توفيق شرف الدين ” أبرز رجال قيس سعيد” : من أرياف القيروان إلى أكبر مسؤول أمني وسياسي في البلاد

توفيق شرف الدين ” أبرز رجال قيس سعيد” :

من أرياف القيروان إلى أكبر مسؤول أمني وسياسي في البلاد

· رشح لرئاسة الحكومة مرارا ..ودفعت زوجته وأسرته الثمن

تونس . كمال بن يونس

تعاقبت الدعوات، بين أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد ومعارضيه ، لتشكيل حكومة جديدة في تونس ردا على الرسالة السياسية التي وجهها 90 بالمائة من التونسيين الذين قاطعوا انتخابات البرلمانية التي نظمت يوم ال17 من شهر كانون الأول / ديسمبر الجاري.

ورشحت وسائل الإعلام والاوساط السياسية لرئاسة الحكومة القادمة شخصيات وطنية مستقلة ومعارضة ، فيما ترجح أوساط في الكواليس تكليف مسؤولين كبار في الدولة بهذه المهمة أبرزهم محافظ البنك المركزي مروان العباسي ووزير الداخلية القوي ” المقرب جدا من قصر قرطاج ” توفيق شرف الدين .

وقد اختار سعيد منذ صائفة 2020 صديقه القديم توفيق شرف الدين للإشراف على حقيبة الداخلية وملفاتها السياسية الأمنية وبنايتها ” الرمادية ” وسط العاصمة تونس ، لأنها الوزارة الأكثر تحكما في المشهد السياسي والحكومي في البلاد منذ 70 عاما ، حيث ظلت المؤسسة العسكرية التونسية “في الصف الثاني” ، مقابل ” تضخم” الدور السياسي الوطني للمؤسسة الأمنية المدنية .

من هنا تخرج الرؤساء السابقون

وسبق لأغلب من أشرفوا على وزارة الداخلية أن أسندت إليهم مسؤوليات أكبر في الدولة ، على غرار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ورؤساء الحكومة السابقين الحبيب الصيد وعلي العريض ويوسف الشاهد ، فضلا عن الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة محمد مزالي والجنرال الحبيب عمار والوزراء السياسيين البارزين والمستشارين في قصر قرطاج ، قبل ثورة 2011 ، عبد الله القلال ومحمد جغام والشاذلي النفاتي والهادي مهني و علي الشاوش ورفيق الحاج قاسم …

بل إن ” الورقة الرابحة ” التي كانت ترجح غالبا كفة احد المتنافسين على منصب رفيع في تونس هي مروره ب” البناية الرمادية في شارع الحبيب بورقيبة ” ، أي وزارة الداخلية ..

و كان توفيق شرف الدين بدأ مشوار مسؤولياته الحكومية والسياسية وزيرا للداخلية في عهد حكومة هشام المشيشي قبل عامين وثلاثة أشهر .

وعين مطلع 2021 وزيرا مستشارا لدى رئيس الجمهورية مكلفا برئاسة الهيئة العليا لحقوق الانسان ثم عين من جديد على رأس قطاع الامن الوطني في حكومة نجلاء بودن بعد شهرين عن ” حراك 25 يوليو” ، بعد أسابيع راج فيها أنه سيكلف من قبل قرطاج برئاسة ” حكومة تصحيح المسار” لأنه كان رئيسا للحملة الانتخابية السابق لقيس سعيد في انتخابات 2019 في جهة الساحل وأحد طلبته السابقين في كلية الحقوق مع زوجة الرئيس اشراف شبيل وشقيقتها المحامية عاتكة شبيل وعدد من كوادر القضاء والأمن الحاليين .

أصيل القيروان ..ابوه ضابط أمن

وقد ولد توفيق شرف الدين في شهر نوفمبر / تشرين الثاني من عام 1968 ، في أرياف محافظة مدينة القيروان ، العاصمة الأولى للدول العربية والإسلامية التي حكمت كامل شمال افريقيا والاندلس في القرنين السابع والثامن بعد الميلاد . وقد ظلت ” المدينة الرمز ” للعلوم والثقافة والتجارة بعد انتقال العاصمة إلى مدينة تونس الحالية في ضواحي العاصمة السابقة قرطاج .

ولد توفيق في عائلة ريفية من بلدة ” منزل المهيري ” الزراعية ، على بعد 40 كلم جنوبي مدينة القيروان وحوالي 200 كلم جنوبي العاصمة تونس ، على الطريق المتجهة إلى مدنية سيدي بوزيد ، موطن محمد البوعزيزي مفجر انتفاضة الشباب التونسي والعربي يوم 17 ديسمبر / كانون الأول 2010 .

كان والد توفيق شرف الدين موظفا أمنيا في وزارة الداخلية عين في مصالح الوزارة في مدينة تونس ، فانتقل مع اسرته من القيروان الى العاصمة ، ففتحت آفاق جديدة لأبنائه .

بدأ توفيق تعليمه الابتدائي في مدرسة عمومية في حي شعبي في مدينة تونس القديمة وأحيائها الشعبية ، وتحديدا في مدرسة نهج ” الولي الصالح سيدي علي عزوز ” ، غير بعيد عن جامع الزيتونة وأسواق الصناعات التقليدية في ” البلاد العربي ” للمدينة من جهة ، وعن ” المدينة العصرية ” وشارع الحبيب بورقيبة الذي يؤوي مقر وزارة الداخلية من جهة ثانية ..

استفاد توفيق شرف الدين من استقرار والده مدة طويلة في العاصمة فدرس في ” المعهد الصادقي” في القصبة غير بعيد عن قصر الحكومة ، وهو أحد أعرق المعاهد الإعدادية والثانوية في تونس منذ القرن التاسع عشر . وسبق أن تخرج من هذا المعهد عدد من المشاهير بينهم الزعيم الحبيب بورقيبة ورفاقه مؤسسو الدولة التونسية الحديثة مثل محمد مزالي ومحمود المسعدي والباجي قائد السبسي. كما تخرج منه الرئيس الحالي قيس سعيد وعدد من رفاقه .

من العاصمة إلى الساحل

لكن والد توفيق شرف الدين عين بعد ذلك في إدارة أمنية في محافظة سوسة في الساحل التونسي ، موطن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وأغلب وزرائهما .

تابع توفيق دراسته الثانوية في المعهد الثانوي بسوسة ، الذي سبق أن تخرج منه مئات من كبار الموظفين والمسؤولين في الدولة ، باعتباره كان أبرز مؤسسة تعليمية في محافظات الساحل التونسي ومدن سوسة والمنستير والمهدية والقيروان .

فتح الانتقال إلى مدينة سوسة السياحية والعلمية آفاقا جديدة لتوفيق شرف الدين ، وهو يرافق والده الأمني وأسرته الشعبية ، مما مكنه من التعرف مبكرا على الأنشطة الرياضية والشبابية التي كانت مفتوحة للشباب عموما ولأبناء المؤسسة الأمنية خاصة .

وقد سبق لشرف الدين أن تعرف على جانب من الأنشطة الرياضية والاجتماعية والصحية لأبناء الأمنيين في العاصمة تونس وتحديدا في منطقة ثكنات الأمن في ” القرجاني” غربي مدينة تونس القديمة .

طالبا في كلية قيس سعيد ؟

وشاءت الأقدار أن يحصل توفيق شرف الدين على الثانوية من معهد سوسة وأن يوجه مثل نخبة من زملائه إلى كلية الحقوق في جامعة الوسط بسوسة ، التي عين فيها للتو الجامعي الشاب قيس سعيد ، وبدا بين مدارجها مسيرته الأكاديمية فيها مكلفا بالتدريس والورشات بخطة أستاذ مساعد يؤطر الطلبة المرشحين لخطة محام وقاض وخبير قانوني .

وشاءت الأقدار أيضا أن يكون بين زملاء توفيق شرف الدين في نفس الكلية شبان من الجنسين عينوا لاحقا في مؤسسات أمنية وقضائية وفي المحاماة ، بينهما طالبتان تعرف عليهما قيس سعيد وقتها ،احداهما اشراف شبيل سيدة تونس الأولى الحالية وشقيقتها عاتكة .

وقد تخرجت الأولى قاضية بعد متابعة دراستها في المعهد الأعلى للقضاء فيما تخرجت شقيقتها محامية ، وأصبحت زميلة مقربة لشرف الدين طوال سنوات في محكمة سوسة .

وساعدت هذه الزمالة تدريجيا في توثيق علاقات شرف الدين بقيس سعيد واسرته .

لذلك لك يكن مفاجئا أن يتطوع لرئاسة الحملة الانتخابية لسعيد منذ الدورة الأولى في انتخابات 2019 .

وكانت اشراف شبيل وشقيقتها عاتكة كريمتا قاض ورئيس محكمة كبير في محافظتي سوسة والمنستير في الثمانينات من القرن الماضي .

وبرز توفيق شرف الدين وزميلته المحامية عاتكة مع عدد من المحامين الشباب في نفس المحكمة بجهة سوسة ولم يغادراها نحو العاصمة بعد انتقال سعيد للتدريس والسكن في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة تونس .

بعيدا عن السياسية

ظل توفيق شرف الدين ” بعيدا عن السياسة ” متفرغا لأسرته وأبنائه الثلاثة ، بعد سنوات من تحصله على شهادتي الأستاذية في الحقوق من كلية الحقوق بسوسة والكفاءة لمهنة المحاماة ثم على ماجستير مهني في العقود والخدمات القانونية.

ارتقى شرف الدين مهنيا عام 2008 ، فعين محاميا لدى التعقيب ، وظل عضوا بالفرع الجهوي للمحامين بسوسة مكلّفا بالنشاط العلمي والملتقيات العلمية منذ سنة 2013.

كما ساهم مع عدد من المحامين في تأسيس فرق رياضية خاصة بالمحامين الشباب كانت تنظم مباريات وسباقا بينهم ” بعيدا عن السياسة ” ، مثلما لم يعرف عن قيس سعيد أي انشغال مباشر بالعمل السياسي والحزبي ، بل كان متفرغا للتدريس والبحث العلمي والاشراف مع عدد من أساتذته وزملائه على تظاهرات أكاديمية سياسية كانت تنظمها الجمعية التونسية للقانون الدستوري .

” الأقرب إلى قصر قرطاج ”

وفي الوقت الذي تعاقبت فيه التصريحات بين أنصار الرئيس قيس سعيد ومعارضيه عن ” الدور السياسي الكبير ” الذي ينتظر توفيق شرف الدين .

وعاد الحديث مؤخرا عن احتمال تعيينه رئيسا جديدا للحكومة ، لكنه سارع بالتنويه بخصال رئيسة الحكومة الحالية نجلاء بودن . ونفى في مناسبات عديدة رغبته في تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة . واعتبر أنه يخدم بلاده والمشروع السياسي للرئيس قيس سعيد ، وهو على رأس حقيبة الداخلية .

لكن المراقبين في تونس سجلوا أن شرف الدين هو الوزير الأكثر تواصلا مع قصر قرطاج ، وأن مبنى وزارة الداخلية هو أكثر مقر يزوره الرئيس سعيد .

وتكشف الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن عدد جلسات العمل الرسمية والعلنية التي يعقدها قيس سعيد مع شرف الدين تبلغ أحيانا الأربعة مقابل جلسة واحدة مع نجلاء بودن وعدد محدود جدا من الجلسات مع بقية الوزراء ، بمن فيهم بعض المقربين منه منذ مرحلة ما قبل وصوله إلى قصر قرطاج ، مثل وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي ووزير التكوين والتشغيل المحامي نصر الدين النصيبي .

وقد كشفت حادثة انفجار غاز في مسكن الوزير توفيق شرف الدين في ماي الماضي العلاقات الإنسانية والشخصية المتطورة بين قيس سعيد وشرف الدين وعائلتيهما .

فقد زار سعيد وزوجته وأفراد من عائلته بشكل رسمي شرف الدين وعائلته للقيام بواجب العزاء بمناسبة وفاة زوجة شرف الدين ، التي توفيت بعد اصابتها في انفجار أنبوب للغاز في البيت .

وأكدت الفيديوهات والصور الرسمية التي نشرت بالمناسبة عمق العلاقات بين الرئيس وزوجته وشرف الدين وأبنائه .

ونفت كل التقارير الرسمية أن تكون حاثة انفجار أنبوب الغاز في وجه زوجة وزير الداخلية ” عملا اجراميا مدبرا” ، وأكدت أنه نجم عن ” تسرب للغاز ” في المطبخ .

لكن بعض المراقبين اعتبروا أن شرف الدين من خلال هذا الحادث دفع فاتورة عالية لتفرغه صباحا مساء بصفته المسؤول الأول عن الوزارة المشرفة على قطاعات الامن الوطني المختلفة وعلى تقلبات الملفات السياسية والاجتماعية .

وقد سبق لمجموعة إرهابية أن هاجمت بالأسلحة الثقيلة قبل 10 أعوام مسكن عائلة وزير الداخلية القوي والقاضي لطفي بن جدو في موطنه في مدينة القصرين ، 300 كلم جنوبي غربي العاصمة تونس . لكن تلك العملية فشلت لأن الوزير وعائلته غادراها قبل وصول الإرهابيين .

لكن شرف الدين يؤكد دوما أنه ” لا يخشى التهديدات ” وأنه ماض ” في تنفيذ أوامر الرئيس قيس سعيد وانجاح المسار الإصلاحي الذي بدأه في 2019 وتعزز بعد 25 يوليو 2021 “، لاسيما من خلال الحفاظ على أمن البلاد الداخلي والخارجي وضمان الوحدة الوطنية للبلاد .

ولاشك أن من بين نقاط القوة بالنسبة لشرف الدين علاقاته الإنسانية والسياسية القديمة مع قيس سعيد ومع شخصيات مؤثرة في توجهات قصري قرطاج والقصبة و”البناية الرمادية “، التي كثف سعيد زياراته الفجائية لها ليلا ونهارا .

لكن هذه الورقة سلاح ذو حدين ، قد تزعجه إعلاميا وفي مشواره السياسي ، خاصة أن عددا من خصومه من بين الموالين للرئيس ومعارضيه يحملون وزارة الداخلية مسؤولية بعض ” التجاوزات الأمنية ” التي تشتكي منها قيادات المعارضة والنقابات والمجتمع المدني ، وبينها مضايقة بعض المعارضين أو ايقافهم ” دون احترام الإجراءات القانونية “. وقد تسببت تلك الايقافات في رفع بعض هؤلاء المعارضين ، مثل عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري والوزير السابق للعدل نور البحيري ، قضايا عدلية أمام المحاكم ضد السلطات الأمنية والحكومة .

في الأثناء يؤكد شرف الدين والمقربون منه على ” حياد وزارة الداخلية ” والمؤسسات الأمنية خلال تعاملها مع كل الأحزاب والأطراف السياسية ، بما في ذلك من خلال السماح لآلاف من نشطاء المعارضة و” جبهة الخلاص الوطني ” و” الحزب الدستوري الحر” بالتظاهر وسط العاصمة وانتقاد السلطات ورئاسة الدولة والحكومة والدعوة إلى ” مقاطعة الانتخابات “..

فهل يكون شرف الدين الشخصية التي يختارها سعيد لرئاسة الحكومة في المرحلة القادمة وامتصاص الغضب الشعبي والإصلاح السياسي الاجتماعي والاقتصادي أم يختار شخصية ” من خارج المنظومة الحالية ” بهدف تحييد النقابات والمعارضة وإيجاد مخرج فوري للازمات المالية والاقتصادية الخانقة التي تواجه الدولة والبلاد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *