بعد أن دمر محركات النمو…البنك المركزي يستخف بالوضع الاقتصادي .. بقلم جنات بن عبد الله

أثار الحوار الذي أدلى به محافظ البنك المركزي يوم الاثنين 1 فيفري 2021 لإحدى الإذاعات الخاصة استغراب عديد المختصين في الشأن الاقتصادي والمالي والنقدي عندما تحدث عن السياسة النقدية التي اتبعها في السنوات الأخيرة والتي تقوم على نسبة فائدة مديرية مرتفعة من أجل احتواء تضخم مصدره، نعلم جميعا، أنه غير نقدي مؤكدا أن هذه السياسة كانت ناجحة في احتواء التضخم الذي تراجع من 7 بالمائة الى أقل من 5 بالمائة في سنة 2020.
وكالعادة اكتفى محافظ البنك المركزي بالتركيز على العلاقة بين التضخم ونسبة الفائدة دون التعرض الى العلاقة بين نسبة الفائدة ومحركات النمو الثلاثة من استهلاك واستثمار وتصدير ليسوق لنجاحاته في مجال السيطرة على تضخم، نعلم جميعا، أنه تراجع نتيجة تدهور الطلب وتدهور المقدرة الشرائية وتفاقم الفقر وسحق الطبقة الوسطى وتفاقم البطالة التي أدت الى تراجع الاستهلاك.
ولعل النظرية الاقتصادية الجديدة التي كشف عنها محافظ البنك المركزي في هذا الحوار، عندما تحدث عن تمويل البنك المركزي لميزانية الدولة، تفسر حقيقة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها بلادنا مع حكومات تكنوقراط ومحافظ بنك مركزي تطبعوا بتوجهات صندوق نقد دولي هاجسه الوحيد ضمان توجيه ميزانية الدولة نحو تسديد خدمة الدين كأولوية الأولويات على حساب بقية الأبواب التي لم يبق منها سوى كتلة الأجور واعتمادات الدعم بعد أن تم القضاء على دور الدولة في انجاز المشاريع العمومية.
هذه النظرية التي كشف عنها في هذا الحوار تفيد، كما جاء على لسانه، بأن “البلد الذي لا يستثمر لا يمكن أن يخلق الثروة” في إشارة الى أن هذه الحكومة لن تستثمر الأموال التي سيضخها البنك المركزي بل ستوجهها الى صرف الأجور وتمويل الدعم بما سيفاقم في نسبة التضخم.
ولئن يبقى هذا التخوف قائما، بل يستوجب الحذر من الطرفين، فان التمسك بالقانون عدد 35 لسنة 2016 مؤرخ في 25 أفريل 2016 يتعلق بضبط القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي وخاصة الفصل 7 الذي يحدد مهام البنك المركزي في استهداف التضخم، والفصل 25 الذي يمنع البنك المركزي من منح الخزينة العامة للدولة تسهيلات مالية، سيزيد في تأزم الوضع في البلاد.
الأكيد أن هذه النظرية ستحسب في باب نجاحاته طالما وأنه توقف عند نصف الحقيقة ولم يتعرض الى الأسباب التي جعلت هذا البلد لا يستثمر.
ففي الوقت الذي أقدمت فيه كل البلدان، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا لإنقاذ الاقتصاد والمؤسسات والقطاعات المنتجة وحتى ميزانية الدولة، على الخروج عن مقتضيات استقلالية البنك المركزي ومولت بصفة مباشرة ميزانية الدولة وخفضت في نسبة الفائدة المديرية التي قاربت الصفر في البلدان المتقدمة وحددت فيما بين 1 و1.5 بالمائة في بلدان مثل المغرب والاردن، تشبث البنك المركزي التونسي بنسبة فائدة تجاوزت 6 بالمائة ورفض التمويل المباشر لميزانية الدولة، الا بترخيص لمزيد تعجيز الدولة، ليحقق بذلك استثناء تونسيا بامتياز، ويدفعنا للإقرار بحقيقة تفيد بأن انهيار كل محركات النمو لن تدفعه الى العدول عن نظريته الاقتصادية التي تعمدت تجاهل الأسباب التي أدت بهذا البلد الى عدم الاستثمار وبالتالي الى تدمير ثروته الا بإلغاء القانون عدد 35 لسنة 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *