حول تمليك الأجانب للعقارات والأراضي .. بقلم جنات بن عبد الله


إثر موجة الانتقادات التي وجهت اليه بشأن التفويت في الأراضي الفلاحية للقطريين أثناء زيارته الأخيرة الى قطر، نفى رئيس الحكومة، هشام مشيشي، في تصريح على هامش افتتاحه للدورة الخامسة لقمة تونس الرقمية بالعاصمة يوم الأربعاء 2 جوان 2021، هذه التصريحات موضحا أن المقصود هو ضرورةرفع القيود على المستثمرين من خلال ابرام عقود طويلة الأمد للأراضي الدولية سواء للمستثمرين القطريين او غيرهم. وجاء في توضيح رئيس الحكومة أن الوضعية السيئة للأراضي الدولية المهملة تستوجب رفع كل القيود أمام الاستثمارات بما يفتح إمكانيات الشراكة مع المستثمرين القطريين وكل المستثمرين الأجانب في القطاع الفلاحي في إطار عقود طويلة المدى.
ورغم حمل هذا التصريح الأخير لعنوان النفيفان رئيس الحكومة لم ينف عملية التفويت في الأراضي الفلاحية للمستثمر الأجنبي بقدر ما عدل بوصلته على أدبيات اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة وأحكامها والتي يستند اليها قانون الاستثمار عدد 71 لسنة 2016 مؤرخ في 30 سبتمبر 2016 يتعلق بقانون الاستثمار،والقانون عدد 47 لسنة 2019 مؤرخ في 29 ماي 2019 يتعلق بتحسين مناخ الاستثمار الرامي الى تحرير الاستثمار في كل المجالات بما في ذلك القطاع الفلاحي.
هذا التعديل يندرج ضمن سياسة التعتيم والتضليل التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة والتي، في ظلها، مرر الحبيب الصيد القانون عدد 35 لسنة 2016 مؤرخ في 25 أفريل 2016 يتعلق بضبط القانون الأساسي للبنك المركزي المعروف بقانون استقلالية البنك المركزي، ويوسف الشاهد ترسانة القوانين المتعلقة بإرساء اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق التي تتقاطع مع برنامج الإصلاحات الهيكلية الكبرى لصندوق النقد الدولي بما في ذلك قانون تحسين مناخ الاستثمار المتعلق بتحرير قطاع الخدمات الذي يتضمن تحرير الخدمات المالية التي وعد بها محافظ البنك المركزي صندوق النقد الدولي في البرنامج الحكومي الذي توجهت به حكومة المشيشي الى صندوق النقد الدولي يوم 3 ماي 2021 للحصول على قرض بقيمة 4 مليار دولار.
المشيشي في إعلانه عن حق امتلاك الاخوة الليبيين للعقارات في زيارته الأخيرة الى ليبيا، وحق امتلاك الأراضي الفلاحية للقطريين في زيارته الى قطر، لم يخرج عن واجب التحفظ الذي يختفي وراءه حكام تونس الجدد لتضليل الرأي العام بقدر ما كان صريحا وشفافا أكثر من العادة وبعيدا عن المراوغة، ونطق بما جاء في قانون الاستثمار وقانون تحسين مناخ الاستثمار المصادق عليهما من قبل مجلس نواب الشعب لنشير الى أن الانتقادات التي وجهت اليه قد أخطأت العنوان باعتبار أن الجهات المسؤولة عن التفريط في سيادتنا الوطنية وتفكيك الدولة الوطنية هي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والنقدية.
فعند تمرير الفصل 5 من القانون عدد 71 لسنة 2016 المؤرخ في 30 سبتمبر 2016 الذي ينص على: “المستثمر حر في امتلاك العقارات غير الفلاحية وتسوغها واستغلالها لإنجاز عمليات استثمار مباشر أو مواصلتها مع مراعاة مجلة التهيئة الترابية والتعمير وأمثلة التهيئة الترابية”، استند تسويق حكومة الشاهد لهذا الفصل الى ما يمكن أن يمثله حق امتلاك الأجنبي للعقار من دور لجذب المستثمر الأجنبي من جهة، ودور في تنشيط الدورة الاقتصادية من جهة ثانية.
هذا التوجه في تزويق مزايا مثل هذه القوانين التي تمنح المستثمر الأجنبي جميع الحقوق التي يتمتع بها المستثمر الوطني،يقوم على أخطر مبدأ يقوم عليه النظام التجاري متعدد الأطراف للمنظمة العالمية للتجارة وهو مبدأ “المعاملة الوطنية” والذي بمقتضاه يتمتع فيه الاستثمار الاجنبي في تونس، سواء في صيغة شخص طبيعي أو شركات استثمار أو شركات تصرف في الصناديق المشتركة للتوظيف الجماعي، بحق امتلاك العقارات الصناعية والسياحية والسكنية.
أما في المجال الفلاحي فقد منحت قوانين الاستثمارحق التملك بالإيجار للمستثمر الأجنبي دون التمتع بحق البيع، بما يعني أن له حق الاستغلال خلال مدة زمنية معينة يتم التنصيص عليها في العقد (90 سنة) قابلة للتجديد.
الخطير في مجال الأراضي الفلاحية أن المشرع التونسي الذي سمح للشركات التونسية بامتلاك الأراضي الفلاحية بمقتضى القانون عدد 56 لسنة 1969 المؤرخ في 22 سبتمبر 1965 المتعلق بإصلاح الأوضاع الفلاحية والتي تقوم بعمليات استثمار فلاحي، سمح لها بفتح راس مالها لفائدة شركات استثمار ذات رأس مال تنمية يساهم فيها الأجانب والاستثمار في المجال الفلاحي دون تمليك.
هذا التوجه ثبته الفصل 15 من القانون عدد 47 لسنة 2019 مؤرخ في 29 ماي 2019 يتعلق بتحسين مناخ الاستثمار في الباب الثالث المتعلق بتيسير تمويل المؤسسات والذي نص على :” يمكن لشركات استثمار ذات رأس مال تنمية المنصوص عليها بالقانون عدد 92 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988 المتعلق بشركات الاستثمار، ولشركات التصرف في الصناديق المشتركة للتوظيف في رأس مال تنمية المنصوص عليها بمجلة مؤسسات التوظيف الجماعي الصادرة بالقانون عدد 83 لسنة 2001 المؤرخ في 24 جويلية 2001، استعمال رأس المال المحرر والمبالغ الموظفة لديها في شكل صناديق ذات رأس مال تنمية وحصص الصناديق المشتركة للتوظيف في رأس مال تنمية المحررة في اقتناء أو اكتتاب أسهم أو حصص في رأس مال مؤسسة تتم احالتها بصفة اختيارية بسبب الوفاة أو العجز عن التسيير أو التقاعد أو إعادة هيكلتها. وتستثنى من ذلك المؤسسات الناشطة في القطاع البنكي والمالي وقطاع المحروقات والمناجم. وتعتبر إعادة هيكلة على معنى هذا القانون كل ترفيع في راس مال المؤسسة موضوع الاستثمار في إطار برنامج إعادة الهيكلة”.
ويعرف الفصل 22 تاسع عشر (هكذا جاء الترقيم في نص القانون) من قانون تحسين مناخ الاستثمار صناديق الاستثمار على أنها: «تعتبر صناديق الاستثمار المتخصصة صناديق مشتركة للتوظيف في الأوراق المالية تقوم بإنجاز استثماراتها لمصلحة مستثمرين حذرين وفقا لسياسة استثمارية يتم ضبطها في نظامها الداخلي…وتكون الموجودات المكتتبة بواسطة عملة أجنبية على ملك مستثمرين غير مقيمين تونسيين أو أجانب على معنى القانون المتعلق بالصرف، أو مستثمرين مقيميين”.
ما يحسب لرئيس الحكومة هشام المشيشي في تصريحاته الأخيرة المتعلقة بامتلاك الأجانب للعقارات والأراضي الفلاحية، أنه استطاع جلب اهتمام الرأي العام التونسي الى مسائل خطيرة تتعلق بمفاهيم تم التعتيم عليها،ومغالطات مارستها السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والنقدية تجاه الشعب التونسي، ليقف التونسي اليوم على حقيقة ما تم تمريره من قوانين تصب كلها في خانة التفريط في السيادة الوطنية في اطار منوال تنمية يقوم على المستثمر الأجنبي وصناديق الاستثمار التي ستستحوذ على المؤسسات العمومية في اطار ما يسمى بإعادة الهيكلة وذلك في ظل ما يعمل البنك المركزي على تمريره اليوم بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي على خلفية مراجعة مجلة الصرف وتحرير الخدمات المالية بما يسمح للأجنبي من اقتناء حصص في المؤسسات العمومية المدرجة بالبورصة وايجار أراض فلاحية على امتداد عقدين من الزمن وأكثر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *