تونس بين التنديد بالعزل السياسي داخليا والتخوف من العزل المالي والاقتصادي خارجيا ..

منية العيادي

 

 

شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات خطيرة على الساحة السياسية في تونس كان آخرها ما حدث يوم الجمعة الماضي تمثل في حل الرئيس قيس سعيد البرلمان واستدعاء عدد من النواب للتحقيق بتهمة تكوين وفاق إجرامي والتآمر على أمن الدولة بعد أن نظم البرلمان جلسة عامة افتراضية  يوم 30 مارس المنقضي، شارك  فيها 121 نائباً تحت إشراف النائب الثاني لرئيس مجلس النواب طارق الفتيتي وصوت 116 نائباً لإلغاء كل ما قام به قيس سعيد منذ 25 جويلية.

ما حدث أدى إلى تخوف كبير لدى الأطراف السياسية والوطنية المعارضة لسعيد من أن يكون ما أتى به مجرد تمهيد لإقصاء خصومه السياسيين، لا من المشاركة في الحوار الوطني فحسب، ولكن من الانتخابات المقبلة أيضاً وهو الذي لمح بذلك أكثر من مرة كما تصاعدت وتيرة التخوف لدى فئة كبير من الشعب التونسي من أن تجر قرارات رئيس الجمهورية البلاد إلى عزل اقتصادي دولي بعد تنديد عديد الدول وعدم رضاء أخرى على قرارات سعيد .

التحقيق مع النواب .. محاولة لعزل الخصوم تعمق الأزمة السياسية

نددت أطراف حقوقية وسياسية ومن المجتمع المدني بالتحقيق مع النواب الذين شاركوا في الجلسة البرلمانية، واصفة الأمر بالتجاوزات التي تستهدف القانون والحقوق والحريات والغاية منها توظيف القضاء لتصفية الخصوم السياسيين .

وأكدت تلك الأطراف على خطورة ما أقدم عليه قيس سعيد من أن يفضي إلى إحداث انقسام في البلاد وأن يعمق الأزمة السياسية   .

وتطوع عدد من المحامين للدفاع عن النواب في هذه القضية التي يلاحق فيها نحو 121 عضواً من كتل حزبية مختلفة، شاركوا في جلسة الأربعاء ومن بينهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي ونائبيه سميرة الشواشي وطارق الفيتيتي .

كما تم تكوين اللجنة الوطنية للدفاع عن نواب الشعب التي عقدت ندوة صحفية أمس الإثنين 4 أفريل 2022، أعلنت من خلالها عن تركيبتها ودورها المتمثل في الدفاع عن ال121 نائبا وتضم اللجنة كلّا من عبد الرزاق الكيلاني ، سمير ديلو ، أحمد نجيب الشابي ، البشير الصيد ، عبد الرؤوف العيادي..

واعتبر عميد المحامين السابق عبد الرزاق الكيلاني أنّ التتبعات القضائية لـ 121 نائبا ناتجة عن عقد مجلس النواب لجلسة يخوّلها له الدستور وذلك وفقا للفصل 80 من الدستور الذي ينصّ في فقرته الثانية على أن يبقى البرلمان في حالة انعقاد دائم.

وأضاف الكيلاني أن الخطير في الأمر أن السلطة التنفيذية استحوذ عليها شخص واحد وهذه السلطة تريد أن تفرض جبروتها على كلّ السلطات وتريد أن تستعمل سلطة أخرى وهي القضاء لمحاكمة السلطة التشريعية” مشيرا إلى أنّ البلاد “تعيش انحدارا خطيرا في التضييق على الحريات ومحاكمات عسكرية لمدوّنين ولصحفيين ولنواب شعب ولمحامين،تجعل كل فئات الشعب التونسي مستهدفة من هذا النظام الذي يريد أن يسطو على كلّ السلطات في هذا البلد”.

كما اعتبر المحامي سمير ديلو ، أنّ “التهمة الموجهة للـ 121 نائبا ارتكاب الإعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض باستعمال السلاح ”.

وقال ديلو إن “البلاد تتّجه بخطى حثيثة نحو تعميق الأزمة متعدّدة الأبعاد”، مفسراً بأن “الصراع ليس بين البرلمان والرئيس، بل بين الحكم الفردي الذي يسعى لجمع كل السلطات والصلاحيات، والدعوة للتمسك بالشرعية الدستورية وبالمؤسّسات المنتخبة والبحث عن حلول للأزمة عبر الحوار والتشارك”.

وأضاف ” الخائف لا يُخوّف ومن يجب أن يخاف هو من ارتكب الانقلاب ومن صنّف مؤسسات التصنيف الدولي بـ أمّك صنافة وارتكب انتهاك لحقوق الإنسان وحاكم عميد سابق للمحامين وأن تترأس وزير عدل في عهده اجتماع النيابة العمومية لأوّل مرة في تاريخ تونس، نقول لن نخاف”.

من جهته أعتبر المحامي أحمد نجيب الشابي أنّ قيس سعيد اغتصب السلطة بناء على الفصل 80 ، مؤكدا أنّ النواب لهم ذات الشرعية التي منحها الشعب التونسي للرئيس قيس سعيد وقد أعلنوا بجلستهم العامة ومخرجاتها ” إنهاء العمل بالتدابير الإستثنائية” داعيا المجتمع المدني والقوى السياسية إلى الخروج من حالة الفرقة والإنقسام وتجاوز خلافات الماضي لتشكيل قوة صمود وقوة سياسية يعتمد عليها الشعب التونسي  من أجل وقف هذا الإنحدار على حد قوله.

كما أكدت ردود فعل سياسية أخرى ، أن ما حدث يعيد تونس إلى المربع الأول من الإقصاء، في حين أن الأزمة بعد مرور 8 أشهر على قرارات 25 جويلية على المؤسسات الدستورية، تستفحل والوضع يزداد تعقيداً معتبرة  أنّ “سعيّد في أزمة خانقة وفي عزلة، وبهذا المسار وضع الدولة والمجتمع في خطر وهدد وحدة التونسيين، خاصة وأنّ البلاد تمر بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة لم تبلغها سابقاً.

مواقف خارجية منددة 

تستمر المواقف الرافضة، دولياً وتونسياً، لقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد حل البرلمان واحالة نوابه للتحقيق مطالبة بالعودة السريعة إلى الديمقراطية فيما أعلن مساعد رئيس البرلمان ماهر المذيوب، تقديم شكوى إلى الاتحاد البرلماني الدولي، ضد سعيّد لـ”قراره إبطال وإلغاء ولاية برلمانية تعسفياً”. ونشر تدوينة على حسابه على “فيسبوك”، مرفقة بنص شكوى مطولة ضد سعيّد، موجهة إلى رئاسة لجنة حقوق الإنسان بالاتحاد البرلماني الدولي .

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، إن “بلاده تشعر بقلق بالغ من قرار الرئيس التونسي حل البرلمان، وإزاء ما يتداول من أن السلطات التونسية تدرس اتخاذ إجراءات قانونية بحق نواب فيه”.

وأوضح أن “العودة السريعة إلى الحكم الدستوري، ومن ذلك برلمان منتخب، أمر بالغ الأهمية لمنظومة حكم ديمقراطي ومن شأنها أيضا أن تؤمّن دعما مستمرا واسع النطاق للإصلاحات المطلوبة لمساعدة الاقتصاد التونسي على الانتعاش”.

وأضاف برايس أن واشنطن أخبرت السلطات التونسية مرارا بأن أي إصلاح يجب أن يكون شفافا وبالتشاور مع جميع القوى السياسية.

من جهتهم، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس وعضو اللجنة مايكل ماكول، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي بوب مينينديز وعضو اللجنة جيم ريش، في بيان مشترك، أن محاولة سعيّد حل البرلمان “تعد بمثابة أحدث الخطوات في سلسلة من التحركات المقلقة التي تهدد المؤسسات الديمقراطية التونسية والديمقراطية وتنذر بمزيد من التدهور في سيادة القانون”.

ولفتوا إلى أن ما يحصل هي “خطوات مقلقة تهدد المؤسسات الديمقراطية في تونس وتنذر بمزيد من التدهور في سيادة القانون”.

كما أعربت الأمم المتحدة، عن قلقها إزاء قرار حل البرلمان. وحث المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحافي في نيويورك، “جميع الأطراف التونسية على الإحجام عن أي أفعال تؤدي لمزيد من التوتر السياسي في البلاد”.

تخوف شعبي من عزل مالي واقتصادي دولي للبلاد

يرى مراقبون أن هذه الخطوة التي أقبل عليها الرئيس قيس سعيد من حل للبرلمان ثم محاكمة النواب ستمدد في أجل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون قرارات تخرج البلاد من المأزق الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيش على وقعه.

 ويأتي هذا القرار بعد ساعات من إعلان وزيرة المالية، سهام نمصية، عن وجود مؤشرات إيجابية حول اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي، وأيضا إعلان الاتحاد الأوروبي عن نيته ضخ استثمارات بقيمة 4 مليارات يورو في تونس وهو ما زاد المخاوف بشأن مسار التفاوض مه المانحين الدوليين خاصة أن الاتحاد الأوروبي طالب بعودة المؤسسات الشرعية من أجل تيسير عمليات منح الدعم المالي للحكومة ومنها البرلمان.

وتأتي المواقف الخارجية المنددة بهذه القرارات لتزيد من المخاوف من أن يعود صندوق النقد  الدولي والاتحاد الأوروبي في قراريهما بشأن مساعدة تونس للخروج من أزمتها المالية أو أن يقوض  الأمر مسار المفاوضات وقد يعطّل حصول تونس على المساعدات المالية التي تربطها الدول المانحة باستقرار المسار الديمقراطي .

ويرى وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي سليم بسباس، أن الاستقرار السياسي لمؤسسات الحكم والتوافق الداخلي بين الأطراف السياسية والاجتماعية من الشروط الأساسية للممولين الخارجيين، حيث يطالب صندوق النقد الدولي ببرنامج إصلاحي يحظى بتوافق داخلي واسع مضيفا أن الاستقرار المؤسساتي مهم جدا لمواصلة تعاون تونس مع المؤسسات الدولية وتحديد وجهة الترقيم السيادي للبلاد، غير أن هذا الشرط لم يكن متوفرا في تونس، وهو ما يفسّر المسار التنازلي للتصنيف السيادي خلال الأشهر الأخيرة.

وفي ذات السياق قال رئيس حلقة الماليين عبد القادر بودريقة إن ”تونس قللت من قيمتها فيما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومع بقية الشركاء، معتبرا أن المفاوضات لم تكن بهذا الشكل في السنوات السابقة بل كانت سيادة تونس محفوظة، والتفاوض كان ندا للند خاصة من المفاوضين التقنيين.

وبّين بودريقة في تصريح إذاعي أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي مرتبط بالاستقرار السياسي وحصول توافق بين الشركاء الاجتماعيين والحكومة، مشيرا إلى أّن هناك نوع من الوعي بخطورة الموقف والتحديات الموجودة.

كما اعتبر أن سنة 2024 ستكون سنة صعبة نظرا لارتفاع معّدل الديون التي ترجعها تونس بالعملة الصعبة.

وتفصل تونس أشهر قليلة عن التخلف عن سداد ديونها وهو ما سيشكل كارثة وفق توقعات أكبر بنوك الاستثمار العالمية للدولة الواقعة في شمال أفريقيا، وذلك بسبب الاضطرابات السياسية التي تشهدها وعدم القدرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية.

وللإشارة فقد حذر تقرير مؤسسة “مورغان ستانلي” من عدم قدرة تونس على الإيفاء بتعهداتها إزاء الدائنين، منبهاً إلى أن تونس تتجه إلى التخلف عن سداد ديونها، إذا استمر التدهور الحالي في المالية العامة للدولة.

ورجّج أن يحدث ذلك العام القادم ما لم تتوصل البلاد سريعاً إلى برنامج مع صندوق النقد وتُجري تخفيضات كبيرة في الإنفاق. ويأتي هذا بعد تحذير مماثل من وكالة التصنيف الائتماني فيتش التي خفضت تصنيفها لديون تونس السيادية إلى (CCC) من (B-).

وتحتاج تونس، خلال العام الجاري 2022، إلى تمويلات خارجية لسد عجز الموازنة المتفاقم ومواجهة التداعيات الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في قفزات لأسعار الطاقة عالمياً والسلع الأساسية.

ويستحوذ الدين العام لتونس على82.57% من إجمالي الناتج المحلي في 2022، ويبلغ الدين الخارجي نحو 72.9 مليار دينار (24.8 مليار دولار)، بما يعادل 63.9% من إجمالي الدين العام، بينما يبلغ الدين الداخلي 41 مليار دينار، بما يعادل 36.1%.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *