حرب باردة بين أمريكا والصين بعد كورونا … بقلم كمال بن يونس

انطلاق ” الحرب الباردة ” بين الصين وأمريكا وأوربا:
ما الذي سيتغير في علاقات تونس الخارجية ؟ ..
• الصين وروسيا وتركيا والخليج على الخط ..
• ” الكتل الجهوية ” تعوض مسار برشلونة؟

بقلم كمال بن يونس
ما الذي سيتغير في علاقات تونس الخارجية بعد أزمة كورونا التي توشك ان تربك اقتصاديات الشركاء التقليديين للبلاد مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكيا وألمانيا وأمريكا؟
وهل يمكن أن توظف “الأزمة العالمية” التي تسببت فيها كورونا في كل القطاعات لتنويع شراكات تونس الاقتصادية والسياسية تواكب انطلاق “الحرب الباردة الجديدة” بين الصين والولايات المتحدة أم يحصل العكس ؟
وهل بدأ صناع القرار في تونس الاستعداد لمرحلة ” الحرب العالمية الباردة الجديدة ” خاصة بعد نجاح الشوط الاول في الوقاية والحرب على كورونا ؟

خلال الأسابيع الماضية تعاقبت رحلات الطائرات القادمة من الصين وتركيا وبعض الدول الخليجية نحو تونس والبلدان المغاربية وجنوب اوربا محملة بكميات هائلة من المساعدات الطبية والمشتريات لمكافحة وباء كورونا و توفير المواد الخام لمصانع تونسية .
في نفس الوقت كشفت دراسات المعهد الوطني للإحصاء تراجع حصة الشركاء التقليديين وعلى رأسهم فرنسا والاتحاد الأوربي في برامج المبادلات الاقتصادية الخارجية للبلاد تجارة واستثمارا وسياحة منذ أعوام، مقابل تضخم حصة “البلدان الصاعدة ” دوليا مثل الصين وتركيا والهند وروسيا وشرق آسيا ..

مجموعة ” بريكسيت ”

سجل هذا التطور في مرحلة تعاقبت فيها دعوات سياسيين وخبراء في تونس والدول المغاربية والعربية إلى تنويع علاقات بلدانهم الخارجية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ، ومواكبة انفتاح أغلب الدول العربية والإسلامية على مجموعة “بريكسيت” وعلى الأسواق الافريقية وخاصة مجموعة ” كوميسا” لبلدان شرق وجنوب القارة السمراء..
وتوحي أغلب المؤشرات أن من بين نتائج انتشار وباء ” كورونا ” عالميا تعمق الهوة بين تونس والعواصم المغاربية من جهة وشركائها التقليديين في أوربا وأمريكا من جهة ثانية ، مقابل تزايد فرص الشراكة الاقتصادية مع الدول التي قدمت دعما طبيا ولوجيستيا وماديا ، بينما أغلقت أغلب الدول الاوربية الباب وانشغلت بأوضاعها الكارثية الداخلية..
وكان 70وزيرا سابقا للاقتصاد والمالية أو خبيرا دوليا مستقلا ، يتزعمهم وزير الاقتصاد والمالية السابق حكيم بن حمودة ، أطلقوا مبادرة “اقتصاديون من أجل تونس ” قدموا فيها قراءة لمضاعفات المتغيرات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية الجديدة على تونس وأكدوا على حاجة تونس وجيرانها المغاربيين لسياسات جديدة في كل المجالات ، بما في ذلك من حيث إلى تنويع الشركاء الدوليين .

بعد ” كورونا ”

وصدرت عن عدد من صناع القرار الاقتصادي والسياسي الوطني والدولي تصريحات جديدة تجمع على كون “مرحلة ما بعد كورونا سوف تختلف عن المرحلة السابقة والحالية في العلاقات الدولية “، بعد 65 عاما من تبني “سياسة خارجية تقليدية ” ، على حد تعبير وزير الخارجية السابق أحمد ونيس .
محسن حسن وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي الدولي اعتبر في تصريح للصباح أن مرحلة اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا والدول الأوربية بنسبة تحوم حول 75 بالمائة من علاقاتها الخارجية توريدا وتصديرا وسياحة واستثمارا ولت بدون رجعة .
وسيفرض وباء كورونا ، مسار الانفتاح أكثر على الأسواق ” البديلة ” بما فيها الصين والهند وروسيا وتركيا و الدول العربية والآسيوية و كذلك الأسواق الإفريقية ” التي تحقق نسب نمو تفوق ال10 بالمائة بينما أصبحت نسب النمو في أوربا ضعيفة جدا أو سلبية “.. حسب دراسة أعدها رضا الشكندالي المدير العام لمركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية – سيريس ـ سابقا .
وسجل أحمد كرم رئيس المنظمة التونسية للبنوك والمؤسسات المالية سابقا أن هذه التطورات لم تأت من فراغ لكنها تدعم مسارا بدأ منذ 1983 بين الصين وتونس ودول شمال افريقيا وتطور في التسعينات من القرن الماضي.
وكانت حصيلة هذا المسار أن تطورت منذ أكثر من 15 عاما المبادلات السياحية والتجارية بنسق سريع جدا على حساب العلاقات التاريخية المغاربية مع دول الاتحاد الأوربي ، وأصبحت ثلاثة أرباع الواردات من الصين وتركيا وبقية ” الدول الصاعدة ” في قطاعات عديدة من بينها المواد الاولوية والملابس والجلود الأحذية ومكونات الصناعات التصديرية والصناعات الميكانيكية والأدوية والتجهيزات الطبية …

نعم ..ولكن

وتوقع الخبير الاقتصادي والناطق الصادق جبنون أن يتأكد هذا المسار بعد ” كورونا” إذا أقدمت الصين وتركيا و”الدول الصاعدة” على ترفيع قيمة استثماراها في تونس والبلدان المغاربية والافريقية ، ولم تكتف بتصدير بضائعها بأسعار منخفضة على غرار ما فعلت مع أغلب دول افريقيا.
لكن عياض اللومي رئيس اللجنة المالية في البرلمان سجل أن فرنسا والدول الأوربية تتميز عن الصين وتركيا و” الشركاء الجدد” بالمزايا الجبائية والقمرقية التي توفرها اتفاقيات الشراكة والمنطقة الحرة الاوربية المتوسطية وبينها معاهدة برشلونة 1995 .
ويستفيد الحضور الأوربي في تونس وبقية دول جنوب المتوسط من القرب الجغرافي واللغوي والثقافي والسياسي بين ضفتي البحر المتوسط ومن اعفاءات تسند الى المؤسسات الوطنية التصديرية.
كما تستفيد مؤسسات آسيوية ودولية من حرص المستثمرين الأوربيين على ” إعادة الانتشار” Délocalisation الذي يؤدي إلى توظيف المزايا الجبائية في المنطقة الحرة الاورو متوسطية والفارق في تكاليف الإنتاج مقابل تصدير كل المنتوج إلى أوربا والأسواق العالمية مع إعفاء شبه كامل من الضرائب .
وإذا كان الميزان التجاري الخارجي يشكو عجزا لفائدة الصين وتركيا بنسبة تتراوح بين 70 و85 بالمائة فإن صادرات بلدان مثل تونس والبلدان المغاربية إلى أوربا تفوق بكثير وارداتها ” حسب الخبير ورجل الأعمال جمال الدين عويديدي ..
وهذا المعطى قد يعطل مؤقتا ” الزحف الصيني التركي الآسيوي” على تونس وبلدان شمال افريقيا حسب عدد من الخبراء.

اعتراضات ..

لكن بعض السياسيين والخبراء الاقتصاديين الذين يرجحون الانفتاح أكثر على الصين و”الدول الصاعدة ” وخاصة تركيا وروسيا والهند ، مثل الجامعية جنات بن عبد الله ، يشككون في مصداقية الإحصائيات الحالية عن حجم الصادرات التونسية والمغاربية نحو أوربا ، ويصفونها ب”المغلوطة والمزيفة” .
ويعتبر هؤلاء أن الأمر يتعلق بشركات مشتركة أوربية – تونسية أو تونسية -عربية ، أغلب رأسمالها أوربي ، تستفيد من الإعفاءات الجبائية والقمرقية التي تمنح للشركات المحلية ، وتصدر بضاعتها ثم تحتفظ بمرابيحها في البنوك الاوربية ، لأن القوانين لا تجبرها على إرجاع تلك المرابيح ، شأنها شأن كثير من ” مداخيل شركات تصدير الخدمات والمؤسسات السياحية “.
ويذهب سفير تونس السابق في أندونيسيا محمود بالسرور إلى حد اتهام ” الشركات التصديرية التونسية الاوربية ” بتبييض أموالها في شمال افريقيا ثم تهريب مرابيحها بطرق ” قانونية ” وبتزييف الاحصائيات الرسمية عبر الخلط بين صادرات المؤسسات الوطنية التي تعيد مرابيحها الى البلاد والعمليات التجارية للمؤسسات الاجنبية التي يكون لديها شركاء محليون .

تخوفات..سياحة

في هذا المناخ العام تزداد التخوفات من المضاعفات
السلبية لأزمة كورونا على قطاع السياحة في تونس ودول شمال
افريقيا.
وترجح أغلب المؤشرات انهيار عدد السياح الأوروبيين في
الموسمين الحالي والقادم بسبب كورونا وانتشار مزيد من البطالة
والفقر في الدول الأوربية والمغاربية .
وكان وزير السياحة السابق روني الطرابلسي أورد في مؤتمر
صحفي العام الماضي أن حوالي ربع العشرة ملايين سائح
السياح الذين زاروا البلاد عام 2019 كانوا من بين الأوربيين
بينما كان أكثر من نصفهم ، أي حوالي 5 ملايين سائح كانوا
مغاربيين ومن بين المهاجرين التونسيين .

الارادة السياسية

وتوقع بعض الخبراء أن تتلقى تونس ودول جنوب المتوسط
، بعد أزمة كورونا ، عروضا جديدة في اتجاه تنويع شركائها
الدوليين ردا على تراجع دور الاتحاد الاوربي التقليدي واتضاح
نقائص مساري برشلونة الاورومتوسطي واتفاقية المنظمة
العالمية للتجارة في 1995.
لذلك يدعو أغلب الخبراء إلى التعجيل بفهم تداعيات المتغيرات
الجيو الإستراتيجية للازمة الحالية واستشراف سياسات بديلة
و البحث عن شركاء جدد.
لكن بعض رجال الأعمال والدبلوماسيين و الوزراء يشككون ،
من خلال خبرتهم في المفاوضات الدولية السابقة ، في وجود ”
الجرأة والإرادة السياسية العليا ” لدى صناع القرار في الدول
المغاربية والعربية والافريقية والإسلامية عندما يتعلق الأمر
بالانفتاح على فرص الاستثمار والتجارة الدولية مع الدول
المنافسة للولايات المتحدة التي تؤكد أغلب مؤشرات عديدة أنها
دخلت مرحلة ” حرب عالمية باردة ” جديدة بدأتها إدارة ترامب
وقد يتحمس لها كثيرون في أمريكا وأوربا وخارجها بعد كورونا..
معركة البحث عن البدائل انطلقت عالميا فهل يوجد بين صانعي
القرار السياسي في تونس من يواكب المتغيرات الاستراتيجية
الدولية بما في ذلك مسار ” تزايد دور التكتلات الجهوية ” على حساب الفضاء الأورو متوسطي الكبير؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *