رئيس هيئة “الدفاع عن الحريات والديمقراطية” : انهيار المسار الديمقراطي سيفرز دكتاتورية تدوم عشرين عاما

++اسقاط حكومة الفخفاخ لم يكن في محله

كمال بن يونس

تأسست مؤخرا في تونس “هيئة وطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية ” بحضور شخصيات من عدة تيارات فكرية وسياسية بينها عياض بن عاشور ، الخبير الحقوقي الدولي ورئيس “البرلمان الانتقالي” عام 2011 ، وزعماء أحزاب لم ينخرطوا في مبادرتي ” مواطنون ضد الانقلاب ” و” جبهة الخلاص الوطني”..

وقد اسندت رئاسة هذه الهيئة إلى المحامي اليساري والحقوقي العياشي الهمامي الذي تزعم بين 2005 و 2008 ” جبهة 18 أكتوبرللحريات ” ، وعين في حكومة الياس الفخفاخ عام 2020 وزيرا مكلفا بحقوق الانسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني لمدة نصف عام .

الاعلامي والاكاديمي كمال بن يونس التقى العياشي الهمامي واجرى معه الحوار التالي:

* استاذ العياشي الهمامي ..

أعلنتم مع فريق من الحقوقيين عن مبادرتكم في سياق سياسي من الحراك المعارض لقرارات الرئيس قيس سعيد منذ يوليو الماضي..

فهل امتداد لمبادرتي مواطنون ضد الانقلاب ، بزعامة الحقوقي اليساري الوزير السابق جوهر بن مبارك ، و جبهة الخلاص الوطني بزعامة السياسي المخضرم المحامي أحمد نجيب الشابي ؟

وهل هي مبادرة تهدف إلى توفير حزامي جديد للمبادرتين الاولى والثاني من بين الشخصيات والأطراف السياسية التي اعتذرت عن الانخراط فيهما لأن سقف مطالبهما السياسية مرتفع جدا مثل الدعوة إلى ” عزل الرئيس” و” إسقاط كامل منظومة 25 يوليو “؟

++ شكرا على طرح السؤال بوضوح ..

لكني أؤكد للجميع أن مبادرتي ” مواطنون ضد الانقلاب ” و” جبهة الخلاص” سياسيتان بامتياز ولديهما أجندا سياسية واضحة ..

في المقابل نحن نشطاء ديمقراطيون نهتم بالسياسة لكننا ندافع أساسا عن عن الحريات العامة والفردية وعن الحقوق .

وقد لاحظنا وجود حاجة في المجتمع وفي البلاد إلى هيئة تجمع بين اولوية الدفاع عن الحريات والحقوق والديمقراطية ..أي أننا نختلف عن المنظمات التي تتعامل مع قضايا حقوق الإنسان مثلا باعتبارها حالات انسانية وسياسية ومطالب معزولة عن النظام السياسي الذي قد يكون استبداديا ودكتاتوريا ..أي أن الانتهاكات فيه تكون شبه دائمة ..

ونعتقد أن من بين شروط احترام الحريات والحقوق النظام الديمقراطي ..

واليوم نعتقد أن النظام الديمقراطي في تونس في خطر وعلينا التحرك بسرعة وبنجاعة لتجنب الأسوأ..

الاستفتاء صوري؟

++ تقول “الديمقراطية في خطر”.. بينما يعترض على ذلك الرئيس وأنصاره ويستدلون استدل بكون قوات الأمن تحمي مظاهرات المعارضة ومؤتمراتها السياسية والإعلامية..

مازلنا نتمتع ببعض الحقوق وهامش من الحريات باتت بدروها مهددة لان رئيس الجمهورية الحالي انقلب على الدستور وقام بتفكيك مؤسسات الدولة المنتخبة وهو بصدد ارساء مؤسسات غير منتخبة مثل هيئة الانتخابات الجديدة التي وقع تنصيبها ومجلس الاعلى للقضاء الذي يراد له أن يعوض المجلس المنتخب ..

ويتخوف الديمقراطيون أن تكون نتيجة الاستفتاء تزييف ارادة الشعب وإضفاء مشروعية على الحكم الفردي بهدف الاستيلاء على السلطة نهائيا..وقتها قد تصبح اجتماعات شخصين من المعارضة او م الإعلاميين خرقا للقانون وللإجراءات الاستثنائية فتعود البلاد إلى مربع الدكتاتورية والاستبداد..

لذلك تتأكد حاجة المجتمع المدني لتشكيل هيئة وطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية.. ترفض دفع البلاد نحو ” استفتاء صوري” وانتخابات تشرف عليها السلطة التنفيذية بعد حل الهيئة العليا المستقلة المنتخبة وتعويضها بهيئة عينتها رئاسة الدولة ..

+ إذا افترضنا أن الاستفتاء سينظم رغم ضعف نسبة المشاركة ،هل من المتوقع أن تطرح السلطة في هذا الاستفتاء فرضيتي تصويت بنعم ولا على المشروع ؟

أم أنها ستتحرك منذ الآن على أساس أن نتيجة الاستفتاء كانت تزكية نتائج الاستشارة الالكترونية ومشروع الرئاسي حول استبدال النظام البرلماني المعدل بنظام رئاسي ..رغم معارضة النقابات والأحزاب ؟

– ليس لدينا أي فكرة ..لم يطلع احد على مشروع الدستور والاستفتاء ..كل شيء ممركز في قصر قرطاج ..

الوثائق حجبت عن الجميع بما في ذلك عن المحسوبين على الرئيس الذين ينتظرون أي إشارة لإعلان مساندتهم ..

لا احد يعرف حجم الأخطار التي تهدد المكاسب الديمقراطية التي ناضل من اجلها التونسيون طوال عقود ..

وليس معروفا بعد ان كان الدستور سوف يعدل كاملا ام جزئيا وعلى اي أساس ؟ ومن سيقوم بذلك؟

وليس معروفا الى حد الان النص الذي يقنن تفاعل الدولة مع نتيجة الاستفتاء اذا ما عارضت الأغلبية المشروع الرئاسي وصوتت ضده ..هل سيتسقيل الرئيس مثلا في صورة التصويت ب”لا”..

لذلك نحن نحذر من الانحراف نحو نظام دكتاتوري لا يكشف الحقيقة للشعب ..ويفاجئ الشعب كل مرة بقرارات تعارضها الأغلبية ولم ينظم حولها حوار تشاركي ..

وحاليا نحن في مناخ يسود فيه الانفراد بالرأي و الاقصاء والخطاب الشعبوي والعداء للغير والتهجم بأسلوب “هلامي” على “الآخر”.. وعلى من وقع اتهامهم ب” الخيانة ” وبكونهم ” يعملون في الظلام والغرف المظلمة “..

دورنا كديمقراطيين وحقوقيين وانصار للحريات أن نقول الحقيقة وأن نسعى لأن نجنب بلادنا التضحية بالحريات والديمقراطية وسقوطها مجددا في مستنقع الدكتاتورية والاستبداد..

+ لكن الاستاذ قيس سعيد فاز في الانتخابات لاسباب عديدة من بنيها أنه كان طوال عقود مناصرا للديمقراطية والدستور ونائبا لرئيس الجمعية التونسية للقانون الدستوري مع استاذه المرحوم عبد الفتاح عمر..فكيف اختلطت الاوراق وتغيرت التحالفات ؟

– نتائج الانتخابات الماضية توحي بأنه وقع “التغرير” بالراي العام والناخبين..

هو استفاد من ” الانتخاب المفيد” في الدور الثاني للانتخابات ..لان الغالبية كانت ضد المرشح الثاني الذي كانت تحوم حوله شبهات فساد ..

هرب الناخبون من القطرة فوقعوا تحت الميزاب..

توقعوا ان رجل القانون الدستوري سوف يكون في مستوى المسؤولية واحترام علوية القانون والدستور و لم يتوقعوا ان تسقط البلاد في الشعبوية والقرارات الفردية التي تنال من المكاسب الدستورية والقانونية ..كما لم يتصوروا أنه يمكن أن يقود مسار انقلاب على الدستور والمؤسسات المنتخبة ..

غلطة استقاط حكومة الفخفاخ

لكن كل الاطراف السياسية تتحمل مسؤولية الدفع بالانتخابات والبلاد نحو المازق الحالي ؟

الا تعتبرون ان من بين الاولويات اليوم أن تعلن قياداتها نقدا ذاتيا عن غلطاتها السياسية بما في ذلك سوء ادارة ملف انتخابات 2019 واسقاط حكومات الحبيب الجملي والياس الفخفاخ وهشام المشيشي وبصفة أخص حكومة الفخفاخ التي كان رئيسها وأغلب أعضائها قريبين إلى الأحزاب التي ناضلت من اجل التعددية والديمقراطية قبل 2011 وبعدها بما في ذلك عبر ” مبادرة جبهة 18 أكتوبر 2005 “؟

– بصفتي رئيس الهيئة ليس من صلاحياتي تقديم موقف من القضايا الخلافية ومن بينها هذه المسألة ..

شخصيا أعتقد أنه لا بد لكل السياسيين القيام بقدر من النقد الذاتي لتعزيز جبهة النضال من أجل الديمقراطية والحريات ولو عبر بيانات عامة نظرية تتعهد بالاصلاح والتغيير ..

+ شخصيا كيف تفاعلت مع تبرئة القضاء مؤخرا للسيد الياس الفخفاخ من شبهات تضارب المصالح و عدم احترام الاجراءات القانونية ؟

شخصيا فرحت كثيرا بتبرئته وتوقعتها منذ البداية ..

لان السيد الياس الفخفاخ كان مطالبا بتسوية بعض الملفات الادارية والقانونية التي تهمه وتهم مؤسساته بعد توليه رئاسة الحكومة بشهرين كحد أقصى ..لكن ذلك كان مستحيلا بسبب الاغلاق العام في 2020 بسبب وباء كورونا .. لان كل الادارات والقباضات اغلقت وصدر قرار رسمي بتاجيل كل العمليات الادراية والمالية والجبائية والقانونية لمدة 4 اشهر ..

وقد تعرض الفخفاخ الى حملة شيطنة بينما الجميع يعلم ان الامر يتعلق بوضعية استثنائية بسبب وباء كورونا وقرار رسمي بالاغلاق العام رافقه قرار تاجيل قانوني لكل الاجراءات الادارية والمالية بما فيها تلك التي تهم الفخفاخ ..

الاجل القانوني انتهى في جويلة وليس في 27 افريل بسبب حالة الحظر الشامل والغلق الكامل للادارات ..

+ هل يمكن ان يؤدي حكم تبرئة السيد الياس الفخفاخ الى مراجعات واعادة فتح باب الحوار بين الاطراف السياسية التي شاركت في حكومته وتصدع التحالف بينها بسبب ما يعتبره البعض ” افتعال ” قضايا عدلية و”اجرائية ” ضد الفخفاخ وحزبه والمقربين منه ؟

— هذا السؤال يجب ان يوجه اليهم

++ هل هناك نقاط التقاء بين جبهتكم الجديدة وتجربة جبهة ” 18 أكتوبر” التي تأسست في 2005 بعد اضراب جوع دام أكثر من شهر في مكتبكم للمحاماة شارك فيه عدد من أبرز زعماء المعارضة والحقوقيين من كل التيارات ..وتطور الى صياغة وثائق فكرية سياسية مجتمعية وتحركات مشتركة دامت سنوات ؟

يقول محمود درويش : ” لكل نهر منبع ومجرى ومراكب”..واليوم نقول ” لكل مقام مقال” ..

اكيدا ان هناك شبه بين جبهتنا الجديدة وتجربة 18 اكتوبر2005 ..

لكن مبادرتنتا اليوم جاءت لأن الاهم بالنسبة الينا تجاوز النقص الحاصل في البلاد اليوم لان بعض المنظمات الحقوقية التقليدية شبه ” معطلة ” في مجال الدفاع عن الحريات ..كما نعتبر أن من بين خصوصيات تجربتنا أنها تعطي أولوية كبيرة للربط بين قيام نظام ديمقراطي والنضال الحقوقي ولا تكتفي برصد الانتهاكات…

لقد حققت ثورة تونس مكاسب عديدة .. وشهد العالم طوال 10 اعوام بنجاحاتها لكنها فشلت في تحقيق الحاجيات الاجتماعية والاقتصادية ..

فهل يعقل اليوم ان نضحي في نفس الوقت بالمكاسب السياسية وبالاوضاع الاجتماعية الاقتصادية ؟

يجب إصلاح الغلطات السابقة والدفاع عن اسس الدولة الديمقراطية ..لانه اذا فشل مسار التمسك بالديمقراطية الدولة سيجد الشعب نفسه طوال 20 او 30 عاما في مرحلة نظام دكتاتوري وسيعود النضال مجددا من اجل مكاسب محدودة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *