بعيدا عن اهتمامات الحكومة والبنك المركز .. يتواصل تفاقم عجز الميزان التجاري… بقلم جنات بن عبد الله

بعيدا عن اهتمامات حكومة المشيشي والبنك المركزي أصدر المعهد الوطني للإحصاء في بداية هذا الأسبوع نتائج المبادلات التجارية التونسية مع الخارج المسجلة خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2020.

وبعيدا عن التفاصيل، يختزل عجز الميزان التجاري وضعية العلاقات التجارية لتونس مع الخارج ودرجة تبعية اقتصادنا مع الخارج في جميع المجالات حيث بلغ العجز التجاري خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة 17.6 مليار دينار وهو رقم قياسي ومخيف يضاف الى حجم خدمة الدين المطالبة بلادنا بتسديدها خلال السنة المالية 2020.

وبعيدا أيضا عن تفاصيل الميزان التجاري، يكشف ضعف نسبة تغطية الواردات بالصادرات والذي لم يتجاوز عتبة 30 في المائة ضعف صادراتنا وهشاشة هيكلتها حيث لا تغطي مداخيل صادراتنا سوى 30 في المائة مما نورده، فيما تلجأ تونس الى الاقتراض الخارجي بالعملة الصعبة لتأمين 70 في المائة مما نورده من سيارات وحبوب وأدوية وزيوت نباتية وبذور وأعلاف… والقائمة تطول لنقف عند حقائق خطيرة ونتساءل عن قدرات بلادنا لتأمين حاجياتنا من انتاجنا ومجهود القوى العاملة ومساهمة راس المال في خلق ثروة كشفت احصائيات المعهد الوطني للإحصاء عن تراجعها بسبب حالة الانكماش التي تم تسجيلها خلال السداسي الأول من السنة حيث بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي 6.11- في المائة.

ضعف الصادرات وارتفاع الواردات حكمت على الدينار التونسي بانزلاق متواصل عمقته سياسة صرف مرنة لبنك مركزي مستقل، أو بالأحرى مستقيل، فتحت الباب على مصراعيه لتضخم مستورد أنهك الاقتصاد وجيب المواطن وتكاليف الإنتاج.

وضعية مفزعة، ترجمتها حركات احتجاج لم تتوقف منذ الثورة الى اليوم من قبل الفلاحين والبحارة والمواطن، وصيحات فزع أطلقتها منظمات نقابية ومهنية نجد في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري ونقابات المهن الحرة ومنظمات الدفاع عن المستهلك … مقابل صمت رهيب من قبل الحكومات المتعاقبة، صمت لم تشذ عنه حكومة المشيشي التي يحسب لها تسجيل مستوى قياسي في التعتيم الإعلامي طال مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 حيث لم تبلغنا عنهما الى اليوم ولو شبه معلومة.

ما بلغه الميزان التجاري اليوم من عجز في ظل ارتفاع حجم الدين العمومي وانكماش الوضع الاقتصادي، بما يعمق التهديد بعدم قدرة تسديد بلادنا لأقساط ديونها لهذه السنة، يفترض تحرك مجلس الأمن القومي والحكومة والبنك المركزي ومجلس نواب الشعب في اتجاه ايقاف النزيف والاعلان، وبصفة استعجالية، عن تغيير منوال التنمية والاتجاه نحو رفع كل القيود أمام تحرك عجلة الإنتاج ودعم قطاعات الإنتاج وتشجيع المبادرة الخاصة من خلال القطع مع سياسة التقشف لصندوق النقد الدولي وإقرار التخفيض في الضغط الجبائي وإقرار إجراءات حمائية أمام التوريد في اطار تعديل سياسة الانفتاح مع الاتحاد الأوروبي مع العمل على تكثيف التمثيل الاقتصادي في الأسواق التقليدية قبل الأسواق الجديدة، ومراجعة قانون استقلالية البنك المركزي في اتجاه حماية العملة الوطنية وتمويل ميزانية الدولة بصفة مباشرة ومزيد التخفيض في نسبة الفائدة المديرية التي تحولت الى أداة نقدية لتدمير منظومات الإنتاج وبالتالي التصدير وضرب الاستثمار والاستهلاك.

ان صمت الحكومة والبنك المركزي تجاه تفاقم عجز الميزان التجاري يرتقي الى مستوى التفريط في البلاد ودفعها نحو المجهول باعتبار توفر هامش تحرك مريح أمام السلطتين التنفيذية والنقدية هما مدعوان الى عدم التفريط فيه وافتكاك زمام الأمور بعيدا عن املاءات صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والإدارة العميقة التي وضعت مشروعي قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2021 على أساس التعهد الذي التزمت به بلادنا تجاه صندوق النقد الدولي يوم 10 أفريل 2020 والرامي الى تجميد الأجور والانتدابات ورفع الدعم والترفيع في الضرائب بالنسبة للحكومة، واتباع سياسة صرف مرنة وسياسة نقدية متشددة بالنسبة للبنك المركزي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *