حذار من اللعب بالنار .. بقلم كمال بن يونس

في الوقت الذي تؤكد فيه كل المؤشرات المالية والاقتصادية اقتراب ميزانية الدولة وأوضاع المؤسسات العمومية وشبه العمومية من مرحلتي العجز والإفلاس، يتواصل «اللعب بالنار» داخل الطبقة السياسية والنخب.

وفي الوقت الذي توقع فيه كثير من المراقبين أن تحدث مبادرة رئيس الدولة الباجي قائد السبسي حول حكومة الوحدة الوطنية «رجة ايجابية»، توشك الأوضاع أن تتطور بسرعة نحو مزيد من التدهور وانتهاك كل «الخطوط الحمراء».

وبعد أكثر من أسبوع عن الكشف عن «المبادرة الرئاسية» أعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد بوضوح أنه لا ينوي تقديم استقالته وانتقد عدم التشاور معه مسبقا حولها.

وبذلك قد يكون الصيد أراد بمثل هذا الموقف السياسي ـ الذي فاجأ كثيرين ـ البرهنة على صبغته السياسية وتفنيد بعض التهم الموجهة إليه ومن بينها أنه «مجرد تكنوقراط» و»ليس صاحب مبادرات سياسية» أو»ليس قادرا على استخدام الصلاحيات الواسعة التي يمنحها له الدستور»(؟؟).

لكن خلافا لكثير من التوقعات عقد أمس اجتماع عادي وعلني بين رئيسي الدولة والحكومة تابع بعده الصيد نشاطاته في قصر القصبة من بينها لقاءات عمل على انفراد مع الوزراء والإشراف على مجلس وزاري مضيق.

في الأثناء يتواصل الحذر وتتنوع المبادرات و»المناورات» في كواليس صناع القرار السياسي والاقتصادي الوطني وبعض السفارات والأوساط المتحكمة في «الورقة الدولية».

لكن لم تبرز بعد مؤشرات «توافق وطني جديد» رغم المشاورات الماراطونية التي تجري بين رئاسة الجمهورية وزعماء الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية من جهة، وبين قيادات الحزبين الكبيرين من جهة ثانية.

كما يتابع سياسيون «مستقلون» وأنصارهم تقديم ترشحات علنية لمنصب رئاسة الحكومة وحقائب وزارية مختلفة ضمن مشروعين متناقضين: الأول يروج لحكومة «سياسية» أو حكومة«إنقاذ وطني» لا تتأثر بميزان القوى في البرلمان، والثاني لحكومة تستمد قوتها مجددا من «الشرعية الانتخابية» و»الشرعية الدستورية» عبر إعطاء الكلمة الفصل للأغلبية البرلمانية وفق ما ينص على ذلك الدستور.

وبصرف النظر عن تباين المواقف وسيناريوهات «صمود حكومة الحبيب الصيد» من عدمها، فإن الشعب يجد نفسه للمرة الثانية في ظرف 3 أعوام أمام سياسيين يخوضون ضراعات ومعارك حول المواقع والكراسي دون مراعاة نتائج الانتخابات الشعبية العامة: الأولى في صائفة 2013 عندما ألغيت نتائج انتخابات أكتوبر 2011 ووقع تنصيب «حكومة تكنوقراط» والثانية من خلال الدعوات العلنية إلى «حل البرلمان» الذي انتخب في أكتوبر 2014 أو إلى «تهميشه» و»اختزال صلاحياته» في المصادقة على مشايع القوانين؟؟

ومهما كانت نتيجة المشاورات الحالية حول تجديد الثقة في حكومة الحبيب الصيد من عدمه، فإن أخطر ما قد يهدد تونس بعد«الزوبعة الحالية» فقدان ثقة الشعب نهائيا في المسار الانتخابي وصناديق الاقتراع والإيمان بكون «المسار الانقلابي» سينتصر في النهاية على التداول السياسي السلمي على السلطة.

في تلك الحالة سيكون رد الفعل لجوء مزيد من الشباب والمهمشين إلى «الحلول اليائسة» ومن بينها العنف والجريمة المنظمة والغلو والإرهاب.

فحذار من مزيد اللعب بالنار.

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *