تونس تواجه خطرا متناميا مع عودة مزيد من مقاتلي داعش من ليبيا

(رويترز): بعد أقل من شهر على غارة أمريكية ضد معسكر لتدريب الجهاديين في مدينة صبراطة الليبية قتل خلالها واحد من أبرز قيادات الجهاديين التونسيين تسلل مقاتلو الدولة الاسلامية عبر الحدود الى تونس وهاجموا ثكنات للجيش وقواعد للشرطة في بلدة بن قردان المتاخمة لليبيا. وخلال المعركة التي نشبت قتل متشددو التنظيم العقيد عبد العاطي عبد الكبير رئيس جهاز مكافحة الارهاب المحلي أمام منزله بعد تبادل لإطلاق النار. ويقول سكان في البلدة ان بعض المهاجمين هم من جيران عبد العاطي القدامى وزملاء الدراسة الذين غادروا للتدريب مع الدولة الإسلامية في ليبيا.

وتمكنت قوات الامن التونسية من صد الهجوم هو الاكبر من نوعه وقتلت ما لا يقل عن 50 مهاجما واعتقلت العشرات منهم في أقوى ضربة يتلقاها مقاتلو التنظيم في تونس. ومعركة بن قردان دليل إضافي على كيفية تسرب الفوضى السائدة في ليبيا إلى جارتها الاكثر استقرارا تونس. وتحاول تونس- وهي واحدة من أكثر دول العالم العربي علمانية- تعزيز ديمقراطيتها الناشئة ولكنها تواجه تزايد خطر المتشددين الاسلاميين منذ انتفاضة 2011 التي انهت حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ويتمركز عدد غير قليل من المتشددين قرب الحدود التونسية مع ليبيا.

وفي بيت العائلة في بن قردان قال حسين عبد الكبير شقيق رئيس مكافحة الارهاب عبد العاطي عبد الكبير لرويترز “نحن نعيش بجانب بلد غير آمن ومليء بالفوضى.. أخي كان مستهدفا بشكل مباشر وقال لنا إنه يتوقع أن يشن قريبا الإرهابيون هجوما وإنه سيكون مستهدفا”. وخلقت انتفاضة 2011 أرضا خصبة لتجنيد الجهاديين. وأطلق في يناير كانون الثاني سراح مئات المتشددين الاسلاميين من السجون في اطار عفو عام عن المعتقلين في عهد بن علي. وبدأ السلفيون المتشددون في استعراض عضلاتهم بالسيطرة على المساجد واشتبكوا مع الشرطة وهاجموا ساسة وصحفيين علمانيين. وفي 2013 قتل متشددون اثنين من القادة العلمانيين هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهو ما فجر احتجاجات واسعة ضد حكم حركة النهضة الاسلامية انذاك.

ولكن مع استقرار الاوضاع السياسية في تونس أعادت الحكومة إحكام سيطرتها على عدد من المساجد وحظرت جماعة أنصار الشريعة وضيقت الخناق خصوصا في 2014 على المتشددين مما أجبر العديد منهم على الفرار. وفي البداية توجه معظم الجهاديين إلى سوريا. لكن ليبيا أصبحت الآن أكثر استقطابا لهم وأصبح العديد من المتطرفين التونسيين من بين القيادات الرئيسية في الدولة الإسلامية هناك. ويقدر مسؤولون أمنيون أن ما بين 4000 و 6000 تونسي غادروا للقتال ضمن صفوف الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات من بينهم خريجو جامعات.

وما زال التدفق مستمرا. وعلى سبيل المثال عبر منذ الصيف الماضي نحو 80 شابا تونسيا من رمادة -وهي بلدة تبعد ساعتين عن بن قردان في جنوب البلاد- إلى ليبيا متخذين نفس المسالك الصحراوية التي يستخدمها مهربو الوقود الليبي. وعلى مدى نحو عامين بدأ عدد من المقاتلين التونسيين المتطرفين في العودة. وتقول قوات الامن ان منفذي الهجمات الأخيرة على فندق بمنتجع سوسة السياحي ومتحف باردو العام الماضي التي قتل فيها عشرات السياح هم تونسيون تلقوا تدريبات في ليبيا. وفي في وقت سابق هذا الشهر ألقت قوات الامن القبض على أكثر من 37 في تونس العاصمة في حملة مداهمات. وقالت الحكومة انها تعتقد أنها جلبوا متفجرات واحزمة ناسفة من ليبيا وكانوا ينوون شن هجمات متزامنة.

*الاستقطاب

والقيادي الجهادي التونسي الذي قتل في غارة أمريكية جوية في فبراير في مدينة صبراتة هو نور الدين شوشان. ويقول مسؤولون أمريكيون وتونسيون انه درب مسلحين في معسكرات بليبيا لقتل السياح الأجانب في تونس في هجمات سوسة وباردو. وبعد ان كان عضوا بارزا سابقا في جماعة أنصار الشريعة الموالية للقاعدة أصبح شوشان من القيادات الكبرى لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا والمختص الرئيسي في انتداب المقاتلين وتدريبهم.

ومن بين المنتمين للجماعة كانت رحمة وهي زوجته البالغ عمرها 17 عاما واختها غفران صاحبة 20 عاما وفقا لما روت والدة الفتاتين لرويترز. وكانت رحمة وغفران مثل بقية الشابات التونسيات تحبان الموسيقى ومتحررتين قبل ان يتغير فجأة نمط حياتهن بعد التأثير عليهما خلال خيمات دعوية في الشارع لانصار الشريعة في 2013. وزاد سلوكهما تشددا واصبحت تمنعان مشاهدة التلفزيون في البيت وتضغطان على امهما كي ترتدي ما سمتاه “الحجاب واللباس الشرعي”.

وتوجهت الفتاتان رحمة وغفران الى ليبيا العام الماضي. والآن هما معتقلتان في سجن معيتيقة بطرابلس بعد ان وقعتا في قبضة قوات الامن الليبية. وفي بيت صغير مكون من غرفتين في ضاحية مرناق قرب العاصمة قالت ألفة والدة الفتاتين لرويترز “رحمة كانت تخبرني دائما حين تتصل بي عبر الهاتف انها مقتنعة بما تقوم به وهي فخورة بذلك”. وأضافت انه بعد الغارة الامريكية على صبراطة اصبحت رحمة ترغب بشدة في العودة إلى تونس خصوصا بعد هلاك زوجها في الغارة. وتظهر صورة إحدى الشقيقتين تحمل سلاح كلاشينكوف اثناء تلقيها تدريبا بمعسكر في ليبيا على ما يبدو.

*جبهة جديدة

وبن قردان المتاخمة للحدود الليبية بلدة تعيش على تجارة الوقود والسلع المهربة من ليبيا. وعدد غير قليل من أبناء المدينة التحقوا بصفوف الجماعات الجهادية للقتال ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد قبل سنوات ثم للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا أيضا. وقبل ذلك أيضا انضم بعضهم في أواخر القرن الماضي لتنظيم القاعدة وجماعات متطرفة في العراق وأفغانستان أيضا للقتال ضد القوات الأمريكية. ولكن الآن يشعر أهالي البلدة أنهم يعيشون في حالة تشبه الحرب بعد هجوم شهر مارس آذار الماضي. والثقوب التي غربلت مئذنة مسجد البلدة الذي استخدمه الجهاديون كقاعدة للهجوم شاهد على رصاص كثيف أطلقه الأمن على المسلحين هناك.

وتضرر العديد من البيوت هناك نتيجة تبادل لإطلاق النار وقنابل اطلقت من طائرات هليكوبتر أو دبابات هدمت البيوت لمداهمة المسلحين. وتقف المتاريس والحواجز الامنية التي ما زالت منتشرة وبقايا آثار الرصاص على الجدران تذكرة لأهالي البلدة في كل لحظة تشير إلى هول ما حصل. وقال حميد العشي وهو صاحب بيت كان قد هدم تقريبا وأثار مئات طلقات الرصاص عليه من كل جهاته “ليبيا قريبة من هنا على بعد 30 كيلومترا.. الإرهابيون يعرفون المكان جيدا ويعرفون ماذا يريدون ومن أين يبدأون وكيف يختبئون.. كانوا على علم دقيق بالمنطقة وتفاصيلها وسكانها وبيوتها”.

ولاقتحام بيت العشي وقتل المسلحين اضطرت القوات التونسية آنذاك لمداهمته بدبابات بعد إطلاق قذائف ورصاص كثيف باتجاهه. وكشفت مصادر أمنية أن مخابئ الأسلحة التي عثر عليها بعد ذلك في بن قردان قد جهزت قبل وقت استعدادا للهجوم على البلدة في شهر. واستعمل مجموعة من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية سيارة إسعاف استولوا عليها من مستشفى المدينة يوم الهجوم بينما لجأ بعض آخر منهم لبيت حميد العشي المقابل للثكنة العسكرية لمهاجمة القاعدة العسكرية هناك. وأقام عدد آخر منهم حواجز تفتيش في المدينة وطلبوا من المارة إظهار بطاقات تعريف الشخصية.

ويروي أحد سكان بن قردان واسمه الهادي قريسة لرويترز قائلا “أقاموا نقطة تفتيش وطلبوا مني وثائق تثبت هويتي.. لقد قالوا لي لا تخف نحن الدولة الاسلامية وجئنا لنحرركم من الطاغوت.. بعضهم كان ملثما وآخرون كان مكشوفي الوجه.. لقد تعرفت إلى واحد منهم على الأقل وهو من بن قردان ولم نره منذ سنوات حين غادرها للانضمام لجماعات إرهابية منذ وقت طويل”. وقال حسين عبد الكبير إن قاتلي شقيقه قائد جهاز مكافحة الإرهاب ببن قردان هم من أبناء المدينة وفيهم من درس معه ومن هو من جيرانهم.

ويضيف أنه قد درس في نفس الصف مع مفتاح مانيطة وهو أحد المخططين والمنفذين الرئيسيين للهجوم على بلدة بن قردان. ومانيطة قائد هجوم بن قردان هو ابن المدينة ومعروف لدى كثير من الأهالي وكان مسجونا لسنوات قبل إطلاق سراحه في 2011 ضمن عفو عام في يناير كانون الثاني 2011 عقب الانتفاضة التي أنهت حكم بن علي. وقال مصدر أمني لرويترز “بعد أن كان عضوا في تنظيم أنصار الشريعة الموالي للقاعدة ببلاد المغرب الاسلامي انضم مانيطة الى تنظيم داعش الإرهابي وفر إلى ليبيا بعد أن صنفت الحكومة أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا”.

*تقدم عسكري

وتحسبا لتسلل مزيد من الجهاديين عبر الحدود الطويلة مع ليبيا عززت تونس حماية حدودها. وشيد الجيش ساترا ترابيا يزيد طوله على 200 كيلومتر وخندقا على طول جزء من الحدود. وتقوم القوات البريطانية والألمانية بتدريب القوات التونسية في حماية الحدود ومراقبتها إلكترونيا. وفي ظل حالة الطوارئ المعلنة في تونس منذ هجمات مسلحين متشددين العام الماضي يخضع أيضا مئات من المشتبه بهم للاقامة الجبرية بينما يخضع آخرون لمراقبة صارمة. ويقول مسؤولون أمنيون ودبلوماسيون إن القوات التونسية بدأت تحقق تقدما واضحا في مكافحة المتطرفين الإسلاميين بعد هجمات العام الماضي وإن المخابرات أيضا تنمو وتتطور وإن ببطء.

وقال مسؤول أمني كبير “اليوم الخشية أكبر من عمليات انتحارية أو تفجيرات تقوم به خلايا نائمة او ما يعرف بالذئاب المنفردة قد تضرب في أي وقت”. وبدأت وزارة الشؤون الدينية برنامجا لتعزيز الخطب المعتدلة في المساجد التي استرجعت أغلبها. ويمول الاتحاد الاوروبي برنامجا لمكافحة التطرف والتشدد الديني. ويقول نشطاء ومسؤولون إن عددا كبيرا من المناطق ومن بينها المناطق الحدودية تحتاج لخطب ورسائل دينية معتدلة ولكن أيضا لتنمية اقتصادية عادلة ومشاريع وفرص عمل للشبان. وبلدة رمادة النائية الواقعة في أقصى الجنوب التونسي تبدو مقفرة لا تضم سوى بضعة محلات وبيوت وثكنة عسكرية وتحيطها بعض أشجار الزيتون بالبلدة الصغيرة التي يشتكي أهلها من تهميش مستمر.

وزار بعض المسؤولين من بينهم وزير الشباب ووزيرة المرأة رمادة للاطلاع على الأوضاع هناك وإجراء نقاشات عن التنمية والشباب ولكن كثيرا من الشبان رفضوا الزيارة وقالوا إنها مجرد وعود واهية مثل العادة بعد أن ظل الجنوب التونسي يعاني التهميش طيلة عقود. ويقول يسري كادي وهو شاب عاطل عن العمل عمره 21 عاما “ليس هناك أي شيء للشبان هنا ففي رمادة هم يبحثون عن شيء يفعلونه”. ويضيف أن “عديدا ممن غادروا البلدة للالتحاق بالجماعات الإرهابية هم يسعون لنوع من الانتقام ضد أنفسهم وفعل شيء يبقى راسخا وعالقا بالبال حتى ولو كان ذلك انضمامهم للإرهاب”.

وتقول الشرطة وسكان في رمادة إن شخصا يدعى بشير زونجا قاد العام الماضي عملية تهريب لنحو 36 شاب من البلدة باتجاه ليبيا للالتحاق بتنظيم الدولة الاسلامية هناك. وبشير زونجا مهرب سابق من بلدة رمادة تقول الشرطة إنه أصبح قائدا في تنظيم الدولة الإسلامية في سرت بعد أن نشأ في بلدة رمادة على زراعة أشجار الزيتون. ووالده المسن يحيى لا يزال يعيش من الزراعة ويقتات من أرضه. وتضم المجموعة التي تسللت إلى ليبيا طيارا بسلاح الجو التونسي ومهندس بترول تمكنوا من العبور مستغلين الحدود الشاسعة وسالكين نفس طريق مهربي البنزين للوصول إلى ليبيا والالتحاق بتنظيمات جهادية. وتلت ذلك أيضا عمليات هروب أخرى لجماعات من رمادة عبر الحدود للالتحاق بالدولة الإسلامية هناك.

ويرفض يحيى والد بشير زونجا أن يقر أن ابنه يوجد الآن ضمن أعضاء الجماعات الجهادية ولكنه يقول إنه فر نتيجة الملاحقات الامنية لتدينه وإطلاق لحية ولأنه يرتدي قميصا ويرتاد المساجد بشكل منتظم. ويضيف يحيى في بيته الصغير “ضع نفسك مكانه وأنت تتعرض للمضايقة.. والإيقاف العشوائي في كل مناسبة وتلقى معاملة سيئة ماذا سيكون رد فعلك وسلوكك.. ربما قد تجد نفسك تهرب من هذا الجحيم لتلتحق بمثل هذه المجموعات أو غيرها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *