تقرير” ستاندر اند بورز” والدفع نحو الاقتراض الخارجي .. بقلم جنات بن عيد الله


شكل التقرير الصادر يوم الاثنين 20 فيفري 2023 عن وكالة التصنيف الامريكية “ستاندر اند بورز” المتعلق بتشخيص واقع القطاع البنكي في تونس في ظل الأزمة المالية التي تمر بها البلاد نموذجا صارخا لسياسة صندوق النقد الدولي الرامية الى تعميق تبعية الدول الغارقة في المديونية للنظام المالي العالمي. كما يترجم هذا التقرير حقيقة مقاربة المؤسسات المالية العالمية للحلول المقترحة على هذه البلدان لإخراجها، كما تدعي، من أزمتها المالية اعتمادا على توفير التمويل الخارجي، وهي مقاربة لا تخلو من تلويث للفكر الوطني النير الذي يحاول تعزيز وتنمية القدرات الذاتية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والتأسيس لمقومات ذاتية للخروج من الأزمة المالية خارج فلك صندوق النقد الدولي وما يسطره النظام المالي العالمي.
هذا التقرير جاء أيضا من أجل طمس كل تفكير يحاول التمرد على النظام المالي العالمي والايهام بانعدام أي حل خارج دائرة وفلك صندوق النقد والبنك الدوليين، والقطع مع كل تفكير في تنمية المصادر الذاتية لتوفير العملة الصعبة المتمثلة، بالنسبة للحالة التونسية، في تحويلات التونسيين بالخارج والتصدير بما يفترض القطع مع سياسة مالية عمومية تقوم على التقشف وسياسة نقدية متشددة.
هذا التقرير، الموجه للمستثمرين الأجانب والمحليين، تضمن المخاطر التي تهدد البنوك التونسية في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني وذلك في إطار ثلاث سيناريوهات تفننت وكالة التصنيف الأمريكية في وضعها في دائرة الاقتراض الخارجي وتغييب كل مصدر، لتوفير العملة الصعبة، خارج دائرة التمويل الخارجي. فقد صممت هذه السيناريوهات على أساس حصول تونس من انعدامه على تمويل من صندوق النقد الدولي من جهة، وعلى نسق سرعة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية للصندوق من جهة ثانية.
التقرير اعتبر أن سيناريو الانتعاش الاقتصادي، وهو الأكثر تفاؤلا حسب رأي وكالة التصنيف، يقوم على ابرام تونس اتفاقا مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات بما يمكن التمويل العمومي والخارجي من استعادة سياقه المستدام ويجعل البنوك التونسية قادرة تنفيذ الإصلاحات الموجهة من قبل البنك المركزي.
أما السيناريو “المعتدل” والذي يشكل تهديدا للقطاع البنكي، حسب التقرير، فيتمثل في عدم تنفيذ الحكومة للإصلاحات الاقتصادية المتمثلة في الرفع الكامل للدعم عن المواد الأساسية والمحروقات ومواصلة تجميد الأجور والانتدابات في الوظيفة العمومية والترفيع في الضرائب والتفويت في المؤسسات العمومية. ويشير التقرير في هذا المستوى الى أنه في غياب تنفيذ ما يسميها بالإصلاحات والتي تجد رفضا من قبل الشعب التونسي والاتحاد العام التونسي للشغل، فان البلاد لن تتحصل على موارد خارجية لتمويل ميزانياتها وهو ما سيكون له تداعيات سلبية، حسب التقرير، على الدعم الثنائي ومتعدد الأطراف ويجبر الحكومة على اللجوء الى البنوك المحلية لتعبئة الموارد، مذكرا بتداعيات التمويل النقدي على التضخم وعلى أداء البنوك داعيا في هذا السياق الى تجنب ذلك.
أما السيناريو الأكثر تشاؤما، حسب التقرير، فيقوم على احتمال عدم توصل تونس الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وحسب هذا السيناريو فان البنوك مهددة بتكبد خسائر، وصفها بالكبيرة، بما يجعلها في حاجة أكثر الى إعادة الرسملة.
في المقابل، وبسبب عدم الحصول على تمويلات خارجية، فان كل المؤشرات مهددة بالانهيار، حسب التقرير، بدءا باختلال ميزان الدفوعات والمالية العمومية، مرورا بتراجع قيمة الدينار، ووصولا الى تسجيل التضخم ارتفاعا حادا.
ما يلفت الانتباه في تحليل وكالة الترقيم للسيناريو الأخير الذي يستند الى مقاربة صندوق النقد الدولي أن وضعية ميزان الدفوعات تتوقف على التمويل الخارجي وليس على مداخيل صادراتنا ولا على تحويلات التونسيين بالخارج.
هكذا تحليل يقوم على المغالطة والتضليل لا يتردد في تكريس اللجوء أكثر الى الاقتراض الخارجي، بل انه يعمل على توجيه الرأي العام واقناعه بوجود حل وحيد للأزمة المالية متمثلا في مزيد اللجوء الى الاقتراض الخارجي بعيدا عن كل حل يستند الى تشجيع الإنتاج والاستثمار.
في هذا السياق يتضح أن هذا التقرير لم يأت لمساعدة البنوك التونسية على تأمين مناخ أفضل لنشاطها، ولكن من أجل التأثير وتوجيه الرأي العام الوطني نحو القبول بإصلاحات صندوق النقد الدولي والايهام بأن المخرج الأوحد لأزمتنا هي الانصياع والخنوع لسياسة التقشف ولبنك مركزي جعل من قانون استقلاليته مطرقة لضرب محركات النمو من استهلاك واستثمار وتصدير، وأن الاقتراض الخارجي هو الحل لبلد غارق في المديونية الخارجية هو مدعو اليوم لمزيد الاقتراض داخليا وخارجيا ضاربا بذلك كل إمكانيات تنمية الثروة وتعزيز القدرات الإنتاجية بل لا مجال للحديث عن انتاج طالما وأن اتفاقيات التبادل الحر وجدت لتحويل تونس الى سوق استهلاكية لدول الاتحاد الأوروبي الذي” يتكرم” علينا بخطوط تمويل وهبات للتغطية عن تراجع احتياطنا من العملة الصعبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *