“تعليق “أعمال البرلمان بسبب هيئة الحقيقة والكرامة : طبخة سياسية جديدة ؟ بقلم كمال بن يونس

 احتواء الأزمات مع النقابات لن يحل مشاكل الحكومة

في الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ومستشاروهما يتابعون تحركاتهم الماراطونية لاقناع القيادات النقابية بالغاء الاضراب العام وتحركات التصعيد القطاعية والجهوية .
وفي الوقت الذي كان فيه وزير المالية السابق البرلماني سليم بسباس يدلي بتصريحات صحفية حول قرب التوصل الى ” طبخة جديدة ” تؤدي الى احتمال ” احتواء” الخلافات بين النقابات الحكومة ومنظمة الاعراف ..
وفي الوقت الذي كان فيه عميد المحامين عام المحرزي ورؤساء منظمات وطنية يعقدون فيه لقاءات بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ومستشاريه أو مع ورئاسة مجلس النواب بحثا عن ” حلول تحفظ ماء وجه كل الاطراف “..
في نفس الوقت اندلعت أزمة غير مسبوقة داخل البرلمان بسبب خلافات حول مستقبل” هيئة الحقيقة والكرامة ” ورئيستها وميزانيتها ..وحول ضرورة حضورها شخصيا في الجلسة العامة . وكانت الحصيلة ” تعليق” أعمال المجلس لمدة 24 ساعة ” في انتظار عودة رئيسة الهيئة الى تونس ” ؟؟.
فما الذي يجري في البلاد؟
وهل تعصف أجندات السياسيين مجددا بالتوازنات الحالية في البلاد؟
من زار مجلس النواب أمس الثلاثاء يلاحظ أن أغلب قاعات الكتل النيابية والأروقة كانت شبه فارغة ..بما يؤكد أن ” التعليق” المؤقت لأشغال مناقشة الميزانية لم يكن فقط بسبب انتظار موقف الحكومة من آخر التعديلات التي قدمتها لجنة المالية لمشروع قانون المالية 2017.
أول مواجهة بين النداء والنهضة ؟
نواب من ” الجبهة الشعبية ” و” مشروع تونس ” والمستقلين قدموا تعليقات متباينة على ” تعليق اشغال الجلسة العامة في انتظار عودة السيدة سهام بن سدرين ” الى تونس لتتولى بنفسها الرد على تساؤلات النواب..
بعض هؤلاء أكد على كون الامر يتعلق لأول مرة ب” تصويت نواب حزب النداء بصفة جماعية ضد نواب النهضة والكتلة الديمقراطية “..وان كان الخلاف ظاهريا يهم قضية ” فرعية ” تهم الموقف من حضور رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة في البرلمان او تكليفها شخصية تعوضها .
نواب من الكتلة الديمقراطية والمستقلين اوردوا خلال لقائنا بهم أمس الثلاثاء في مقهى المجلس على كون ” الصراع” الذي وقع مساء الاثنين بسبب يعكس خلافات سياسية أعمق بين النهضة والنداء في الموقف من دور”هيئة الحقيقة والكرامة ” وجلسات الاستماع القادمة لضحايا القمع في العقود الماضية ..الى جانب الخلافات في تقييم شخصية الرئيسة وبعض نوابها؟؟ .
مصارحة ثم مصالحة أم تمهيد للمحاكمة ؟
وبصرف النظر عن التقييمات المتباينة من التسيير المالي والاداري لهيئة الحقيقة والكرامة كشفت ” المواجهة العلنية الأولى ” بين النواب النهضويين وحلفائهم والندائيين وحلفائهم اختلافا جوهريا في الموقف من رسالة هيئة الحقيقة والكرامة ومن رئاستها .
ويبدو أن الخلاف الجوهري يهم رسالة الهيئة وأهداف جلسات الاستماع لضحايا القمع وسرية تلك الجلسات .
وإذ ينتقد بعض السياسين تركيز الهيئة في جلسات الاستماع السابقة على المعارضين ” الراديكاليين ” من اليوسفيين القوميين والاسلاميين ونشطاء الحوض المنجمي ، يدعو آخرون إلى ” طي صفحة الماضي” أو الى الاكتفاء بجلسات مصارحة ومصالحة سرية بعيدا عن وسائل الاعلام .؟؟
تصريحات متناقضة ؟
وكشفت ” المواجهات الكلامية ” بين أنصارالسيدة سهام بن سدرين وخصومها في جلسة أول أمس في البرلمان عمق التناقضات بين قيادات الاحزاب المشاركة في الحكومة فيما يتعلق بدور” جلسات الاستماع ” و” هيئة الحقيقة والكرامة ” .
وبالرغم من دعوات قياديين في النهضة والجبهة الشعبية والدستوريين ـ مثل السادة كمال مرجان وراشد الغنوشي وحمه الهمامي ومحمد الغرياني ـ إلى ” ان تتوج جلسات الاستماع بالمصالحة ، فان التعليقات السائدة في المواقع الاجتماعية من بين انصار معارضي بورقيبة وبن علي دعت الى المحاسبة والانتقام من الامنيين والسياسين المورطين في التعذيب والقمع ..وهو ما يتنافي مبدئيا مع ” فلسفة مسار العدالة الانتقالية ” حسب تصريحات سابقة للرئيس الباجي قائد السبسي وقيادات بارزة في النداء والاحزاب القريبة منه
طبخة سياسية جديدة ؟
لكن هذه المستجدات قد تكون ” القطرة التي أفاضت الكأس”..وقد مهدت لها تصريحات انتقد فيها الرئيس قائد السبسي مجددا قيادة حركة النهضة وبعض مواقفها السابقة؟؟..
بل إن كل المؤشرات ترجح وجود سباق لإعداد طبخة أو “طبخات ” سياسية جديدة بعد مصادقة البرلمان على ميزانية 2017 ….وقد تكون الاضرابات مجرد ” وسيلة ضغط ” في نفس الاتجاه ..
وقد تعددت الدعوات مجددا لإقالة بعض الوزراء ..وصعدت نقابات عديدة لهجتها ضد وزراء التربية والتعليم والصحة والعدل والمالية.. مع الإشارة إلى كون ” الحد الأدنى ” الذي قد ترضى به اعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن تعديل جزئي في تشكيلة حكومته الجديدة ؟؟
في المقابل عادت مجموعات ضغط عديدة للمطالبة باستبدال “حكومة الوحدة الوطنية ” بحكومة ” انقاذ وطني” لا تضم شخصيات حزبية ؟؟
وحسب بعض الكواليس فان ” الطبخة السياسية القادمة ” قد تدعم السيد يوسف الشاهد على رأس الحكومة وحزب نداء تونس وقد تستهدفه ..بسبب تعمق الخلافات داخل حزبه وكتلته البرلمانية ..
فلمن ستكون الكلمة الأخيرة ؟
هل يحسم الموقف أنصار التوافق أم دعاة القطيعة والصدام الاجتماعي والسياسي ؟
في كل الحالات يتضح أن ” التوافق بين الحكومة والنقابات ” لن يحل أزمات البلاد السياسية لوحده ..
كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *