“حكومة انتخابات” .. “طريق الانفراج” .. بقلم العجمي الوريمي

الفكرة القوية تفرض نفسها وليس الأهم من أتى بها أو من جعل منها عنوان مبادرته السياسية إنما المهم وجاهتها وتنزيلها في السياق السياسي والاجتماعي ودورها في حلحلة الأزمات وفي إطلاق ديناميكية لمجمل المسارات وما بين المسارات المختلفة كالمسار الانتخابي وهو الأهم في هذه المرحلة والمسار الحكومي وهو حجر الزاوية في توفير أفضل المناخات للانتخابات والمسار الدستوري وهو الأصعب إذ تأخرت ولادة المحكمة الدستورية ومن دونها قد لا يدعو رئيس الجمهورية إلى الانتخابات.

Résultat de recherche d'images pour "‫العجمي الوريمي‬‎"

في هذا الإطار تتنزل أهمية فكرة حكومة الانتخابات التي دعي لها الناطق الرسمي للجبهة الشعبية حمة الهمامي الذي بدى من خلال طرحها في الموقع الأخلاقي الأفضل من ناحية الحرص على سلامة الانتخابات ونزاهتها وجعل جميع الفرقاء ينطلقون في السباق الانتخابي من خط واحد بل إن زعيم الجبهة تخفف من الشرط العبثي الذي نادت به بعض الأطراف وهو أن لا انتخابات قبل الفصل في موضوع ما سمي بالتنظيم السري.

وقد رجحت بعض التقارير الإعلامية قبل انعقاد الدورة الأخيرة لمجلس شورى حركة النهضة المنعقدة بمدينة الحمامات أن موضوع حكومة الانتخابات سيكون محور جدول أعمالها وذهبت بعيدا في التخمين والتوقعات بأن شورى النهضة سيعلن إحياء منظومة الشيخين وقد تبين أن الفكرة لم ترد في خطاب القيادة إلى أعضاء مجلس الشورى وأن النهضة ماضية في استمرار دعم الاستقرار السياسي من خلال دعم حكومة الشاهد بل سبق انعقاد دورة مجلس الشورى بسويعات لقاءا جمع رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تطرقا خلاله إلى مجمل القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني والنخبة السياسية.

 

بما يسمح بالقول أن الشاهد منح الفرصة لإبلاغ وجهة نظره وتوجهاته من خلال المقابلة مع الغنوشي مباشرة ودون واسطة أو تسلسل.. ولكن على ما يبدو فإن دورة مجلس الشورى لم تحسم الجدل القائم إذ اكتفت بدعم الشاهد وحكومته وأرجأت ما سوى ذلك إلى دورات قادمة وقد كان للخروج الإعلامي للقيادي بالنهضة لطفي زيتون صدى مدويا لا من حيث مضمونه فقط بل من حيث أثره على المشهد العام.

إذ أعاد طرح السؤال حول شروط إنجاح الاستحقاقات القادمة وموقع حركة النهضة من الخارطة الاجتماعية والحزبية والسياسية باعتبارها الحزب الأكبر الذي ينتظر منه المبادرة لا بتصحيح وضعه الخاص إنما بتصحيح وضع البلاد التي تعرف أزمة سياسية سببها تشظي الحزب الفائز بانتخابات 2014 وانتقاله إلى المعارضة بعد هزيمته في الانتخابات البلدية الأخيرة (ماي 2018) وشبه القطيعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بما جعل قوى الوسط اللبرالي والحداثي تنقسم بين داعم للأول وموال للثاني انقساما لم تشهد له مثيلا منذ انتخابات 2014 .

لقد كانت حوارات لطفي زيتون وهو المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة للأزمة النائمة إذ أعادت توجيه النقاش وطرح الأسئلة حول وجاهة إقامة توافق جديد مع ابن النداء يوسف الشاهد مرشح الباجي قائد السبسي لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية على أنقاض التوافق القديم مع رئيس الجمهورية الذي يمتد عمره الافتراضي إلى ٱخر2019 لولا فشل حوارات اتفاق قرطاج2.

ولئن يستبعد أن تؤثر مجمل المواقف التي دافع عنها زيتون في الخيار الجوهري لحركة النهضة فإنه لن يمر دون أن يحدث بعض التعديل خاصة إذا أخذنا في الاعتبار بعض التطورات السياسية التي نجملها في النقاط الأساسية التالية:

** _ فشل نداء تونس في عقد مؤتمره وصعوبة انعقاد مؤتمر ديمقراطي انتخابي يحل مشكلة وضع السيد حافظ قائد السبسي داخل الحزب.

**  _هناك أمل كبير في أن يتحرر الرئيس الباجي قائد السبسي من حزب النداء إذ لم يعد يتسع ليكون إطارا لأي مبادرة للرئيس ولم يعد قادرا أن يكون محورا لأي جبهة سياسية ولم يعد بمستطاع الرئيس المؤسس إيقاف انهيار الحزب ونزيف التفكك والاستقالات والخلافات.

**  _إصرار الجبهة الشعبية على تكوين حكومة انتخابات تحل محل حكومة الوحدة الوطنية.

**  _تواصل تموقع النداء في صف المعارضة دون أمل في عودة الود بين الشاهد والباجي ودون قدرة على إسقاط الحكومة.

**  _الوضعية الاشكالية للشاهد فهو من جهة صار الرجل القوي في معادلة السلطة التنفيذية بما يؤهله بعد أن صار له حزبه السياسي لخوض الاستحقاقات القادمة في منافسة النهضة وغيرها ومن جهة ثانية لا ينظر خصومه وشركاؤه بارتياح لاستخدام جماعته وأركان حزبه لإمكانيات الدولة في معاركه الحزبية وفي بناء الحزب في هذا الإطار ربما جاء تصريح الشيخ راشد الغنوشي لإذاعة جوهرة معلنا أن تكوين حكومة انتخابات ليس أمرا خارج النقاش

وأفهم من ذلك ما يلي:

** _إن رئيس حركة النهضة العائد من دافوس يعرف كيف يموقع نفسه في التاريخ ولعله اليوم أكثر الشخصيات العربية والإسلامية تأثيرا بدعواته الإصلاحية ودفاعه عن تسوية الأزمات عن طريق الحوار والتوافق وجل أزمات المنطقة والعالم فيها طرف إسلامي أو صديق للغنوشي عليه تأثير.

**  _إن رئيس النهضة يعرف كيف يموقع حركته في الخارطة الوطنية وفي مسار البناء الديمقراطي ويبقى هو عنوان الإصلاح داخل الحركة وكل الدعوات والتيارات التي تقول عن نفسها إصلاحية أوتجديدية داخل النهضة هي خارجة من جلبابه وتمايزها عن نزعات التشدد أو تقاربها مع القوى اللبرالية إنما هو بدفع منه.

**  _ إن الحفاظ على مسافة أمان مع الشاهد فيه مصلحة للبلاد وللطرفين ولا أحد غير الشيخ الغنوشي يمكن أن يقدر بدقة تلك المسافة.

** _إن استمرار علاقة بناءة وايجابية مع الرئيس الباجي قايد السبسي مصلحة وطنية وعنصر استقرار داخل النهضة وهو ما سيساعد الرئيس على التحرر تدريجيا من أزمة النداء ويوجد الإطار الأوسع والأنسب لأي مبادرة سياسية مستقبلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *