خطوة نحو إعادة بناء الدولة

المبادرة التي قام بها رئيس الدولة الباجي قائد السبسي أمس على هامش احياء الذكرى ال60 لتأسيس وزراة الخارجية مهمة جدا وتعكس وجود مسؤولين في الحكم فكروا في توظيف الاحتفال بستينية الاستقلال لاعادة بناء مؤسسات الدولة التي اصيبت بالوهن والضعف خلال العقود والاعوام الماضية .

وبالرغم من غلطات الأعوام الخمس الماضية ـ ومن بينها عدم اعتماد مسار وطني للإنصاف والمصالحة الوطنية ـ فقد كان مهما أن يجمع إحياء ذكرى الاستقلال وتأسيس الديبلوماسية التونسية بتجميع كل أعضاء الحكومة والسفراء والقناصل العامين وكوادر الوزارة الإحياء بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية والفكرية والسياسية .

هذه المبادرة جمعت لأول مرة أجيالا من الدبلوماسيين الذين مروا بوزارة الخارجية ومصالحها طوال 60 عاما وبينهم رموز ممن تقلدوا مناصب سيادية في حقبات مثيرة للجدل في عهد بورقيبة وبن علي ثم بعد ثورة 14 جانفي 2011.

مثل هذه المبادرات ينبغي أن تعمم عند احتفال بقية الوزارات بالذكرى الستين لتونسة القطاع الذي تنتمي اليه .

فقد تداول على غالبية تلك الوزارات اداريون وعمال وموظفون سامون ومسؤولون ممن بنوا الإدارة التونسية وساهموا في بناء الدولة الحديثة مهما كانت الملاحظات والانتقادات التي يمكن أن توجه اليهم اليوم وغدا .

إن تكريس قاعدتي ” التراكم ” و” الوفاء ” للسابقين تقليد مهم كرسه اشراف رئيس الدولة أمس على انطلاق احياء ستينية الاستقلال وستينية تأسيس وزارة الخارجية التي كان اول من اشرف عليها بعد الاستقلال الزعيم الحبيب بورقيبة .

وقد يختلف السياسيون والخبراء في تقدير انجازات الإدارة التونسية ومختلف مؤسسات الدولة الحديثة خلال 60 عاما لكنهم لا يمكن أن يختلفوا في تقدير نجاحات الديبلوماسية التونسية خاصة في مراحل صراع تونس من اجل الجلاء العسكري والزراعي ثم في مرحلة التضامن مع حركات التحرر الوطني العالمية وعلى راسها حركة التحرر الفلسطينية .

كما لا يمكن للتونسيين أن يختلفوا حول الدور المميز الذي لعبته دولة صغيرة مثل تونس عند استضافتها لمنظمة التحرير الفلسطينية ما بين 1982 و1994 والأمانة العامة لجامعة الدول العربية ما بين 1979 و1991.

وكانت المحطة الأكثر إشراقا عندما نجحت الديبلوماسية التونسية في منع الولايات المتحدة في اكتوبر 1985 من استخدام حق النقض ـ الفيتو ـ ضد قرار يدين سلطات الاحتلال الاسرائيلية بعد عدوانها على تونس وقصفها لمقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط .

وشاءت الاقدار أن يكون وزير خارجية تونس وقتها الاستاذ الباجي قائد السبسي . وسجل التاريخ وقتها أن الزعيم بورقيبة استدعى السفير الأمريكي سيبستيان الى مكتبه وهدده بقطع العلاقات مع حكومته اذا استخدمت حق الفيتو ضد مشروع الشكوى الذي رفعته حكومة تونس ضد سلطات تل ابيب في مجلس الامن الدولي .

قد تتعاقب اخطاء ممثلي الادارة والدولة وتتالى انجازاتهم . لكن حبذا ان تقترن الاحتفالات بستينية الاستقلال بخطة حكومية شاملة لتقييم الحصيلة وتكريس المصالحة بين اجيال من السياسيين والاداريين ممن كانوا يؤمنون بان الوطن فوق الاعتبارات الحزبية والمعارك الظرفية على المواقع والكراسي.

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *