تقديم كتاب ” الايتيقا وأخلاقيات المهنة ” للأستاذ علي بالعربي

الصحافة تكتب تاريخ البلاد

تقديم كمال بن يونس *

تداول على قطاعات الإعلام و الاتصال والثقافة والسياسة الخارجية والعمل الحزبي في تونس والوطن العربي عدد كبير من الصحفيين والكتاب والمنتجين والإداريين والديبلوماسيين والسياسيين .

لكن نخبة منهم فقط جمعت بين خوض تجربة العمل في كل هذه القطاعات مجتمعة ، مثل الأستاذ علي بالعربي مؤلف هذا الكتاب الذي عرفه البعض صحفيا ومسؤولا عن مؤسسات إعلامية وعرفه آخرون مشرفا في الصف الأول على وزارات الثقافة والإعلام والخارجية . في المقابل يتوقف غيرهم عند تجاربه السياسية الحزبية وطنيا وعند مرحلة توليه مسؤوليات ديبلوماسية بعد تعيينه سفيرا .

ولئن منح ” تعدد الاختصاصات ” و ” تعدد المرجعيات ” علي بالعربي فرصة تنويع مرجعياته وخبراته وكتاباته ، فنشر مثلا دراسات موثقة عن تاريخ المسرح التونسي ، فإن من بين يشد الانتباه أنه ظل وفيا ل” مهنة المتاعب” ، أي للصحافة .

واختار الكاتب والديبلوماسي والمثقف والإعلامي علي بالعربي أن تكون هديته الجديدة للسياسيين والمثقفين والإعلاميين التونسيين والعرب كتابا طريفا ومهما عن ” أخلاقيات مهنة الصحافة ” .

قدم الكتاب مادة توثيقية وقراءة واضحة وغير معقدة لمختلف المدارس والتجارب والقراءات للمرجعيات الأخلاقية والقانونية والسياسية والاجتماعية التي اعتمدت في تنظيم قطاع الاعلام ، انتاجا وتسويقا ، وإدارة في العالم وفي الوطن العربي وتونس .

وبذلك كشف ” السفير” و”مدير ديوان وزير الثقافة” و” المدير العام لوكالة الأنباء” ثم للإعلام و الاتصال في وزارة الخارجية ، أن من بين أبرز استنتاجات مساره المهني والسياسي والديبلوماسي الطويل إعطاء الأولوية لأداء قطاع الإعلام والاتصال ، لأن ” الصحافة تكتب تاريخ الدولة والبلاد “. وهي التي توفر لصناع القرار والباحثين والأجيال القادمة ” الوثيقة ” و ” المرجع الأهم ” في فهم الواقع ثم في قراءة التاريخ .

من أجل كل هذا عني الكاتب بتقديم قراءة استعراضية وأخرى نقدية للتجارب القانونية والسياسية والمهنية في تنظيم قطاع الاعلام والاتصال ، وضمان احترام الصحفيين والمشرفين على وسائل الاعلام ل” الإيتيقا ” و ” الديونتولوجيا ” و” أخلاقيات المهنة الصحفية ” ..وتكريس قاعدة : ” الخبر مقدس والتعليق حر” ، مع التوفيق بين الحقوق والواجبات ، وبينها الحق في السعي لتوسيع هامش الحريات وواجب احترام حقوق الطرف الآخر ، سواء كان حليفا أو خصما أو عدوا ..

وكان إيجابيا أن تحرر الكاتب من ” عقدة ” قطاع كثير من الكتاب والصحفيين في البلدان الفرنكفونية والأنجلوسكسونية الذين عودوا القراء على ” الإنحياز” لمدرسة فكرية وإعلامية واحدة . بل لقد كانت من بين أبرز نقاط القوة في الدراسة أنها انفتحت على تجارب قانونية وصحفية ومهنية متناقضة شملت البلدان الاسكندنافية و” أعرق الديمقراطيات ” ، أي بريطانيا وأمريكا وبلدان القارة الاوربية والهند واليابان ..

كما قدمت الدراسة تجارب مقارنة في المنطقة العربية والإسلامية ، بما في ذلك الدول الخليجية وتركيا وايران ، قبل تقديم عرض تفصيلي وقراءة نقدية لتطورات المشهد الإعلامي في تونس قانونيا وسياسيا ومهنيا خلال السبعين عاما ، بما في ذلك بعد اندلاع الانتفاضة الاجتماعية في 2010 و الثورة الشبابية مطلع 2011 .

وقد نجح الكاتب في تقديم قراءة ” تأريخية ” موثقة لتطورات علاقة وسائل الاعلام والصحفيين التونسيين وفي العالم بالسلطات وبالقوانين والمواثيق المنظمة لقطاع الإعلام والاتصال و” ميثاق شرف المهنة ” وبالمنظمات التي انتمى اليها الصحفيون والاعلاميون وبينها الجمعيات المهنية والنقابات ومجالس الصحافة .

وكان مهما جدا أن التزم علي بالعربي في كتابه قدرا كبيرا من الحياد والموضوعية والمهني بما في ذلك عند تقديم الانتهاكات للحريات و لأخلاقيات المهنة الصحفية في المراحل التي كان فيها موظفا كبيرا في الدولة أو مسؤولا في وزارات الثقافة والاعلام والخارجية في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة ( قبل 1987 ) وزين العابدين بن علي ( ما بين 1987 و 2011 )..كما لم غفل عن التعريف بالإصلاحات والتغييرات التي وقعت بعد ثورة 2011 بما في ذلك المرسومان 115 و 116 ودستور 2014 واحداث الهيئة العليا المستقلة لإصلاح الإعلام والإتصال ..

لكن رغم كل هذا الجهد التوثيقي والتأليفي المهم جدا ، خاصة من حيث تأكيده على أهمية احترام الصحفيين والعاملين في القطاع لأخلاقيات المهنة الصحفية ، ينبغي أن يتوج الكتاب بدراسة أكثر عمقا لبعض المحطات والفقرات والمحاور والمتغيرات التي تؤثر في واقع ” السلطة الرابعة ” والإعلاميين في مرحلة تزايد فيها دور المال السياسي وضغط اللوبيات العالمية والإقليمية المتحكمة في قطاع الإعلام والثقافة لتضمن الهيمنة على عقول مليارات البشر وسلوكياتهم ونمط استهلاكهم ومواقفهم ..

وتزداد الحاجة إلى مثل هذا الكتاب لأن الصحفيين يكتبون تاريخ بلادهم ودولتهم ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *