المشهد السياسي الليبي وحالة التأرجح المستمرة بين الخيارين التونسي والمصري .. بقلم علي عبداللطيف اللافي

لا شك أن الحوار يبقى السبيل الوحيد للوصول بليبيا الى بر الآمان بل والمضي في اكتساب موقع إقليمي مستقبلي مهم واستراتيجي نتاج لثرواتها الهائلة وامتدادها الجغرافي (سواحلها على المتوسط – جوارها لأغلب دول الساحل والصحراء)، ذلك أن ليبيا هي مربط فرس العمق الافريقي الذي تتصارع حوله قوى دولية وأطراف اقليمية على غرار الصينيين والأمريكيين والإيرانيين والأتراك والروس إضافة الى القوى التقليدية المعروفة في افريقيا منذ نهاية القرن 19 على غرار الايطاليين والفرنسيين والأنقليز وباعتبار ان ليبيا تعيش منذ فيفري 2014 حالة تأرجح مستمرة نتاج الصراع الداخلي بين من يُريد ويسعى لتكريس واستنساخ النموذج المصري وبين من يعمل على الاقتداء بتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، والسؤال المهم في ظل كل التطورات والاحداث الأخيرة هل ستدعم مآلات الحوارات الأخيرة في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية على ترجيح كفة الخيار التونسي أمام خيار البحث عن “سيسي ليبيا” (أي الخيار المصري)؟

++ حيثيات الحوار الأخير بين مجلسي “النواب” و”الاعلى للدولة”

من المعروف أن الحوار الأخير بين “مجلس النواب” في طبرق و”المجلس الأعلى للدولة” في طرابلس، قد بدأت خطواته الأولى في الرباط بين “خالد المشري” و”عقيلة صالح” على هامش لقاء نيابي دولي في أفريل الماضي، ثم جرت المفاوضات على أكثر من مرحلة وأن الجلسات المباشرة في مرحلتها الأخيرة تمت على مرحلتين في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، ومن المنتظر أيضا أن تتم جولات أخرى وفقا للتطورات والهدف هو الذهاب لمؤتمر إيطاليا باتفاقات شبه نهائية، مع العلم أن خطواتها الأولى وترتيباتها سابقة لمعارك جنوب طرابلس أي قبل 27 اوت الماضي…

أما بخصوص المشاركين في المفاوضات فهم عمليا أنفسهم من حيث صفاتهم لا اشخاصهم الذين حضروا في مفاوضات النزل الغابي في أمستردام (نواب مقاطعين – نواب مباشرين من أنصار عقيلة صالح – أعضاء في المجلس الأعلى للدولة – ممثلين عن هيئة الدستور)، أما بخصوص الرعاية فقد تمت بدعم البعثة الأممية وممثلي الدول الخمس الكبرى، ومن بين النقاط المتفق عليها خلال الجلسات الاخيرة صيغة وطبيعة تركيبة المجلس الرئاسي والتي تم الاتفاق بشكل شبه نهائي أن تكون ثلاثية (عضو عن كل من الغرب والشرق والجنوب)، بل وتم أيضا تحديد الخطوط الكبرى لصلاحيات المجلس الرئاسي ولصلاحيات الحكومة الحالية كما تم طرح صيغ توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية والاستثمارية وبقية المؤسسات السيادية….

أما من حيث الأسماء التي تم طرحها في جلسات الحوار فبالنسبة للجهة الشرقية تم طرح أسماء العبار (رئيس بلدية بن غازي الحالي) – إضافة الى اسم “جادالله عزوز الطلحي” مع أولوية للأول وتم طرح اسم “عبد الرحمان شلقم” من بين أسماء عدة اقترحت لتمثيل الجنوب في المجلس الرئاسي الجديد بل ومن المنتظر أن يكون رئيسا للمجلس وفي تلك الحالة سيكون النائب “فتحي بشاغا” ممثلا للجهة الغربية…

ورغم كل ما روج من اشاعات، فان الأحزاب لم تشارك في الحوارات الأخيرة كأطراف وانما من داخل المجلسين (الأعلى للدولة – النواب)، وإذا صحت المعطيات أن التركيبة الجديدة للرئاسي هي ما ذكرناه أعلاه فان شخصية طرابلسية ستكون لها الألوية في ترأس الحكومة الانتقالية على غرار “م. أبو شاقور”…

إن هذه الحوارات ومآلاتها سيكون لها آثارا كبرى على المشهد السياسي المستقبلي وذلك لا يعني ان التحديات قد انتهت امام مكونات المشهد الليبي لان المتناقضات أكثر من أن تحصى أو تعد فالأذرع الإقليمية وان وضعت أمامها خطوط حمراء مستقبلا في الملف الليبي فان هوامش عدة يمكن الولوج اليها لتفجير الصراعات مجددا ووضع عراقيل امام الحكومة المنتظرة وأمام نتائج المؤتمر الدولي في إيطاليا…

++ ما يجب على الليبيين فعله لإنهاء حالة التأرجح المستمرة بين الخيارين التونسي والمصري؟

ما حدث في طرابلس الغرب خلال الأسابيع الماضية هو انعكاس عملي لأدوار مفصلية وأجندات لأطراف متحكمة ودافعة بهدف الوصول الى حالة سياسية خادمة لها حيث ترغب أطراف في حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات مع دور بروتوكولي للرئاسي وحصره في تركيبة ثلاثية، ولكن حالة الفوضى والعبث التي قامت على مراكمة مستمرة لأخطاء كبيرة طوال اربع عقود إضافة للصراعات المستمرة خلال السبع سنوات الماضية، قد تستمر وإن بأشكال أخرى، لأن ما يحدث في ليبيا منذ سنوات هو محاكاة تاريخية لمشهد ما قبل ديسمبر 1951 ذلك أن الخلاف السياسي بين الفاعلين الدوليين المُترتب على القراءات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية لليبيا المستقبل، هو خلاف بين محورين أو رؤيتين للاتجاه في أحد خيارين:

دفع وتغذية للخيار العسكري في ليبيا عبر الإصرار على محاولات جديدة لتكريس خياري”القذافي2″ و”سيسي ليبيا” وهما في الحقيقة وجهين لعملة واحدة مما يعني المرور العملي الى سيناريو الحرب الأهلية الكارثية بسبب اختلاف البيئتين المصرية والليبية عسكريا واجتماعيا، وعندئذ ستسقط التجربة التونسية أيضا في براثن الانقلابات الناعمة حتى وإن استحالت خيارات الانقلابات العسكرية أو الأمنية، ثم بعثرة أوراق التجارب السياسية في الجزائر والمغرب وموريتانيا في مراحل لاحقة …
دعم للانتقال الديمقراطي في كل المنطقة المغاربية عبر دفع الفاعلين السياسيين الليبيين نحو الخيار التونسي المُتبع منذ 2014 وأخذ مسافة غير قابلة للعودة عن المسار المصري الموسوم بــ”الانقلابي” ودعم الخيار الديمقراطي في موريتانيا ودعم حكومة العثماني ودعم الدور الإقليمي للجزائر في مشاكل وملفات كل المنطقة (المغرب العربي – دول الساحل والصحراء – كل إفريقيا)….
ان كل الباحثين والمختصين والمتابعين عن قرب للمشهد الليبي يعرفون جيدا أن ما يجري في ليبيا ليس أزمة صراع داخلي على السلطة فقط بل هو ازمة خيارات وصرعات وتوجهات في المنطقة بين قوى إقليمية ودولية ومحددات تتدخل فيها الشركات العابرة للقارات واجندات عالمية ذات أبعاد ثقافية وحضارية، ومع ذلك فإن المتصارعين في الداخل الليبي مع تغير خارطة تشكيلاتهم يُمثلون معابر رئيسية لتكريس الخيارات وتعبيد الطريق لمآسي يتضرر منها الليبيون أولا والعرب والأفارقة ثانيا…

وبناء على ما سلف ذكره يتوجب على الليبيين اليوم قبل الغد أن يفرضوا على نخبهم السياسية الحالية السعي الدؤوب الى بناء دولة ديمقراطية وقبل ذلك بناء دستوري ثم تقديس ثقافة العمل والإنتاج بعيدا عن ثقافة الاقصاء والاستئصال التي يروج لها بعض أشخاص وأطراف نخبوية عبر استجابة لثقافة وتمويل من أطراف بل أذرع إقليمية ساهمت عمليا في نشر منطق وثقافة العنف والقتل والتخريب ضد ليبيا وشعبها، وان المطلب العاجل هو التمكن العملي من إجراء مصالحة شاملة وعادلة تدفن آلام الماضي، وتمكن الليبيين من توقي الصعاب عبر بناء المؤسسات الدستورية وحتى يهنأ كل الليبيين وكل الليبيات بوطنهم وثرواتهم بغض النظر عن أحزابهم وقبائلهم ومدنهم وانتماءاتهم الفكرية والمذهبية والسياسية…

ان المعارك والصراعات والانقلابات العسكرية لن تجني منها ليبيا شيئا سوى انتاج الأزمات والتخلف بينما الاستئناس بالتجربة التونسية ونحت تجربة ليبية تراعي خصوصيات المجتمع الليبي (تطغى عليه من حيث خصوصيات الشخصية الليبية عوامل القبيلة والغلبة والغنيمة)، و في تلك الحالة يتمكن الليبيون لا فقط الخروج من الازمة الليبية المتفاقمة بل والقدرة على بناء لبنة أولى للصرح المغاربي عبر تجسيد مقولة التونسيين والليبيين المعروفة “شعب واحد في بلدين”، وهو ما يؤسس لاحقا للاستفادة من أن القارة الافريقية (قارة المستقبل)، وأن بابها الأولى والوحيد عمليا بالنسبة للأوربيين وبالنسبة للجميع هي ليبيا وليبيا فقط نتاج ارث تاريخي وحضاري ويستند معرفيا لمؤيدات سياسية واجتماعية وثقافية أكثر من أن تُحصى أو تُعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *