بيروت وحيفا ، الصراع بين مرفأين ، الصراع بين حضارتين … بقلم مروان سليم

 

مروان سليم الهيتي

أنطون سعاده قال يوما : إن فيكم قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ .

أولى نتائج إنفجار مرفأ بيروت وإتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي : حيفا مدينة خليجية وميناء حيفا هو بوابة الإمارات والدول الخليجية ومدينتها على البحر الابيض المتوسط ، ودبي مفتاح إسرائيل الى الخليج العربي . تلك إحدى نتائج تدمير مرفأ بيروت خاصة بعد أن إنتهت الصين من تحديث وإعداد مرفأ حيفا وتجهيزه ليكون أكبر مرفأ CARGO في شرق البحر الأبيض المتوسط .

لا بل هي بالحقيقة السبب الرئيسي في تدميره .
حيفا بدل بيروت من الآن إلى اجل غير مسمى .

سبق أن تناولت هذا الموضوع بعد أسبوع من إنفجار المرفأ وعشية الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي وسأتناوله مجددا الآن بعد وضوح المعطيات الجديدة .

بدأت إسرائيل تخطط لضرب مرفأ بيروت منذ خمس سنوات . في آذار العام 2015 اي منذ خمس سنوات تم توقيع اتفاقية بين إسرائيل والصين على أن تقوم شركة SHANGHAI INTERNATIONAL PORT GROUP بإشغال وتشغيل مرفأ حيفا على ان يبدأ سريان الاتفاقية في بدء عام 2021 . منذ خمس سنوات ، كان الصينيون والإسرائيليون منهمكين بتحضير وتحديث وتجهيز وتوسيع مرفأ حيفا بأحدث الطرق والتكنولوجيا لجعله مرفأ انترناسيونيا قادرا على أن يقوم بمهمة الربط بين الغرب والشرق والخليج العربي . خلال تلك الخمس سنوات كانت دول الخليج التي كانت تستعمل مرفأ بيروت تراقب هذا الموضوع وتترقب . في شهر تموز الماضي إنتهى الإسرائيليون والصينيون من مرحلة تجهيز المرفأ وتم إبلاغ الدول العربية المهتمة بالموضوع . و بدأ العد العكسي لتدمير مرفأ بيروت .

سبق وكتبت سابقا عين العين الإسرائيلية المحمرة على ميناء بيروت منذ نشوء دولة إسرائيل عام 1948 . يعتبر مرفأ بيروت اهم اكبر الموانئ البحرية في منطقة شرق البحر الابيض المتوسط ومن افضل 10 مرافىء فيها ، ويشكل مركز إلتقاء للقارات الثلاث : أوروبا ، آسيا وأفريقيا، وبذلك يعتبر البوابة الثقافية الإقتصادية التجارية البحرية الى الشرق الأوسط ، بوابة الترانزيت والشحن التجاري وإعادة التصدير والرسوم الجمركية وخدمات التأمين الناتجة عن تلك العمليات بين الشرق والغرب وبالأخص بين الغرب وبلاد الخليج العربي . هذا ما كانت تحلم به إسرائيل ليكون دور ميناء حيفا . أخذته بيروت وإستفردت به بعد العام 1948 . من هنا عين إسرائيل المحمرة على ميناء بيروت .
منذ إنتهاء الحرب العالمية الأولى كان الصراع بين مرفأين على من يكون الأول . مرفأ حيفا الفلسطيني ومرفأ بيروت اللبناني . بقي التنافس بين المرفأين وديا ومحليا ( نحن بالأساس شعب واحد قبل سايكس بيكو ) من 1920 لغاية 1948 حين ولادة دولة اسرائيل وحالة الصراع العربي الإسرائيلي . تراجع دور مرفأ حيفا المتوسطي وانتهى دوره بالنسبة للدول العربية بسبب المقاطعة العربية لإسرائيل . ما كان دائما يثير غضب اليهود وغيرتهم من مرفأ بيروت هون ان لمرفأ حيفا أفضلية كبرى على بيروت إن من حيث قربه الجغرافي من دول الخليج او من إمكانية ربطه بسكة حديد ناقلة للبضائع منه الى كل الدول الخليجية . معلوم ان الدول الخليجية تستورد من اوروبا المعدات الثقيلة و معدات المصانع و الآلات المصنعة للمصانع الضخمة والشاحناتز والسيارات وكل مواد البناء والمواد الأولية ومواد الغذاء والكثير من المواد الاستهلاكية التي تستورد بالبحر من الدول الاوروبية عن طرق مرفأ بيروت الذي كان عاصمة للتجارة والمال في الشرق الأوسط . وبقي كذلك الى حد كبير لغاية السنوات الأخيرة . كان الشريان الحيوي الباقي للإقتصاد اللبناني الذي كان يمد الأردن و العراق والكويت والسعودية والإمارات والبحرين وقطر بقسم كبير من وارداتها الأوروبية والسلع الاستهلاكية حتى في ظل الحرب الاهلية اللبنانية والحرب الداخلية السورية . إنه دور دائما حلمت به إسرائيل منذ 1948 ليكون لمرفأ حيفا . حتى جاء الوقت المناسب . منذ سنين تعمل الدولة اليهودية على فك الحصار العربي عليها . بدأت بالبوابة المصرية من دون نتائج باهرة . عجزت عن فتح البوابة السعودية لأسباب سعودية داخلية و إسلامية متعلقة بالقدس . فتحت البوابة الأردنية وما إستفادت منها ، حاولت البوابة اللبنانية وسقطت في 17 أيار . كان ينقصها بوابة الخليج العربي من قطر أولا ومن ثم الإمارات العربية المتحدة . حضرت إسرائيل خططها وباشرت تطوير ميناء حيفا ووضعت الخطط الكفيلة بربطه بشبكة قطارات ناقلة للبضائع عبر سكك حديد من حيفا الى آخر ميناء خليجي من دون معارضة سعودية . جاءت الفرصة بنجاح مفاوضات الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وإستبقت إسرائيل اللحظة بضرب مرفأ بيروت لكي لا تعطي امكانية الاختيار للخليجيين بين مرفأ حيفا الحديث المجهز والذي هو قيد التطوير والتوسيع والتحديث وبين مرفأ بيروت المدمر الواقع تحت السيطرة السورية الإيرانية ، لكن طبعا مع أفضلية جغرافية لمرفأ حيفا في حال كانت جميع العوامل الاخرى متعادلة . انه سباق بين مرفأين . إنه صراع بين مرفأين . جهزت إسرائيل لضربتها ولم تقصد تدمير المدينة . بل يبدو انها فوجئت بذلك كما فوجئت الدول الغربية . كان كل قصدها تدمير المرفأ . غير ان المجرمين في لبنان كانوا قد وضعوا في المرفأ عنبر لنيترات الأمونيوم وعنبر للذخائر والمتفجرات وغيرها – وهم الآن يلفلفون جريمتهم بتحقيق مزور – والأرجح ان إسرائيل لم تكن عالمة بالاثنين معا او بوجودهما متلاصقين . طبعا هنا فضل المجرمين اللبنانيين عندنا الذين قدموا لها مجانا امكانية تدمير كل بيروت او كما يقال < بالبلاش > .

الإتفاقية الإسرائيلية الإماراتية فكت الحصار عن حيفا وأزالت الموانع والعوائق السياسية التي كانت تحول دون أن تكون حيفا مدينة خليجية للتجارة الاقتصادية البحرية على البحر الابيض المتوسط . وإنفجار مرفأ بيروت أزال العوائق التقنية والجغرافية واللوجستية التي كانت تمنع الخليجيين من حسم خياراتهم .

في موازاة هذه التطورات الأستراتيجية /الجيو سياسية وفي موازاة حجمها وآثارها الخطيرة على لبنان وشعبه واقتصاده.
والتنافس لم يكن محصوراً بين المرفأين فحسب، بل بين بيروت كمدينة وكحاضرة، ومركز مالي وتجاري، وبين تل- أبيب، وكان الكلام هنا في الدولة العبرية، يدور حتى قبل اجتياح جيش الإحتلال لبيروت في عام ١٩٨٢، بهدف تدميرها، وتنحيتها، لا بل إزالتها عن مسرح الأحداث، لتغدو تل- ابيب، وشارع ليلينبلوم المالي، هي حاضرة، ومركز الشرق الاوسط التجاري والمالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *