تحول الى مرض مزمن ..! عجز الميزانية .. وعجز المسؤولين .. بقلم جنات بن عبد الله

رغم المصطلحات الفضفاضة التي اختارها رئيس الحكومة هشام المشيشي في البيان الذي توجه به الى الشعب التونسي ونواب البرلمان يوم السبت 28 نوفمبر 2020 بمناسبة مناقشة مشاريع ميزانية الدولة وقانون المالية والميزان الاقتصادي لسنة 2021، الا أنه لم ينجح في إخفاء ضعف منهجية تعاطي الحكومة مع تحديات الراهن والحراك الاجتماعي الذي شمل عديد الجهات المطالبة بحقها في التنمية.

فقد كرس هذا البيان القطيعة بين الواقع والفعل السياسي المشلول المستند الى خيارات وسياسات غير قادرة على تغيير واقع أفرزه منوال تنمية تدعي الحكومة اليوم إصرارها على تغييره بفتح حوار اقتصادي واجتماعي مع المنظمات المهنية والنقابية والمجتمع المدني والأحزاب السياسية في خطوة لترحيل الأزمة وامتصاص الغضب في ظل ميزانية تقشف يروج لها المشيشي على “أنها صيغت لتكون بداية التغيير”.

ومرة أخرى نصطدم في الخطاب السياسي في تونس بعد الثورة بمفاهيم وسياسات لا نجد لها أي مرجعية فكرية في جميع النظريات الاقتصادية، حيث لا نفهم قدرة ميزانية تعاني،

– من شح الموارد المالية من جهة،

– وتعتمد على اقتراض داخلي وخارجي غير مضمون، وان وجد فهو بتكلفة خيالية يرهن الدولة والأجيال القادمة من جهة ثانية،

– وتستند الى حصيلة ميزانية لسنة وصفها رئيس الحكومة في بيانه بالكارثية ولا زالت تبحث عن موارد مالية من جهة ثالثة، لتحقق بداية تغيير … الا في صورة أن يكون هذا التغيير نحو الأسوأ.

بميزانية تنمية هزيلة توجه رئيس الحكومة برسالة مضمونة الوصول الى المطالبين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية عندما تحدث عن التنمية في الجهات ليتباهى بمقاربة تقوم على التشاركية وتنطلق من الجهة الا أنها تفتقر لاعتمادات قادرة على تحويل الوعود الى حقيقة.

كما توجه الى الشعب بميزانية تصرف ضعيفة غير مضمونة ومرتبطة بشروط مجحفة جديدة من قبل المؤسسات المالية الدولية تتجه نحو رفع الدعم ومزيد الضغط على الأجور في اتجاه سحق الطبقة الوسطى والقضاء على الفئات الهشة والتفويت في المؤسسات العمومية تحت عناوين مغلوطة تسمى عقود شراكة وعقود لزمات ملغمة.

لقد اختار المشيشي الانحراف بالرأي العام الوطني الى السراب، وترويج الأوهام للجهات، ودفع البلاد نحو المجهول باعتماد ميزانية بقيمة 52.6 مليار دينار تتطلب تمويلا في صيغة قروض بقيمة 20 مليار دينار منها 16.9 مليار دينار بالعملة الصعبة في غياب إجراءات استثنائية لقطاعات اقتصادية أنهكتها جائحة كورونا وأثقلتها أعباء مالية مجحفة من بنوك اختارت تحقيق الأرباح على جثة الاقتصاد الحقيقي.

لقد اختارت حكومة المشيشي ومن اصطف وراءها من الأحزاب والمنظمات المهنية والنقابية تضليل الشعب التونسي من خلال التلاعب بفرضيات الميزانية انطلاقا من نسبة نمو ب 4 بالمائة مستحيلة، وسعر صرف مجهول، الى سعر عالمي للنفط غير مستقر، بما يهدد بتبخر تقديرات الميزانية منذ الثلاثي الأول من سنة 2021 ويضع البلاد أمام سيناريوهات غير مسبوقة لا يمكن تصورها.

اننا نتساءل عن مصير البلاد والعباد والسيادة الوطنية في صورة تكرار سيناريو سنة 2020 حيث تراجعت نسبة النمو من 2.7 بالمائة الى 7 بالمائة سلبي بما تسبب في تراجع موارد الدولة وارتفاع النفقات وأدى الى ارتفاع الحاجة الى الاقتراض من 11.3 مليار دينار الى 21.5 مليار دينار.

اننا أمام لحظة تاريخية مفصلية تفرض على الجميع التحلي بالمسؤولية والابتعاد عن الحسابات السياسية بما يفترض وضع السيناريو الأقرب الى الواقع الذي يقوم على فرضية نسبة نمو بصفر بالمائة، في أفضل الحالات، قبل أن نقف عند وضع يتطلب ارتفاع حاجة البلاد من الاقتراض الى أكثر من 20 مليار دينار، مقابل عجز تجاري يناهز 20 مليار دينار عكس الأرقام الرسمية التي تروج لعجز في حدود 10 مليار دينار، ولنتساءل هذه المرة، بجرأة وشجاعة المشيشي التي كشف عنها في بيان الحكومة، عن مصير البلاد والعباد والسيادة الوطنية في ظل عجز مزمن للميزانية وعقم واضح لدى حكام تونس الجدد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *