حكومة قيس سعيد – الياس الفخفاخ : نعم.. ولكن؟؟ بقلم كمال بن يونس

انتصر رئيس الدولة قيس سعيد ورئيس الحكومة المكلف الياس الفخفاخ وأنصارهما على “الأطراف السياسية ” و” اللوبيات ” التي أعلنت قبل أيام أنها سوف تجهض سيناريو تشكيل حكومة “تستند في شرعيتها السياسية على نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية” وتقصي أنصار منافسي سعيد في تلك الانتخابات بزعامة رجل الأعمال والاعلام نبيل القروي وقيادات حزب قلب تونس..

ومكنت مشاورات الكواليس الماراطونية من أن تعطل مشروع دفع كتلتي حزبي النهضة وقلب تونس وحلفائهما نحو استبعاد الفخفاخ واستبداله برئيس حكومة جديد بعد اسقاط حكومة يوسف الشاهد اعتمادا على الفصل 97 من الدستور. نقل سلطات البرلمان الى الرئيس وتبين أن عوامل كثيرة لعبت لصالح تشكيل ” حكومة قيس سعيد – الياس الفخفاخ ” من بينها تلويح رئيس الجمهوية بتطبيق بقية فقرات الفصل 89 من الدستور بما في ذلك حل البرلمان و الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها (؟).

وكان هذا التلويح كافيا لإقناع عدد من صناع القرار بخيار الابتعاد عن ” القطيعة والصدام ” بين قصري قرطاج وباردو ، وعن فرضية تفويض أغلب الصلاحيات التشريعية والتنفيذية لرئيس الدولة لمدة أشهر يمكن للرئيس خلالها أن يتخذ قرارات مصيرية عبر ” المراسيم ” و”الأوامر”.. وقد رحبت أغلب الأطراف السياسية بالتشكيلة المقترحة ، وأكد زعماء حزبي قلب تونس والنهضة ومعارضيهما معارضتهما لسيناريو ” الحل في الحل “.. ” شخصيات من الحجم الكبير” وبمثل هذا التطور تكون البلاد قطعت شوطا مهما في اتجاه ملء “الفراغ السياسي والحكومي” الذي برز منذ مرض الرئيس الاسبق الباجي قائد السبسي قبل حوالي 8 أشهر واستفحل بعد انتخابات 6 أكتوبرالماضي. وكشفت ردود الفعل داخل البرلمان ومقرات الأحزاب والنقابات عن ترحيب كبير بنجاح ” الوساطات ” في تجنيب البلاد فرضية السقوط في فخ مزايدات سياسية وانتخابية جديدة ..

كما كشفت قدرا من الترحيب والاستبشار ببعض التسميات في الفريق الحكومي القادم ..لمن سماهم راشد الغنوشي رئيس البرلمان وحركة النهضة ، بعد لقاء مع الفخفاخ ” ب” شخصيات من الحجم الكبير”..

كما نوه الفخفاخ في كلمته الى الشعب عند الكشف عن قائمة فريقه بمشاركة قيادات سياسية ” من الصف الأول ” في الحكومة ..بما يعني ضمنيا تفاؤلا ب” انخراط سياسي رفيع المستوى ” في دعم العمل الحكومي خلال الأشهر والسنوات القادمة ..(؟) الولاء قبل الكفاءة والخبرة ؟ لكن القراءة المتأنية للسيرة الذاتية لأعضاء الحكومة الجديدة تكشف أن أغلبهم وقع اختياره أساسا بسبب ولائه السياسي أو علاقاته الشخصية والجهوية (؟) بعدد من صناع القرار وليس نتيجة خبرته وكفاءته وشبكة علاقاته ومعرفته بالملفات والمتدخلين في مجال اختصاصه وطنيا وعالميا ..

ومن الايجابي أن يسجل أن أغلب المرشحين للحكومة الجديدة مشهود لهم بنظافة اليدين و بخلقهم واستعدادهم للمساهمة في ” انقاذ ما أمكن انقاذه ” في بلد تراكمت أزماته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية وتعقدت التحديات التي تواجهه داخليا وخارجيا .. الى درجة أن انتاجه من الفوسفاط والاسمدة تراجع الى مستوى عام 1933 بينما اصبح ملايين من ابنائه يحرمون منذ أعوام من الدراسة ومن الاستفادة من الخدمات العمومية وعلى رأسها العلاج والنقل والتربية والثقافة والرياضة …فضلا عن التمتع بحقوقهم في التأمين على المرض والتغطية الاجتماعية المجزية و..و… نقاط استفهام ؟

في هذا السياق ينوه أغلب من عرف عن قرب الشخصيات المقترحة لوزارات الدفاع والخارجية والداخلية والوظيفة العمومية والتربية والمالية ..بخصالها .. لكن من بين النقاط التي تفرض نفسها اليوم وسوف تطرح لاحقا بحدة : هل وقع اختيار هذه الشخصيات بناء على تقييم لخبرتها وكفاءتها ومعرفتها بالملفات وبالمتدخلين في القطاع ومعارفها carnet d’ adresses..أم وقع اعتماد عنصر” الولاء أولا “؟ فهل يعقل أن يعين في رئاسة الحكومة وعلى بعض وزارات ” السيادة ” و” الوظيفة العمومية ” و ” الاقتصاد ” خبراء في القانون ليس لديهم رصيد في عالم الدراسات والأبحاث الامنية والعسكرية والاستراتيجية والجيو استراتيجية وعلوم الاتصال والتسويق والعلاقات الدولية والمتغيرات الاقليمية والدولية ..؟ هل تعقل التضحية بمئات السفراء والقناصل والمختصين في الدراسات الدولية والخبراء الاداريين والمتفقدين العامين والمديرين المختصين في قطاعات الأمن المدني والعسكري والعمل الديبلوماسي والتربية و التعليم والاصلاح الاداري …وتعويضهم ب” سياسيين “و” متحزبين” من بينهم من لم يمارس يوما واحدا أي خطة إدارية أو لم يكلف برئاسة مصلحة أو ادارة فرعية ؟ ثم هل يمكن اعتبار كل ” متحزب” أو ” نقابي” سياسيا ..في بلد خسر الكثير خلال الاعوام الماضية بسبب الاعتماد على ” المناضلين” و”المتحزبين ” وأعطى الأولوية لرموز ” الايديولوجيا” وليس لاصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة ؟ حكومة بدون خبير اقتصادي ؟ في نفس الوقت تساءل المتابعون لتشكيلة الحكومة المقترحة عن الاسباب التي تفسر عدم تعيين أي مختص في الاقتصاد وزيرا ؟ صحيح أننا سجلنا في عهد كل الحكومات المتعاقبة منذ 8 أعوام دعما لل” المهندسين ” وليس للخبراء الاقتصاديين “..من حمادي الجبالي وعلي العريض والمهدي جمعة الى الحبيب الصيد ويوسف الشاهد ووزرائهم ..

لكن هل لا يمكن تدارك هذا النقص ..خاصة أن المهندس الياس الفخفاخ يتميز عن أسلافه بكونه تخرج من مدرسة المهندسين ( في صفاقس ) ثم من معاهد عليا للتصرف والادارة في أوربا ؟ ..عسى أن يقع ملء الفراغات عبر تعزيز مستشاري رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء بالخبراء وليس بمزيد من ” السياسيين ” و”المتحزبين ” و” المقربين “..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *