبسي. ولقد حاولت تصريحات العريِّض ورفاقه محاصرة الأزمة، ونفت أن تكون رئاسة الحركة أرادت توجيه رسائل سياسية إلى الرئيس توحي بالقطيعة معه ومع قيادة الحزب السياسي الذي أسسه قبل 6 سنوات، وتمكن بفضله من الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2014.

انحياز للشاهد ضد نجل الرئيس

غير أن المعطيات الموضوعية تؤكد أن الخلافات بين قيادات الحزبين الكبيرين المشاركين في الائتلاف الحاكم خلافات حقيقية، وتعمقت منذ مطلع العام الحالي بسبب معارضة قيادة «النهضة» دعوات الرئيس ونجله إلى إسقاط حكومة يوسف الشاهد، وانحيازها إليه في خلافاته مع زعيم الحزب الذي أوصله وغالبية الوزراء وأعضاء البرلمان إلى الحكم قبل 4 سنوات.
في المقابل، تمسكت «النهضة» بموقفها بحجة الدفاع عن الاستقرار الحكومي والسياسي وطنياً، وهذا، رغم المطالبات العلنية بإقالة الشاهد الصادرة عن الرئيس التونسي ونجله حافظ المدير التنفيذي للحزب الحاكم وعن زعيمي نقابات العمال نور الدين الطبوبي واتحاد رجال الأعمال سمير ماجول… وكذلك عن قيادات أحزاب المعارضة مثل عصام الشابي أمين عام «الحزب الجمهوري» وغازي الشواشي زعيم حزب «التيار الديمقراطي» ومحسن مرزوق الوزير السابق وزعيم حزب «مشروع تونس».

معركة الكل ضد الكل

واستفحل الأمر منذ مايو (أيار) الماضي، عندما قرر الرئيس التونسي والزعيم المؤسس لـ«نداء تونس» تعليق العمل بما سُمّي بـ«وثيقة قرطاج» بنقاطها الـ64 التي صاغها مسؤولون في رئاسة الدولة وخبراء سياسيون ونقابيون طوال 4 أشهر، وضمنوها استراتيجية جديدة وتصورات شاملة لمعالجة مشكلات تونس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
والواقع، أن الأفرقاء السياسيين وصلوا إلى هذا المأزق بسبب اعتراض «النهضة» على النقطة 64 من «وثيقة قرطاج 2» الخاصة بتغيير رئيس الحكومة، ودعت إلى تكليف الحكومة نفسها بتنفيذ الاستراتيجية الجديدة واللجوء عند الاقتضاء إلى تغيير بعض الوزراء دون المساس برئيسها الشاهد. ومن ثم، تعمقت الهوة بين الطرفين لما أدلى الشاهد بحوار تلفزيوني حمّل فيه نجل الرئيس والمسؤول الأول في حزب «نداء تونس» حافظ قائد السبسي مسؤولية جلّ الأزمات التي تعاني منها البلاد ومؤسسات «نداء تونس»، وبينها خسارته نحو مليون صوت في الانتخابات البلدية العامة التي نظمت يوم 6 مايو الفائت مقارنة بانتخابات. يذكر أن «النداء» حصل في تلك الانتخابات على المرتبة الثانية بعد «النهضة» بعدما سبق له التفوق عليها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة بنحو نصف مليون صوت.
وهكذا، أوجدت «معركة الكل ضد الكل»، منذ مطلع الصيف المنقضي، اصطفافاً سياسياً بين قطبين سياسيين: الأول بزعامة رئيس الجمهورية ونجله وقطاع من كوادر «نداء تونس» والزعماء النقابيين، والثاني بزعامة رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي فتح في الوقت عينه عدداً من الملفات السياسية التي منحته شعبية نسبية، من بينها بعض ملفات سوء التصرف والفساد، واستفاد من دعم «النهضة» صاحبة الكتلة الأولى في البرلمان له. وفي ظل هذا الدعم والخلافات الكبيرة داخل حزب «النداء» والمعارضة الليبرالية واليسارية، عجزت رئاسة الجمهورية عن إقالة حكومة الشاهد عبر البرلمان.

ورقة الإسلام والحداثة

في هذه الأثناء تحرّكت قيادات من القطبين لبناء جبهات انتخابية سابقة لأوانها تأهباً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة في العام المقبل. ولقد استخدم الرئيس التونسي في الأثناء ورقة سياسية ثقافية اجتماعية توقّع أن ينجح من خلالها في توجيه ضربة قوية إلى «النهضة» وحلفائها، وبينهم رئيس حكومته المتمرد. إذ غيّر قائد السبسي سلاح الصراع فتبنّى مشروعاً جديداً لتعديل قانون الأحوال الشخصية المثير للجدل يشمل المساواة في الإرث، كانت قد أعدته لجنة من الخبراء العلمانيين الليبراليين واليساريين بزعامة الخبير في الدراسات الحضارية والأديان المقارنة عبد المجيد الشرفي والحقوقية النسوية بشرى بالحاج أحميدة. هذا المشروع نجح في إبراز اصطفاف انتخابي سابق مبكّر شبيه بما جرى في 2014 بين ما سُمّي بتياري الحداثة والهوية، أو تياري التجديد والمحافظة. وكسب قائد السبسي وأنصاره بفضل هذا المشروع دعماً كبيراً من داخل النخب الحداثية والنسوية والإعلامية والثقافية التونسية والأجنبية، مثلما كشفته وسائل الإعلام التونسية والمظاهرات المناصرة له والمعارضة لـ«حركة النهضة»، مع اتهامها بالمحافظة والتزمت.
بيد أن استطلاعات الرأي، التي أعدتها مراكز مستقلة تونسية وأجنبية، بينها مؤسسة «سيغما كونساي»، كشفت أن الغالبية الساحقة من التونسيين والتونسيات يتحفّظون على المشروع الرئاسي للمساواة بين الجنسين في الإرث، ويعارضون بقوة بعض توصياته التحررية الأخرى، بينها الإقرار بحقوق المثليين والعلاقات الجنسية خارج مؤسسة العائلة.
وبالتالي، استرجعت «النهضة» موضوعياً دعماً معنوياً وسياسياً من نحو مليون من ناخبيها المحافظين والمتدينين، الذي صوّتوا لمرشحيها في انتخابات 2011، ثم خسرت أصواتهم في انتخابات 2014 البرلمانية وانتخابات 2018 البلدية، في أعقاب ما اتهمت به من تنازلات سياسية وفقهية تحت ضغط العلمانيين والعواصم الغربية، وذلك في سياق محاولاتها البرهنة على الصبغة المدنية للحركة، وعلى قبولها التأقلم مع قيم الحداثة والمعاصرة.

الذكرى الخامسة للقاء باريس

هذا الاصطفاف السياسي والانتخابي، والبدء المبكّر لعملية التحضير لانتخابات 2019، أبرزا رئيس الحكومة يوسف الشاهد الشاب (42 سنة) في موقع المرشح الأوفر حظاً لخوض مغامرة الرئاسيات المقبلة. وحقاً، نجح الشاهد في أن يجمع حوله قطاعاً من كوادر حزبه ومن المنشقّين عنه، إلى جانب تيار من نشطاء «النهضة» الذي قد يكتفي بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية على غرار ما فعل في 2014، بسبب المعارضة الإقليمية والدولية لوجود محسوبين على تيارات الإسلام السياسي على رأس الدولة.
وعلى الرغم من أجواء الإجازات الصيفية والأعياد، تواصلت المقابلات بين قيادات من الحزبين الكبيرين من جهة، وبين الرئيس التونسي ورئيس «النهضة» حليف رئيس الحكومة من جهة ثانية. لكن الأوضاع تطورت سلباً، وكادت تؤدي إلى قطيعة عندما أدلى الرئيس التونسي بتصريحات تلفزيونية تتهم الحكومة الحالية ورئيسها بالولاء لـ«حركة النهضة»، وبخسران حزامها السياسي الذي كان يضم النقابات ونحو 5 أحزاب.

خلط أوراق

قيادة «حركة النهضة»، من جانبها، ردّت الفعل، وشنّت حملة واسعة لمنع القطيعة مع الرئيس التونسي والموالين له في حزبه عبر نشر رسالة مطوّلة وجهها رئيسها راشد الغنوشي إلى الرأي العام في مختلف وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية بمناسبة الذكرى الخامسة لـ«لقاء باريس» بينه وبين الباجي قائد السبسي الذي كان يتزعّم المعارضة. وأسفر اللقاء، الذي عقد في أغسطس (آب) 2013، بعد أسابيع قليلة من إسقاط حكم الدكتور محمد مرسي و«الإخوان المسلمين» في مصر، عن اتفاق بين قائد السبسي والغنوشي على أن تتنازل «النهضة» عن السلطة لفائدة «حكومة تكنوقراط» تشرف على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في 2014. وذكر الغنوشي، في رسالته المفتوحة إلى الشعب وإلى السياسيين، في الذكرى الخامسة لـ«اتفاق باريس»، بأن حركته تنازلت عن الحكم وهي في أوج القوة… فجنّبت البلاد أزمات وصراعات وحمامات دم، وأنجحت مجدداً خيار التوافق التونسي والانتقال الديمقراطي السلمي.
ونوّه الوزير السابق للخارجية رفيق عبد السلام (من «النهضة») بالمناسبة بحاجة تونس إلى التمسك بخيار التوافق بين قطبي الائتلاف الحاكم الذي بدأ في باريس في صيف 2013 بين قائد السبسي والغنوشي. وأورد عبد السلام أن التوافق بين «النهضة» مع الباجي قائد السبسي وأنصاره «لم يكن صفقة انتهازية أو خياراً تكتيكياً أو مناورة ظرفية، بل خياراً مبدئياً استفادت منه تونس وكل الأطراف… وأن حركة النهضة خرجت من الحكم في موفى 2013 ولكنها لم تخرج من السياسة. لم تنقذ نفسها وحسب من محرقة كانت تعد لها، بل أنقذت بانسحابها من السلطة الثورة من الارتداد، وأنقذت ما غدا يعرف بالنموذج التونسي والاستثناء التونسي: واحة للحرية والديمقراطية وسط فضاء عربي ضربه إعصار مدمّر».
كذلك اعتبر الوزير السابق للعدل نور الدين البحيري، أن البلد سيكون عرضة لمفاجآت خطيرة إذا ما ساير دعاة القطيعة والصدام والعنف والابتعاد عن مسار التوافق السياسي والمجتمعي بين قيادات الحزبين الكبيرين وبقية مكوّنات المجتمع المدني.

تطمينات وميزان قوى

ولكن، في مثل هذه الظروف، ثمة من يسأل: هل يكفي التذكير بهذا المسار لإقناع قائد السبسي وأنصاره وخصومه العلمانيين والليبراليين واليساريين المناصرين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بضرورة تجنب «سيناريو» دفع تونس مجدداً نحو القطيعة والعنف والعنف المضاد بين حزبي «النداء» و«النهضة»، أو بين تياري الحداثيين والمحافظين؟ وألن تربك أوضاع تونس الاقتصادية والاجتماعية، التي تدهورت كثيراً، دعاة الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتساهم في تفجير اضطرابات اجتماعية وأمنية جديدة يكون الشباب والعاطلون وقودها؟
الجميع في الحكم والمعارضة، داخل التيارات الحداثية والمحافظة، يقرّ بأن الأوضاع باتت هشة جداً في تونس وفي محيطها الإقليمي، وبأن انهيار العملة التونسية واستفحال المديونية وتنامي العجز التجاري ونسب البطالة والفقر، من التطورات الخطرة التي لا يخدمها إضعاف الدولة المركزية والإدارة، أو دفع السياسيين نحو القطيعة والصدام والعنف والعنف المضاد.

اليسار التونسي: المستفيدون من القطيعة كثيرون

> لكن، في الوقت ذاته كشفت ردود فعل زعماء من المعارضة اليسارية مثل حمّة الهمامي زعيم حزب «العمال الشيوعي»، وزياد الأخضر زعيم حزب «الوطنيين الديمقراطيين»، ومحمد عبو زعيم «التيار الديمقراطي»، أن المستفيدين من القطيعة بين حزبي الائتلاف الحاكم كثيرون. ولعل الأهم بالنسبة لهؤلاء جميعاً تحسين موقع الأطراف السياسية والحزبية المعارضة في الوقت نفسه للإسلاميين ولحلفائهم أنصار النظام السابق تحت يافطة حزب «نداء تونس» حيناً و«الائتلاف الوطني» حيناً آخر.
ويقلل الهمامي والأخضر ورفاقهما في اليسار النقابي والسياسي من أهمية الحديث عن قطيعة وصدام بين قيادات «النهضة» و«النداء»، أو بين قائد السبسي والشاهد والغنوشي، ويعتبرون أن أركان السلطة الحالية جميعاً «متحالفون مع مناصري الرأسمالية التقليدية داخل تونس، ومن بين تلامذة صندوق النقد الدولي والرأسمالية العالمية المتوحشة من جهة ثانية».
كذلك كشفت ردود فعل قياديين بارزين في اتحاد نقابات العمال، مثل سامي الطاهري وسمير الشفي، أن «الاتحاد العام التونسي للشغل» ماضٍ في التصعيد الاجتماعي، وفي التلويح بالإضراب العام في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين، لأسباب عديدة؛ من بينها محاولة إسقاط الحكومة وتغيير المشهد السياسي بما من شأنه إبراز قوة سياسية ثالثة تستفيد من تراجع شعبية حزبي الائتلاف الحاكم الحالي والفوز بغالبية نسبية في انتخابات العام المقبل.

موازين القوى… والبديل المحتمل

يعتبر وزير التربية السابق والقيادي في حزب «نداء تونس» ناجي جلول، أن المشهد السياسي القادم في تونس لن يتحكم فيه مستقبلاً حزبا «النهضة» و«النداء»، ولكن الطرف السياسي الجديد الذي يمكن أن يفوز بأغلبية نسبية في الانتخابات البلدية المقبلة.
ويمضي جلول قائلاً: «إذا كانت كتلة حركة النهضة في البرلمان تحكمت في المشهد السياسي الحالي اعتماداً على 68 نائباً من بين 217 عضواً في البرلمان، واستفادت من تشرذم السياسيين، فإن البرلمان المقبل يمكن أن تتحكم فيه كتلة سياسية جديدة لديها أقل من 50 نائباً فقط». كما اعتبر 80 من بين قيادات حزب الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي أعلنوا انشقاقهم مؤخراً، وبينهم الوزيران السابقان عدنان منصر وطارق الكحلاوي، أن المشهد السياسي أصبح اليوم هشاً جداً، ويفتقر إلى زعماء يحترمون فعلاً الديمقراطية داخل أحزابهم وفي البلاد.
ومن ثم، ثمة من يتساءل: كيف سيتغير المشهد السياسي قبل انتخابات العام المقبل في ظل كل هذه التعقيدات؟ وهل يمكن صنع زعماء جدد في ظرف بضعة أشهر يكونون قادرين على كسب ثقة ملايين الناخبين؟ وهل يمكن لغالبية الناخبين والشباب المصابين بالإحباط بسبب إخفاقات أغلب النخب الليبرالية واليسارية والإسلامية الحاكمة والمعارضة أن يسترجعوا الثقة في صناديق الاقتراع وفي شعارات التداول السلمي على السلطة؟
كل الفرضيات واردة… لكن يبدو اليوم أن السباق على أشده بين أنصار التهدئة والتوافق من جهة، ودعاة القطيعة والصدام من جهة ثانية.
المعركة في 2013 حُسمت لصالح أنصار التوافق والائتلاف، لأن موازين القوى الداخلية والخارجية لم تكن لصالح حكومة «النهضة» وحلفائها ولا لفائدة معارضيها الاستئصاليين، وبينهم رموز النظام السابق. واليوم قد يستفيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد وأنصاره، وبينهم وزراء وبرلمانيون ورجال أعمال، من إعلان القطيعة بين قصر قرطاج وقيادة «النهضة» لبناء حركة سياسية ثالثة مطلع العام الجديد تكون نواتها كتلة برلمانية جديدة ترفع شعار «التغيير» وكسب انتخابات موفى 2019.
كذلك قد تدعم بعض لوبيات المال والإعلام طرفاً سياسياً جديداً يعدّل المشهد السياسي، ويضع حداً للاستقطاب الثنائي الذي تعاني منه تونس منذ 40 سنة بين قطبين يتنازعان الحداثة والمحافظة، أو الليبرالية والدفاع عن الأصالة والهوية، أو العلمانية والإسلام.
وفي كل الحالات لا بد من توافر شروط عديدة، من بينها بروز زعماء جديد يتمتعون بالمصداقية والإشعاع، ويتصالحون مع الشباب والطبقات الوسطى والشعبية التي تعمقت القطيعة بينها وبين كل السياسيين بيمينهم ويسارهم منذ سنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *