جلسة تقييم لسياسات قائد السبسي في مؤسسة التميمي : هل نجح رهانه على” التوافق” أم كان نقطة ضعفه ؟… بقلم كمال بن يونس

هل يمكن تقديم قراءة هادئة للأداء السياسي الباجي قائد السبسي رئيسا للحكومة في 2011 و زعيما للمعارضة ما بين 2012 و2014 ثم ورئيسا للجمهورية ما بين مطلع 2015 وصائفة 2019؟
أم أن مثل هذا التقييم سابق لأوانه اليوم بعد أن تسببت وفاته وخلافات شركائه السابقين في حزب “النداء” وفي السلطة في منعرج سياسي وانتخابي وفي اختلال ميزان القوى السياسي وطنيا ضد المقربين منه وفرار عدد من ” أبنائه ” وحلفائه من ” المركب “؟
وماهي أهم انجازات الباجي قائد السبسي السياسي والانسان منذ عودته إلى المشهد السياسي أواخر فيفري
2011 رغم التحفظات التي صدرت أول أمر على تعيينه رئيسا للحكومة من قبل قيادات في اتحاد الشغل و” العائلة الوطنية ” في اليسار التونسي و من زعيم حركة النهضة الذي قال عنه :” لقد جلبوه من متحف البايات “؟
وكيف يمكن تقييم رهانه مبكرا على ” التوافق ” و” العمل المشترك” بين ” اليساريين الثوريين ” و” الدستوريين غير المورطين في الفساد ” و” الاسلاميين المعتدلين “؟ هل كان نقطة قوة تسمح بتصنيفه ضمن ” الحكماء ” الذين يقدمون التنازلات و” البراغماتيين الناجحين ” أم نقطة ضعفه التي تسببت في تشرذم حزب النداء وحلفائه السابقين داخل ” الاتحاد من أجل تونس” وببينهم زعامات يسارية وقومية وليبيرالية تعارض بقوة ” التحالف مع حركة النهضة “؟

شهادات

هذه التساؤلات وغيرها كانت محور جلسة علمية نظمها المؤروخ والمفكر الكبير الاستاذ عبد الجليل التميمي في مؤسسته السبت الماضي وأثثها معه الاستاذ صلاح الدين الجورشي الكاتب والاعلامي الذي عرف قائد السبسي عن قرب منذ عشرات السنين ثم رئيسا للدولة ولحزب النداء .
وشارك في المنتدى الحواري نخبة من المثقفين والنقابيين والسياسيين بينهم عضو المكتب التنفيذي السابق لاتحاد الشغل محمد السحيمي و المحامي والحقوقي فتحي عبيد والمدير العام السابق لشركة فسفاط قفصة الخبير الاقتصادي الطاهر خواجة والمحامي والكاتب الطاهر بوسمة ..
وقد قدم السحيمي شهادة مطولة عن ملابسات ترشيح اسم قائد السبسي لرئاسة الحكومة خلفا لمحمد الغنوشي بعد مشاورات مطولة بين قيادات نقابية وسياسية بزعامة أحمد نجيب الشابي أسفرت عن الاطاحة بحكومة الغنوشي الأولى ثم الثانية .
وأكد السحيمي أن القيادة النقابية بزعامة عبد السلام جراد وعبيد البريكي اعترضت أول الأمر على اختيار الباجي لكنها وافقت لاحقا بعد زيارة أداها الباجي إلى مقر الاتحاد التقى خلالها جراد .

الورقة الخارجية ؟

الاستاذ صلاح الدين الجورشي قدم قراءة لتطور المسيرة السياسية لقائد السبسسي منذ ثورة جانفي 2014 وربط بين تعيينه رئيسا للحكومة خلفا لمحمد الغنوشي بعلاقاته الشخصية والسياسية القديمة بالرئيس فؤاد المبزع وجيل من السياسيين .
وتساءل عدد من المتدخلين عن الجهة التي اقترحت الباجي قائد السببسي في آخر فيفري 2011 هل هي تونسية أم أجنبية وتحديدا فرنسية ؟ وهل كان فعلا الرئيس فؤاد المبزع وبعض الدستوريين السابقين أم عدد من رجال الاعمال “الليبيرالييين ” من أصدقائه وبينهم كمال اللطيف الذي كان السبسي يلتقيه بصفة تكاد تكون يومية في مكتبه بسكرة ما بين 1994 وجانفي 2011؟
كما قدم الجورشي شهادة مطولة عن سلسلة الحوارات الصحفية وجلسات العمل الخاصة التي جمعته بقائد السبسي وفؤاد المبزع وراشد الغنوشي وشخصيات سياسية عديدة أثرت في المشهد منذ جانفي 2011 واعتبر أن ” سي الباجي كان أبرز زعيم سياسي لتونس بعد بروقيبة ولديه ” دهاء كبير وخصال كثيرة ” . لكن الجورشي استطرد قائلا : ” حصيلة متابعتي لمسيرة سي الباجي أقنعتني أن الرئيس الباجي سياسي من الحجم الكبير ولديه جرأة في تناول عدد من القضايا واتخاذ كثير من القرارات والمبادرات التقدمية ، من بينها قرار ” التوافق السياسي المشروط مع حركة النهضة ومع زعيمها راشد الغنوشي بعد اجتماع عقداه في باريس في أوت 2013..ثم بعد انتخابات موفى 2014 التي اعترف فيها أن ” صناديق الاقتراع لم تفوض أي طرف سياسي حزبي ليحكم البلاد لوحده ” وأن ” اكراهات السياسة تبرر العمل المشترك في نفس الحكومة لضمان حزام سياسي دائم لها في البرلمان “.
كما نوه الجورشي بجرأة قائد السبسي عندما أعاد فتح ملف المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات مجددا ، لكنه اعتبر أنه ” يفتقر إلى مشروع سياسي شامل “و أنه كان يعتد برأيه كثيرا في تسييره لحزبه وللدولة وهو ما تسبب له وللحزب وللبلاد في سلسلة من الازمات خاصة في العامين الاخيرين من حكمه “.

تضخم دور العائلة ؟

هذه القضايا وغيرها أثارت مواقف متباينة في حصة النقاش العام .
فقد تساءل الاستاذ عبد الجليل التميمي عن مبررات مصادقة الباجي قائد السبسي عندما كان رئيسا للحكومة في 2011 على احداث حوالي مائتي الف وظيفة جديدة أغلبها في وزارات الداخلية والدفاع وقطاعات المناجم والطاقة والبيئة والوظيفة العمومية ..
كما اعتبر البعض أن تحالف الباجي قائد السبسي مع حركة النهضة بعد انتخابات 2014 الرئاسية والبرلمانية تسبب كان قرارا حكيما أنقذ البلاد من سيناريوهات العنف والصدام والقطيعة والحرب الاهلية التي اندلعت في بقية بلدان “الثورات العربية ” مثل ليبيا وسوريا واليمن ومصر ..
في المقابل حمل آخرون مسؤولية تصدع حزب النداء للباجي قائد السبسي وعائلته وأرجعوا ذلك الى تحالفه مع حركة النهضة و الى” تضخم دور عائلته في قصر قرطاج وفي الحزب والشؤون الاقتصادية وخاصة نجله حافظ ، الذي أسند إليه والده قيادة الحزب رغم معارضة أغلبية القيادات المؤسسة .
..شهادات وتساؤلات مهمة طرحت في هذه الجلسة العلمية تستحق تعميقا واثراء .. لكنها تفتح الباب للتفكير بصوت عال في مستقبل البلاد بعد فهم ملابسات ” المنعرجات ” التي تشهدها منذ 9 أعوام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *