حكومة الصيد تفلت من المحاسبة … وحكومة الوصاية الاقتصادية تنهب قفة المواطن .. بقلم جنات بن عبد الله

في جو انتصاري أفلتت حكومة الصيد من المحاسبة في جلسة استماع برلمانية تفنن خلالها عدد من النواب في المراوحة بين المدح والمديح دون التعرض الى الملفات السيادية ليسدل الستار على الفصل الأول من مسرحية تشكيل حكومة وحدة وطنية الذي جاء تحت عنوان ” مرحلة ما قبل سحب الثقة” ليتابع الشعب خلال ما تبقى من صائفة 2016 الفصل الثاني الذي اختار له مخرج المسرحية عنوان ” البحث عن رئيس الحكومة” الذي سيتولى قيادة البلاد والعباد تحت وصاية صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وورائهما الشركات العالمية التي تنظر الى تونس كمخزون من الثروات الطبيعية والغابية والبحرية، وكسوق استهلاكية تؤمن العبور الى أسواق مجاورة، وكموقع استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط يجلب طمع الشركات العالمية لافتكاك الموانئ التونسية تحت شعار “استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر”.
لقد سيطر الاتحاد الأوروبي على الواقع الاقتصادي في تونس وصمم منوال التنمية الجديد في اطار الوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2020 الذي استند الى متطلبات اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين الجمهورية التونسية والاتحاد الأوروبي الذي انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات بشأنه يوم 18 أفريل 2016 وواصلت حكومة الصيد التقدم بالمسار من خلال المشاورات الجهوية مع المجتمع المدني التي انطلقت الأسبوع الماضي في زغوان وبنزرت وذلك حسب الرزنامة التي ضبطها الاتحاد الأوروبي والتي ستطبقها حكومة الوحدة الوطنية بكل انضباط.
كما سطر صندوق النقد الدولي وصمم لآليات تنفيذ منوال التنمية الجديد من خلال مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية التي تعهد محافظ البنك المركزي ووزير المالية في حكومة الصيد بتطبيقها خلال السنوات الثلاث القادمة 2016 – 2019 وذلك حسب ما جاء في رسالة النوايا التي بعثا بها الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بتاريخ 2 ماي 2016 . هذه المذكرة هي عبارة عن وثيقة استعمار اقتصادي ومالي ستتولى حكومة الوحدة الوطنية تطبيقها حسب رزنامة مواعيد ضبطت في هذه المذكرة والتي انطلق العمل بمقتضاها رسميا يوم 18 ماي 2016 في اعلان شبه رسمي عن دخول تونس تحت وصاية صندوق النقد الدولي بتخلي البنك المركزي عن حمايته للعملة الوطنية التي تدهورت قيمتها في سابقة هي الأولى من نوعها في تونس ليصل الدينار التونسي الى أدنى مستوى له أمام الأورو والدولار الأمريكي بموافقة مجلس نواب الشعب الذي صادق على مشروع القانون الأساسي للبنك المركزي الذي شرع للمس من سيادتنا النقدية. ما أقدم عليه البنك المركزي يندرج في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي صممه صندوق النقد الدولي وتبنته الدولة التونسية مقابل الحصول على قروض لتمويل ميزانية الدولة لصرف أجور الموظفين في ظل تراجع الموارد.
هذا البرنامج لا يختلف عن برنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي الذي تبنته أيضا الدولة التونسية في سنة 1986 للخروج من أزمة التداين الخارجي. ولئن حقق برنامج الإصلاح الهيكلي الأهداف المرجوة من صندوق النقد الدولي في مستوى التوازنات المالية الداخلية والخارجية فقد جاء ذلك على حساب البعد الاجتماعي وساهم في تدمير منظومة الإنتاج الفلاحي والصناعي وعمق التفاوت الجهوي ودمر المرفق العمومي والخدمات العمومية المرتبطة بالصحة والتعليم والنقل كما عمق التفاوت الاجتماعي وفتح الأبواب أمام اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي أمضتها تونس في سنة 1995 لفتح الحدود أمام الشركات العالمية للاستيلاء على أهم القطاعات الاستراتيجية تحت غطاء تحرير المبادلات التجارية ورفع الحواجز الجمركية التي كلفت ميزانية الدولة خسائر قدرت في حدود 23 مليار دينار منذ سنة 1996 الى سنة 2008 لتغرق البلاد في أتون القروض الخارجية.
واليوم وبعد الثورة اعتقدنا للحظات قصيرة أن هذه الثورة ستفتح لشعوبها صفحة جديدة للتعاطي مع المؤسسات المالية العالمية في إطار احترام السيادة الوطنية والخيارات الشعبية …الا أنه سرعان ما رفعت الغشاوة ليتحول مجلس نواب الشعب المنتخب من الشعب الى الباب الكبير الذي يخترق منه صندوق النقد الدولي السيادة الوطنية ويبث سمومه تحت مسميات جديدة مثل ترشيد سياسة دعم مواد الاستهلاك الأساسية عوض استعمال مصطلح رفع الدعم، وتبني مذكرة سياسات اقتصادية ومالية عوض برنامج اصلاح هيكلي للاقتصاد، ومراجعة وظيفة الدولة ودورها في المؤسسات العمومية لتحويلها الى مساهم عوض الحديث عن خصخصة هذه المؤسسات الاستراتيجية وذلك تجنبا لكل شكل من أشكال رفض الشعب الذي أصبحت لديه حساسية تجاه سياسات صندوق النقد الدولي. صندوق النقد الدولي انطلق في تنفيذ هذا البرنامج في مصر وتونس وكانت البداية بضرب العملة الوطنية الجنيه المصري والدينار التونسي. وبضرب الدينار التونسي تحت غطاء تحسين القدرة التنافسية لصادرات تونسية في تراجع قياسي، ضرب صندوق النقد الدولي والحكومة المنتخبة قفة التونسي ومقدرته الشرائية التي لن تفلح في انقاذها لا المخططات التنموية ولا حتى مخطط “مارشال”، فتونس أصبحت تعيش على التوريد المنظم والموازي بما في ذلك توريد “الاسكالوب” و”علوش العيد” بسبب ضرب منظومة الإنتاج بإرادة سياسية واضحة تطبق التعليمات “بقوة” كما جاء في رسالة النوايا التونسية الموجهة لصندوق النقد الدولي.
قفة المواطن ستطلق في الأيام القليلة المقبلة صيحات فزع عالية لن تجد من يسمعها، فحكومة الوحدة الوطنية، وبقطع النظر عن لونها السياسي والانتماء الحزبي لرئيس الحكومة، التزمت قبل تشكيلها بتطبيق رزنامة المواعيد التاريخية التي تم ضبطها في مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية حيث سيصادق مجلس وزاري حسب ذات الرزنامة التي وقعها محافظ البنك المركزي ووزير المالية على مشروع قانون إعادة هيكلة الوظيفة العمومية في شهر سبتمبر المقبل الرامي الى الضغط على كتلة الأجور من خلال تجميد الانتدابات لمدة ثلاث سنوات. كما ستشرع في اعداد الاطار التشريعي لاعادة توزيع الموظفين على الجهات في ديسمبر 2016 والاطار التشريعي للخروج الارادي للموظفين ابتداء من سنة 2018 .
كما ستنظر حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في برنامج إعادة هيكلة المؤسسات العمومية في اتجاه ما سمي بإعادة النظر في وظيفة الدولة في اتجاه تخليها عن المؤسسات العمومية الاستراتيجية الكبرى وفتح المجال أمام المستثمر الأجنبي بعنوان الشريك الاستراتيجي وهو الوجه الأخر لبرنامج الخصخصة والتفويت في المؤسسات العمومية . وحسب رزنامة المواعيد انطلقت الإدارة التونسية في دراسة بعث وكالة التصرف في مساهمات الدولة مكلفة بمتابعة برامج إعادة هيكلة المؤسسات العمومية بما في ذلك البنوك العمومية وقد تم ضبط قائمة في هذه المؤسسات وهي شركة الخطوط التونسية وشركة الكهرباء والغاز وشركة تكرير النفط “ستير” وديوان الحبوب والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد. وحسب ذات الرزنامة ستبعث هذه الوكالة في شهر جانفي 2017 .
ان خصخصة هذه المؤسسات العمومية هو شكل اخر من أشكال نهب قفة المواطن الذي سيرتهن الى الشركات الأجنبية لاقتناء خبزه اليومي (خصخصة ديوان الحبوب) وعند استهلاكه للكهرباء والغاز (خصخصة انتاج الكهرباء والغاز) … الى جانب ارتهانه لصندوق النقد الدولي الذي أغرق البلاد في ديون مسمومة.
لقد نجحت حكومة الصيد في الحصول على عدم تجديد الثقة بما ضمن لها الإفلات من المحاسبة والمساءلة حول تفويتها للبلاد لصالح الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وسيشهد التاريخ أنها كانت الحكومة التي أمضت على وثيقة الحماية في صيغة مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية واتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *