تصعيد جديد بين السبسي وقيادة النهضة : قطيعة ام تحسين لشروط التفاوض ؟

بقلم كمال بن يونس

بعد يوم واحد من إعلان المحكمة العسكرية في العاصمة التونسية فتح تحقيق قضائي رسمي حول تهمة محاولة الانقلاب على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي نسبت الى رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومدير عام الامن الرئاسي وعدد من السياسيين ، صعد السبسي بشكل غير مسبوق لهجته ضد قيادة حركة النهضة ونوابها في البرلمان.

واتهم الرئيس التونسي قيادة النهضة في كلمة توجه بها ظهر أمس الخميس الى الشعب ، بمناسبة ترؤسة اجتماع مجلس الامن القومي بحضور رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل ، بممارسة ضغوطات عليه وبتهديده بسبب استقباله قبل أيام وفدا عن مجموعة المحامين الذين رفعوا قضية ضد قيادة حزب النهضة مع اتهامها بمحاولة اغتيال قائد السبسي والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في 2013.

ملف قضائي أمني ضخم

وعرض قائد السبسي أمام الكاميرا مجلدا كبيرا عرضه عليه المحامون تضمن مؤيدات الشكوى التي رفعوها ضد قيادة حركة النهضة بعد أن اتهموها بتشكيل ” جهاز سري” له امتدادات في المؤسستين الامنية والعسكرية ، وأوردوا أن ذلك” الجهازالسري” كان على علاقة بأحداث العنف التي شهدتها تونس قبل 5 أعوام ، وبينها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد والبرلماني القومي محمدالابراهمي .

وكان المحامي اليساري رضا الرداوي ورفاقه اعضاء هيئة الدفاع عن الفقيدين بلعيد والابراهمي أدلوا بتصريحات لوسائل الاعلام بثها الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية اتهمت قيادة النهضة باحداث “جهاز سري” و بالتجسس على مؤسسات الدولة السيادية والضلوع في العنف السياسي وفي التحضير لاغتيال الباجي قائد السبسي ورئيس فرنسا الاسبق في 2013.

حياد مؤسسة الرئاسة

وقد رد المكتب التنفيذي لحركة النهضة على تلك الاتهامات بقوة وانتقد بلهجة غير مسبوقة مؤسسة رئاسة الجمهورية واتهمها بعدم احترام الدستور وبالخروج الحياد بين الاطراف السياسية والحزبية وعدم التورط في المعارك بينها .

كما تعرضت مؤسسة الرئاسة الى انتقادات حادة من قبل عدد من نواب حركة النهضة في البرلمان بينهم وزيرالعدل السابق نور الدين البحيري ورئيس المكتب السياسي السابق عامر العريض ورئيس لجنة الامن والدفاع في البرلمان الوزير السابق عبد اللطيف المكي.

الشاهد ومحسن مرزوق على الخط

وقد حذر المكي و البحيري والعريض الرئيس التونسي والمقربين منهم من بعض مستشاريه الذين ورطوه في الخروج عن الحياد السياسي الذي يفرضه عليه الدستور.

كما نفى رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمام البرلمان على تهمة مشاركته ومدير عام الامن الرئاسي وشخصيات سياسية أخرى في محاولة الانقلاب على رئيس الجمهورية بدعوى افتكاك موقعه .

واستدل الشاهد بكون الدستور التونسي يمنح صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة والبرلمان وليس لرئيس الجمهورية .

وتعرض قائد السبسي ومستشاروه الى انتقادات في وسائل الاعلام القريبة من الحكومة والخاصة .

وشارك في الانتقادات سياسيون من بين المقربين الى رئيس الحكومة يوسف الشاهد مثل الوزير والبرلماني السابق الازهر العكرمي وزعيم الحزب اليساري الوسطي الوزير السابق محسن مرزوق .وقد كان مرزوق والعكرمي من أقرب الشخصيات السياسية الى قائد السبسي خلال انتخابات 2014 وفي الحكومة الأولى التي شكلها مطلع 2015 برئاسة الحبيب الصيد .

ردا على تصويت البرلمان

وقد اتهم العكرمي الامين العام الجديد لحزب نداء تونس ورجل الاعمال المثير للجدل سليم الرياحي بافتعال أزمة سياسية جديدة بعد أن نجحت حكومة يوسف الشاهد الجديدة في الفوز بثقة حوالي ثلثي أعضاء البرلمان.

وقلل الازهر العكرمي ، المتهم بدوره بالضلوع في المحاولة الانقلابية ، في تصريح للشرق الاوسط من جدية الحديث عن تفكير رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومدير عام الامن الرئاسي العميد وشخصيات سياسية وطنية في محاولة الانقلاب على قائد السبسي ، بهدف ابعاده عن الحكم مطلع العام القادم .

وطالب رئيس الحكومة الاسبق البرلماني علي العريض كل الفرقاء السياسيين بعدم السقوط في فخ تبادل الاتهامات بالعنف والمحاولات الانقلابية وبالتفرغ لدعمم حكومة يوسف الشاهد التي حصلت على دعم حوالي ثلثي مجلس النواب أواسط الشهر الجاري.

توضيحات

لكن المستشار السياسي نور الدين بن نتيشة رد على الانتقادات الموجهة اليه والى الرئيس .

وأورد بن نتيشة في تصريح رسمي للصحافة الوطنية باسم قصر قرطاج أن قائد السبسي لم يرتكب خطأ عندما استقبل محامين يساريين معارضين بقوة لحركة النهضة أو غيرها من الأحزاب السياسية وسمح لهم أن يوجهوا من داخل قرطاج اتهامات خطيرة الى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ، من بينها محاولة الاغتيال وترؤس تنظيم سري له امتدادات امنية وعسكرية .

وقد سبق لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن نفى يكون للحركة تنظيم سري بعد الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في 2011، وأورد في اجتماع مع حوالي الف من كوادرها في أحد الفنادق السياحية أن كل الهياكل السرية وقع حلها منذ 23 عاما .

لكن قائد السبسي أبدى تفهما لمنتقدي حركة النهضة والمحامين الذين رفعوا قضية ضدها بتهمة محاولة اغتياله قبل 5 أعوام ، وحذر قيادة حركة النهضة مما وصفه توجيه تهديد إليه عندما اتهمه بيانها ب”إقحام مؤسسة الرئاسة بأساليب مُلتوية بهدف ضرب استقلالية القضاء” وبمسايرة ” التجاذبات السياسيّة ” و”المُتاجرين بدم الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي رحمها الله”.

في المقابل ذهب قائد السبسي إلى أبعد من ذلك فتبنى رواية المحامين الذين شكوا قيادة النهضة الى المحكمة العسكرية بسببب ما أسموه “الجهاز السري” التابع لحركة النهضة ، وأورد في كلمته الرسمية الى الشعب أنه وجد كلام هؤلءا المحامين ” معقولا ” واضاف :”ملف الجهاز السري اصبح مفضوحا ولم يعد سرا .., العالم اجمع اصبح يتكلم عنه”. ثم أعلن أنه لن يسمح لحركة النهضة أن تهدده وسيتابع الامر مع المحاكم . ثم خاطب قيادة النهضة قائلا :” “إذا خلالك الجو فبيضي وفرّخي..” في معارضة لبيت طرفة ابن العبد الشهير ” اذا خلا لك الجو فبيضي واصفري”..

والسؤال الكبير اليوم في تونس : هل وصلت العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية من جهة وبين قائد السبسي وقيادة النهضة من جهة ثانية إلى القطيعة النهائية ، أم أن الامر لا يتجاوز لعبة تصعيد الضغوطات بهدف تحسين شروط التفاوض حول المشهد السياسي القادم واسماء ابرز المرشحين لانتخابات 2019 الرئاسية والبرلمانية ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *